الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ويجب في خمس وعشرين إبلا بنت مخاض ، وفيما دونه في كل خمس شاة ، وفي ست وثلاثين بنت لبون ، وفي ست وأربعين حقة ، وفي إحدى وستين جذعة ، وفي ست وسبعين بنتا لبون ، وفي إحدى وتسعين حقتان إلى مائة وعشرين ) بهذا اشتهرت كتب الصدقات من رسول الله صلى الله عليه وسلم والإبل ليس لها واحد من لفظها والنسبة إليها إبلي بفتح الباء كقولهم في النسبة إلى سلمة سلمي بالفتح لتوالي الكسرات مع الياء والمخاض النوق الحوامل وابن المخاض هو الفصيل الذي حملت أمه قبل ابن اللبون بسنة ، وكذلك بنت المخاض ، والمخاض أيضا : وجع الولادة قال - تعالى - { فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة } وشاة لبون ذات لبن وابن اللبون الذي استكمل سنتين ، ودخل في الثالثة والحق من الإبل ما استكمل ثلاث سنين ودخل في الرابعة ، والحقة الأنثى ، والجمع حقاق والجذع من البهائم قبل الثني إلا أنه من الإبل في السنة الخامسة ، والأنثى جذعة هذا في اللغة ، وفي الشريعة : والمراد ببنت المخاض ما تم لها سنة ، وبنت اللبون ما تم لها سنتان ، وبالحقة ما تم لها ثلاث وبالجذعة ما تم لها أربع ذكر الزيلعي في فصل المحرمات من النكاح أن قيد كونها بنت مخاض أو بنت لبون خرج مخرج العادة لا مخرج الشرط ، فالمراد السن لا أن تكون أمها مخاضا أو لبونا ا هـ .

                                                                                        واقتصر الفقهاء على هذه الأسنان الأربعة ; لأن ما عداها لا مدخل لها في الزكاة كالثني والسديس والبازل تيسيرا على أرباب الأموال بخلاف الأضحية ، فإنها لا تجوز بهذه الأسنان ; لأنه لا يجوز فيها إلا الثني ، ولا يجوز الجذع إلا من الضأن

                                                                                        وقالوا : هذه الأسنان الأربعة نهاية الإبل في الحسن والدر والنسل والقوة ، وما زاد عليه فهو رجوع كالكبر والهرم ، والأصل في هذا الباب أنه توقيفي ، وما في المبسوط مما يفيد أنه معقول المعنى فإنه قال : إن إيجاب الشاة في خمسة من الإبل لأن المأمور به ربع العشر بقوله عليه الصلاة والسلام { هاتوا ربع عشر أموالكم } ، والشاة تقرب من ربع عشر فإن الشاة كانت تقوم بخمسة دراهم هناك ، وابنة مخاض بأربعين درهما فإيجاب الشاة في الخمس كإيجابها في المائتين من الدراهم ففيه نظر ; لأنه قد ورد في الحديث أن من وجب عليه سن فلم يوجد عنده فإنه يضع العشرة موضع الشاة عند عدمها ، وهو مصرح بخلافه ، وقيد المصنف السن الواجب في الإبل بالإناث ; لأنه لا يجوز فيها دفع الذكور كابن المخاض إلا بطريق القيمة للإناث إلا فيما دون خمس وعشرين من الإبل فإنه يجوز الذكر والأنثى ; لأن النص ورد باسم الشاة فإنها تقع على الذكر والأنثى بخلاف البقر والغنم فإنه يجوز في السن الواجب فيهما الذكور والإناث كما سيصرح به من التبيع والمسن ، وفي البدائع

                                                                                        ولا يجوز في الصدقة إلا ما يجوز في الأضحية وأطلق في الإبل فشمل الذكور والإناث كما قدمناه ; لأن الشرع ورد بنصابها باسم الإبل والبقر والغنم واسم الجنس يتناول جميع الأنواع بأي صفة كانت كاسم الحيوان وسواء كان متولدا من الأهليين أو من أهلي ووحشي بعد أن كان الأم أهلية كالمتولد من الشاة والظبي إذا كان أمه شاة والمتولد من البقر الأهلي والوحشي إذا كان أمه أهلية فتجب الزكاة فيه كذا في البدائع وشمل الصغار والكبار لكن بشرط أن لا يكون الكل صغارا لما سيصرح به بعد ذلك فالصغار تبع للكبار عند الاختلاط وشمل الأعمى والمريض والأعرج في العدد ، ولا يؤخذ في الصدقة كما في الولوالجية وشمل السمان والعجاف لكن قالوا : إذا كان له خمس من الإبل مهازيل وجب فيها شاة بقدرهن ، ومعرفة ذلك أن ينظر إلى الشاة الوسط كم هي من بنت المخاض الوسط فإن كانت قيمة بنت مخاض وسط خمسين ، وقيمة الشاة [ ص: 231 ] الوسط عشرة تبين أن الشاة الوسط خمس بنت مخاض فوجب في المهازيل شاة قيمتها قيمة خمس واحدة منها ، وإن كان سدسها فسدس ، وعلى هذا قياسه

                                                                                        وإن كان لا يبلغ قيمة كلها قيمة بنت مخاض وسط ينظر إلى قيمة أعلاهن فيجب فيها من الزكاة قدر خمس أعلاهن ، فإن كانت قيمة أعلاهن عشرين فخمسه أربعة فيجب فيها شاة تساوي أربعة دراهم ، وإن كانت قيمة أعلاهن ثلاثين فخمسه ستة دراهم ; لأنه لا وجه لإيجاب الشاة الوسط ; لأنه لعل قيمتها تبلغ قيمة واحدة من العجاف أو تربو عليها فيؤدي إلى الإجحاف بأرباب الأموال فأوجبنا شاة بقدرهن ليعتدل النظر من الجانبين وكذا في العشرة منها يجب شاتان بقدرهن إلى خمس وعشرين فيجب واحدة من أفضلهن ، وتمام تفريعات زكاة العجاف في الزيادات والمحيط وغيرها ( قوله ثم في كل خمس شاة إلى مائة وخمس وأربعين ففيها حقتان وبنت مخاض وفي مائة وخمسين ثلاث حقاق ثم في كل خمس شاة ، وفي مائة وخمس وسبعين ثلاث حقاق وبنت مخاض وفي مائة وست وثمانين ثلاث حقاق وبنت لبون وفي مائة وست وتسعين أربع حقاق إلى مائتين ثم تستأنف أبدا كما بعد مائة وخمسين ) كما ورد ذلك في كتاب عمرو بن حزم وفي المبسوط وفتاوى قاضي خان إذا صارت مائتين فهو مخير إن شاء أدى فيها أربع حقاق في كل خمسين حقة ، وإن شاء أدى خمس بنات لبون في كل أربعين بنت لبون

                                                                                        وفي معراج الدراية أن له الخيار فيما إذا كانت مائة وستا وتسعين إن شاء أدى أربع حقاق ، وإن شاء صبر لتكمل مائتين فيخير بينها وبين خمس بنات لبون ، وإنما قيد في الاستئناف بقوله كما بعد مائة وخمسين ليفيد أنه ليس كالاستئناف الذي بعد المائة والعشرين ، والفرق بينهما أن في الاستئناف الثاني إيجاب بنت لبون ، وفي الاستئناف الأول لم يكن لانعدام نصابه وأن الواجب في الاستئناف الأول تغير من الخمس إلى الخمس إلى أن تستأنف الفريضة ، وفي الاستئناف الثاني لم يكن كذلك فإذا زاد على المائتين خمس ففيها شاة مع الأربع حقاق أو الخمس بنات لبون ، وفي عشر شاتان معها ، وفي خمسة عشر ثلاث شياه معها ، وفي عشرين أربع معها فإذا بلغت مائتين وخمسا وعشرين ففيها بنت مخاض معها إلى ست وثلاثين فبنت لبون معها إلى ست وأربعين ومائتين ففيها خمس حقاق إلى مائتين وخمسين ثم تستأنف كذلك ففي مائتين وست وتسعين ست حقاق إلى ثلاثمائة ، وهكذا ( قوله والبخت كالعراب ) لأن اسم الإبل يتناولهما واختلافهما في النوع لا يخرجهما من الجنس والبخت جمع بختي ، وهو الذي تولد من العربي والعجمي منسوب إلى بخت نصر والعراب جمع عربي للبهائم ، وللأناسي عرب ففرقوا بينهما في الجمع والعرب هم الذين استوطنوا المدن والقرى العربية والأعراب أهل البدو واختلف في نسبتهم فالأصح أنهم نسبوا إلى عربة بفتحتين ، وهي من تهامة ; لأن أباهم إسماعيل عليه السلام نشأ بها كذا في المغرب والله أعلم بالصواب وإليه المرجع والمآب

                                                                                        [ ص: 230 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 230 ] ( قوله : إلا فيما دون خمس وعشرين من الإبل إلخ ) قال الرملي : لو قال إلا في الشاة الواجبة فيها لكان أخصر وأصوب لما سيأتي من قوله ثم في كل خمس شاة ، وهي أعم من الذكر والأنثى وقد وجبت فيما زاد على العدد المذكور الذي هو دون الخمسة وعشرين من الإبل تأمل

                                                                                        [ ص: 231 ] ( قوله ثم في كل خمس شاة ) ذكر الرملي أنه ورد سؤال لبعض الفضلاء أنه هل تشترط حياة الشاة أم لا وذكر الجواب عن بعضهم بالتوقف وأنه لم ير فيه نصا ، وعن بعضهم الجزم بالاشتراط وأن المذبوحة لا تجزئ إلا على سبيل التقويم وأطال فيه فراجعه




                                                                                        الخدمات العلمية