( قوله وكره نقلها إلى بلد آخر لغير قريب وأحوج ) أما الصحة فلإطلاق قوله تعالى { إنما الصدقات للفقراء } من غير قيد بالمكان ، وأما حديث المشهور { معاذ } فلا ينفي الصحة ; لأن الضمير راجع إلى فقراء المسلمين لا إلى أهل خذها من أغنيائهم وردها في فقرائهم اليمن ، أو لأنه ورد لبيان أنه عليه الصلاة والسلام لا طمع له في الصدقات ولأنه صح عنه أنه كان يقول لأهل اليمن { } وخير لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن كان في زمنه فهو تقرير ، وإن كان في زمن : ائتوني بخميس أو لبيس - وهما الصغار من الثياب - آخذه منكم في الصدقة مكان الشعير والذرة أهون عليكم أبي بكر فذاك إجماع لسكوتهم عنه ، وعدم الكراهة في نقلها للقريب للجمع بين أجري الصدقة والصلة وللأحوج ; لأن المقصود منها سد خلة المحتاج فمن كان أحوج كان أولى ، وليس عدم الكراهة منحصرا في هاتين ; لأنه لو نقلها إلى فقير في بلد آخر أورع وأصلح كما فعل رضي الله عنه لا يكره ; ولهذا قيل : التصدق على العالم الفقير أفضل كذا في المعراج ، ولا يكره نقلها في دار الحرب إلى فقراء دار الإسلام ; ولهذا ذكر في نوادر المبسوط رجل مكث في دار الحرب سنين فعليه زكاة ماله الذي خلف ها هنا ومال استفاده في دار الحرب لكن تصرف زكاة الكل إلى فقراء المسلمين الذين في دار الإسلام ; لأن فقراءهم أفضل من فقراء دار الحرب ا هـ . معاذ
وكذا لا يكره المعجلة مطلقا ولهذا قال في الخلاصة : لا يكره أن ينقل زكاة ماله المعجلة قبل الحول لفقير غير أحوج ومديون ا هـ . نقل الزكاة
فاستثنى على هذا ستة ، هذا والمعتبر في الزكاة مكان المال في الروايات كلها ، وفي صدقة الفطر مكان الرأس المخرج عنه في الصحيح مراعاة لإيجاب الحكم في محل وجود سببه كذا في فتح القدير وصحح في المحيط أنه في صدقة الفطر يؤدي حيث هو ، ولا يعتبر مكان الرأس من العبد والولد ; لأن الواجب في ذمة المولى حتى لو هلك العبد لم يسقط عنه فاختلف التصحيح كما ترى فوجب الفحص عن ظاهر الرواية والرجوع إليها ، والمنقول في النهاية معزيا إلى المبسوط أن العبرة لمكان من تجب عليه لا بمكان المخرج عنه موافقا لتصحيح المحيط فكان هو المذهب ; ولهذا اختاره قاضي خان في فتاويه مقتصرا عليه ، وحكى الخلاف في البدائع فعن يؤدي عن عبيده حيث هو ، وهو الأصح وعند محمد حيث هم ، وحكى أبي يوسف القاضي في شرح مختصر أن الطحاوي مع أبا حنيفة أبي يوسف
( قوله : ولا يسأل من له قوت يومه ) أي لا يحل سؤال قوت يومه لمن له قوت يومه لحديث : { الطحاوي } قيدنا بسؤال القوت ; لأن سؤال الكسوة المحتاج إليها لا يكره وقيدنا بالسؤال ; لأن الأخذ لمن ملك أقل من نصاب جائز بلا سؤال كما قدمناه ، وقيد بمن له القوت ; لأن السؤال لمن لا قوت يومه له جائز ، ولا يرد عليه القوي المكتسب فإنه لا يحل سوال القوت له إذا لم يكن له قوت يومه ; لأنه قادر بصحته واكتسابه على قوت اليوم فكأنه مالك له ، واستثنى من ذلك في غاية البيان الغازي فإن طلب الصدقة جائز له ، وإن كان قويا مكتسبا لاشتغاله بالجهاد عن الكسب ا هـ . من سأل الناس عن ظهر غنى فإنه يستكثر من جمر جهنم قلت يا رسول الله وما ظهر غنى قال : أن يعلم أن عند أهله ما يغذيهم وما يعشيهم
وينبغي أن يلحق به طالب العلم لاشتغاله عن الكسب بالعلم ; ولهذا قالوا : إن نفقته على أبيه ، وإن كان صحيحا مكتسبا كما لو كان زمنا ، وإذا حرم السؤال عليه إذا ملك قوت يومه فهل يحرم الإعطاء له إذا علم حاله قال الشيخ أكمل الدين في شرح المشارق وأما الدفع إلى مثل ذلك السائل عالما بحاله فحكمه في القياس أن يأثم بذلك ; لأنه إعانة على الحرام لكنه يجعل هبة وبالهبة للغني أو لمن لا يكون محتاجا إليه لا يكون آثما ا هـ . ويلزم عليه
[ ص: 270 ] أن الصدقة على من ملك قوت يومه فقط تكون هبة حتى يثبت فيها أحكام الهبة من صحة الرجوع فإنهم قالوا : الصدقة على الغني هبة فله الرجوع بخلافها على الفقير ، وهو بعيد فإن الظاهر أن مرادهم بالغني من ملك نصابا لكن يمكن دفع القياس المذكور بأن الدفع ليس إعانة على الحرام ; لأن الحرمة في الابتداء إنما هي بالسؤال ، وهو متقدم على الدفع ، ولا يكون الدفع إعانة إلا لو كان الأخذ هو المحرم فقط فليتأمل والله - تعالى - أعلم .
[ ص: 269 ]