الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وإذا صلى ، وهو حامل جروا صغيرا لا تصح صلاته على القول بنجاسته مطلقا ، وتصح على القول بطهارته إما مطلقا أو بكونه مشدود الفم كما قدمناه عن البدائع وتقييده بكونه جروا صغيرا يظهر أن في الكبير لا تصح مطلقا لما أنه ، وإن لم يكن نجس العين فهو متنجس ; لأن مأواه النجاسات ، وقد يقال ينبغي أن لا تصح صلاة من حمل جروا صغيرا اتفاقا أما على القول بنجاسة عينه فظاهر ، وأما على القول بطهارة عينه ; فلأن لحمه نجس بدليل أنهم اتفقوا على أن سؤره نجس لما أنه مختلط بلعابه ولعابه متولد من لحمه ، وهو نجس ; ولهذا قال في التجنيس : نجاسة السؤر دليل نجاسة اللحم ، وقال : العلامة في فتح القدير نجاسة سؤره لا تستلزم نجاسة عينه بل تستلزم نجاسة لحمه المتولد من اللعاب ا هـ .

                                                                                        وسبب نجاسة لحمه اختلاط الدم المسفوح بأجزائه حالة الحياة مع حرمة أكله كما سنوضحه في بيان الأسآر إن شاء الله تعالى وبهذا التقرير يندفع ما قد يتوهم إشكالا ، وهو أن يقال كيف يكون سؤره نجسا على القول بطهارة عينه ، فإن هذه غفلة عظيمة عن فهم كلامهم ، فإن [ ص: 108 ] قولهم بطهارة عينه لا يستلزم طهارة كل جزء منه ولهذا علل في البدائع لنجاسة سؤر الكلب وسائر السباع بأن سؤر هذه الحيوانات متحلب من لحومها ولحومها نجسة ، وقد قالوا إن حرمة الشيء إذا لم تكن للكرامة كحرمة الآدمي ولا لفساد الغذاء كالذباب والتراب ولا للخبث طبعا كالضفدع والسلحفاة ولا للمجاورة كالماء النجس كانت علامة النجاسة أي نجاسة اللحم فثبت بهذا أنه لا خلاف في نجاسة لحمه عندنا ، وإنما الخلاف في نجاسة عينه ، فظهر بهذا أن الكلب طاهر العين بمعنى طهارة عظمه وشعره وعصبه وما لا يؤكل منه لا بمعنى طهارة لحمه لكن قد أجاب في المحيط فقال : وإن كان فمه مشدودا بحيث لا يصل لعابه إلى ثوبه جاز ; لأن ظاهر كل حيوان طاهر ولا يتنجس إلا بالموت ونجاسة باطنه في معدته فلا يظهر حكمها كنجاسة باطن المصلي ، وفي شرح منية المصلي لا يخفى أن هذا على القول بطهارة عينه ، وأما على القول بأنه نجس العين فلا لظهور أن الصلاة لا تصح لحامله مطلقا كما في حق حامل الخنزير

                                                                                        وإذا دخل الماء فانتفض فأصاب ثوب إنسان أفسده ، ولو أصابه ماء المطر لم يفسد ; لأن في الوجه الأول الماء أصاب الجلد وجلده نجس ، وفي الوجه الثاني أصاب شعره وشعره طاهر كذا ذكر الولوالجي وغيره ولا يخفى أن هذا على القول بنجاسة عينه ويستفاد منه أن الشعر طاهر على القول بنجاسة عينه لما ذكر في السراج الوهاج أن جلد الكلب نجس وشعره طاهر هو المختار ويتفرع عليه ذكر الفرع الذي ذكرناه أما على القول بالطهارة إذا انتفض فأصاب ثوبا لا ينجسه مطلقا سواء أصاب شعره أو جلده ، ويدل عليه أن صاحب البدائع ذكر هذا الفرع شاهدا للقول بنجاسة عينه ، فقال من جعله نجس العين استدل بما ذكر في العيون عن أبي يوسف رحمه الله تعالى أن الكلب إذا وقع في الماء ثم خرج منه إلى آخر ما ذكرناه من التفصيل عن الولوالجي ، ويدل عليه أيضا أن صاحب التجنيس ذكر هذا الذي ذكرناه مع التفصيل من جملة مسائل ثم قال بعدها ، وهذا المسائل تشير إلى نجاسة عينه ، ويدل عليه أيضا ما ذكره في فتح القدير في آخر باب الأنجاس من مسائل شتى بما لفظه وما ذكر في الفتاوى من التجنيس من وضع رجله موضع رجل كلب في الثلج أو الطين ونظائر هذه مبني على رواية نجاسة عين الكلب وليست بالمختارة ا هـ .

                                                                                        فقوله ونظائر هذا أراد به مثل المسألة التي ذكرناها عن الولوالجي كما لا يخفى لكن ذكر قاضي خان في فتاويه أن هذه المسألة مفرعة على القول بنجاسة عينه وعلل النجاسة في مسألة ما إذا أصاب الماء جلده بتعليل آخر ، وهو أن مأواه النجاسات فاستفيد منه أن الماء إذا أصاب جلده وانتفض ، فأصاب الثوب نجسه على القول بطهارة عينه ; لأنه لما كان مأواه النجاسات صار جلده متنجسا ، وعلم مما قررناه أنه لا يدخل في قوله من قال بنجاسة عين الكلب الشعر بخلاف قولهم بنجاسة عين الخنزير ، فإنه يدخل فيه شعره أيضا فإذا انتفض الخنزير فأصاب ثوبا نجسه مطلقا سواء أصاب الماء جلده أو شعره كما صرح به في السراج الوهاج وقال الولوالجي أيضا الكلب إذا أخذ عضو إنسان أو ثوبه إن أخذ في حالة الغضب لا يتنجس ; لأنه يأخذه بالأسنان ولا رطوبة فيها ، وإن أخذه في حالة المزاح يتنجس ; لأنه يأخذه بالأسنان والشفتين وشفتاه رطبة فيتنجس ا هـ .

                                                                                        وكذا ذكر غيره وفي القنية رامزا للوبري عضه كلب ولا يرى بللا لا بأس به يعني لا يجب غسله ولا يخفى أن ما في القنية إنما ينظر إلى وجود المقتضي للنجاسة ، وهو الريق سواء كان ملاعبا أو غضبانا ، وهو الفقه وقد صرح في الملتقط بأنه لا يتنجس ما لم ير البلل سواء كان راضيا أو غضبانا وفي الصيرفية هو المختار وكذا في التتارخانية وواقعات الناطفي وغيرهما كذا في عقد الفوائد وفي خزانة الفتاوى وعلامة الابتلال أن لو أخذه بيده تبتل يده ، ولا يخفى أن هذه المسألة على القولين إما على القول بالنجاسة ، فظاهر وإما [ ص: 109 ] على القول بطهارة عينه ; فلأن لعابه نجس لتولده من لحم نجس كما قدمناه وفي التجنيس امرأة صلت وفي عنقها قلادة فيها سن كلب أو أسد أو ثعلب فصلاتها تامة ; لأنه يقع عليها الذكاة وكل ما يقع عليه الذكاة فعظمه لا يكون نجسا بخلاف الآدمي والخنزير ا هـ .

                                                                                        وكذا ذكر الولوالجي وذكر في السراج الوهاج معزيا إلى الذخيرة أسنان الكلب طاهرة وأسنان الآدمي نجسة ; لأن الكلب يقع عليه الذكاة بخلاف الخنزير والآدمي ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى أن هذا كله على القول بطهارة عينه ; لأنه علله بكونه يطهر بالذكاة ، وأما على القول بنجاسة عينه فلا تعمل فيه الذكاة فتكون أسنانه نجسة كالخنزير وسيأتي الكلام على أسنان الآدمي إن شاء الله تعالى قريبا ، وأما إذا أكل من شيء يغسل ثلاثا ، ويؤكل كذا في المبتغى بالغين المعجمة ، وينبغي أن يكون هذا بالاتفاق كما لا يخفى ، ولا يقال ينبغي أن يطهر بالجفاف قياسا على الكلأ إذا تنجس ، فإنه يطهر به كما في الخلاصة والخانية ; لأنا نقول الطهارة في الكلأ بالجفاف حصلت استحسانا بالأثر لكونه في معنى الأرض لاتصاله بها ، وما نحن فيه ليس كذلك ، وأما بيعه وتمليكه فهو جائز هكذا نقلوا وأطلقوا لكن ينبغي أن يكون هذا على القول بطهارة عينه أما على القول بالنجاسة فهو كالخنزير فبيعه باطل في حق المسلمين كالخنزير لكن المنقول في فتاوى قاضي خان من البيوع أن بيع الكلب المعلم جائز فمفهومه أن غير المعلم لا يجوز بيعه ، وفي التجنيس من باب ما يجوز بيعه وما لا يجوز رجل ذبح كلبه ثم باع لحمه جاز ; لأن اللحم طاهر بخلاف ما لو ذبح خنزيره ثم باعه . ا هـ .

                                                                                        فالظاهر منهما أن هذا الحكم على القول بطهارة عينه وذكر السراج الهندي في شرح الهداية معزيا إلى التجريد أن الكلب لو أتلفه إنسان ضمنه ، ويجوز بيعه وتمليكه وفي عمدة المفتي لو استأجر الكلب يجوز والسنور لا يجوز ; لأن السنور لا يعلم ونقل عن التجريد لو استأجر كلبا معلما أو بازيا ليصيد بهما فلا أجرة له قال لعله لفقد العرف والحاجة إليه . ا هـ .

                                                                                        وهذا ما تيسر التكلم عليه في المسائل المتعلقة بالكلب ، وهذا البيان إن شاء الله تعالى من خواص هذا الكتاب

                                                                                        [ ص: 107 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 107 ] ( قوله : وتقييده بكونه جروا صغيرا إلخ ) قال في النهر بل قيدوا به لوقوع التصوير بكونه في كمه [ ص: 108 ] ( قوله : وما لا يؤكل منه ) أي ما لا يمكن أكله احترازا عن لحمه ، فإنه قابل للأكل ( قوله : لكن قد أجاب في المحيط ) أي أجاب عما قدمه من قوله وقد يقال ينبغي إلخ قال في النهر ويدل عليه ما نقله في مسائل الآبار من أنه لو وقع في البئر وأخرج حيا لا ينجس الماء على القول بطهارة عينه ما لم يصل فمه الماء ، وهو الأصح ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية