( فصل في العوارض ) .
اعلم أن لفساد الصوم أحكاما بعضها يعم الصيامات كلها وبعضها يخص البعض دون البعض فالذي يعم الكل الإثم إذا أفسده بغير عذر ; لأنه أبطل عمله من غير عذر حرام لقوله تعالى { وإبطال العمل من غير عذر ولا تبطلوا أعمالكم } على ما سيأتي في صوم التطوع وإن كان بعذر لا يأثم وإذا اختلف الحكم بعذر فلا بد من معرفة الأعذار المسقطة للإثم والمؤاخذة ; فلهذا ذكرها في فصل على حدة كذا في مختصر البدائع وأخرها ; لأنها حرية بالتأخير والعوارض جمع عارض وهو في اللغة كل ما استقبلك قال الله تعالى { عارض ممطرنا } وهو السحاب الذي يستقبلك والعارض الناب أيضا والعارضان شقا الفم والعارض الخد يقال أخذ من عارضيه من الشعر وعرض له عارض أي آفة من كبر أو من مرض كذا في ضياء الحلوم مختصر شمس العلوم وهي هنا ثمانية المرض والسفر والإكراه والحبل والرضاع [ ص: 303 ] والجوع والعطش وكبر السن كذا في البدائع ( قوله : لمن الفطر ) لقوله تعالى { خاف زيادة المرض فمن كان منكم مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر } فإنه أباح الفطر لكل مريض لكن القطع بأن شرعية الفطر فيه إنما هو لدفع الحرج وتحقق الحرج منوط بزيادة المرض أو إبطاء البرء أو إفساد عضو ثم معرفة ذلك باجتهاد المريض والاجتهاد غير مجرد الوهم بل هو غلبة الظن عن أمارة أو تجربة أو بإخبار طبيب مسلم غير ظاهر الفسق وقيل عدالته شرط فلو برأ من المرض لكن الضعف باق وخاف أن يمرض سئل عنه القاضي فقال الخوف ليس بشيء كذا في فتح القدير وفي التبيين والصحيح الذي الإمام فهو كالمريض ومراده بالخشية غلبة الظن كما أراد يخشى أن يمرض بالصوم المصنف بالخوف إياها وأطلق الخوف ابن الملك في شرح المجمع وأراد الوهم حيث قال لو خاف من المرض لا يفطر وفي فتح القدير جاز لها الفطر وكذا الذي ذهب به متوكل السلطان إلى العمارة في الأيام الحارة والعمل الحثيث إذا خشي الهلاك أو نقصان العقل وقالوا الأمة إذا ضعفت عن العمل وخشيت الهلاك بالصوم يفطر قبل الحرب مسافرا كان أو مقيما وفي الفتاوى الظهيرية والولوالجية للأمة أن تمتنع من امتثال أمر المولى إذا كان ذلك يعجزها عن إقامة الفرائض ; لأنها مبقاة على أصل الحرية في حق الفرائض . أطلق في المرض فشمل ما إذا مرض قبل طلوع الفجر أو بعده بعدما شرع بخلاف السفر فإنه ليس بعذر في اليوم الذي أنشأ السفر فيه ولا يحل له الإفطار وهو عذر في سائر الأيام كذا في الظهيرية وأشار باللام إلى أنه مخير بين الصوم والفطر لكن الفطر رخصة والصوم عزيمة فكان أفضل إلا إذا خاف الهلاك فالإفطار واجب كذا في البدائع وفي الظهيرية الغازي إذا كان يعلم يقينا أنه يقاتل العدو في شهر رمضان ويخاف الضعف إن لم يفطر فإنه يصوم ويصلي قاعدا جمعا بين العبادتين وفي الخلاصة لو كان له نوبة حمى فأكل قبل أن تظهر يعني في يوم النوبة لا بأس فإن لم يحم فيه كان عليه الكفارة كما لو رجل لو صام في شهر رمضان لا يمكنه أن يصلي قائما وإذا أفطر يمكنه أن يصلي قائما كان عليها الكفارة لوجود الإفطار في يوم ليس فيه شبهة الإباحة وهذا إذا أفطر بعدما نوى الصوم وشرع فيه أما لو لم ينو كان عليه القضاء دون الكفارة كذا في فتاوى أفطرت على ظن أنه يوم حيضها فلم تحض قاضي خان وفي الظهيرية قيل لها ذلك إذا قال ذلك الأطباء الحذاق وكذلك رضيع مبطون يخاف موته من هذا الدواء وزعم الأطباء أن الظئر إذا شربت دواء كذا برئ الصغير وتماثل وتحتاج الظئر إلى أن تشرب ذلك نهارا في رمضان قالوا إن كان ذلك ينفعه فلا بأس به أطلق في الكتاب الأطباء الحذاق قال رضي الله عنه وعندي هذا محمول على الطبيب المسلم دون الكافر الرجل إذا لدغته حية فأفطر بشرب الدواء فإنه لا يقطع الصلاة لعل غرضه إفساد الصلاة عليه فكذلك في الصوم . ا هـ . كمسلم شرع في الصلاة بالتيمم فوعد له كافر إعطاء الماء
وفيه إشارة إلى أن المريض يجوز له أن يستطب بالكافر فيما عدا إبطال العبادة ; لما أنه علل قبول قوله باحتمال أن يكون غرضه إفساد العبادة لا [ ص: 304 ] بأن استعماله في الطب لا يجوز ، وفي القنية لا يجوز للخباز أن يخبز خبزا يوصله إلى ضعف مبيح للفطر بل يخبز نصف النهار ويستريح في النصف قيل له لا يكفيه أجرته أو ربحه فقال هو كاذب وهو باطل بأقصر أيام الشتاء .