( قوله : وللمسافر وصومه أحب إن لم يضره ) أي جاز ; لأن السفر لا يعرى عن المشقة فجعل في نفسه عذرا بخلاف المرض ; لأنه قد يخف بالصوم فشرط كونه مفضيا إلى الحرج وإنما كان الصوم أفضل إن لم يضره لقوله تعالى { للمسافر الفطر وأن تصوموا خير لكم } ولأن رمضان أفضل الوقتين فكان فيه الأداء أولى ولا يرد علينا القصر في الصلوات فإنه واجب حتى يأثم بالإتمام ; لأن القصر هو العزيمة وتسميتهم له رخصة إسقاط مجاز ، وقول صاحب غاية البيان إن القصر أفضل تسامح ولو قال المصنف وصومهما أحب إن لم يضرهما لكان أولى لشموله قيد بقوله إن لم يضره ; لأن الصوم إن ضره بأن شق عليه فالفطر أفضل لقوله عليه الصلاة والسلام { } قاله لرجل صائم يصب عليه الماء وفي المحيط ولو أراد المسافر أن يقيم في مصر أو يدخل مصره كره له أن يفطر ; لأنه اجتمع في اليوم المبيح وهو السفر والمحرم وهو الإقامة فرجحنا المحرم احتياطا وصرح في الخلاصة بكراهة الصوم إن أجهده وأطلق الضرر ولم يقيده بضرر بدنه ; لأنه لو لم يضره الصوم لكن كان رفقاؤه أو عامتهم مفطرين والنفقة مشتركة بينهم فالإفطار أفضل كذا في الخلاصة والظهيرية ; لأن ضرر المال كضرر البدن وأشار إلى أن إنشاء السفر في شهر رمضان جائز لإطلاق النص خلافا ليس من البر الصيام في السفر لعلي كذا في المحيط وفي الولوالجية والسفر الذي يبيح الفطر هو الذي يبيح القصر ; لأن كلاهما قد ثبتت رخصته وابن عباس
وأطلق السفر فشمل سفر الطاعة والمعصية لما عرف وأراد بالضرر الضرر الذي ليس فيه خوف الهلاك ; لأن ما فيه خوف الهلاك بسبب الصوم فالإفطار في مثله واجب لا أنه أفضل كذا [ ص: 305 ] في البدائع ومنه ما إذا أكره المريض والمسافر فإن الإفطار واجب ولا يسعه الصوم حتى لو امتنع من الإفطار فقتل يأثم كالإكراه على أكل الميتة بخلاف ما إذا فإنه يرخص له الفطر والصوم أفضل حتى لو امتنع من الإفطار حتى قتل يثاب عليه ; لأن الوجوب ثابت حالة الإكراه وأثر الرخصة بالإكراه في سقوط الإثم بالترك لا في سقوط الواجب كالإكراه على الكفر كذا في البدائع وقيدنا بكونه أكره بقتل نفسه ; لأنه لو كان صحيحا مقيما فأكره بقتل نفسه فإنه لا يباح له الفطر كقوله لتشربن الخمر أو لأقتلن ولدك فصار كتهديده بالحبس كذا في النهاية وفي فتاوى قيل له لتفطرن أو لأقتلن ولدك قاضي خان قال عليه الكفارة قياسا ; لأنه مقيم عند الأكل حيث رفض سفره بالعود إلى منزله وبالقياس نأخذ . ا هـ . المسافر إذا تذكر شيئا قد نسيه في منزله فدخل فأفطر ثم خرج
( قوله : ولا قضاء إن ماتا عليهما ) أي ولا قضاء على ; لأنهما لم يدركا عدة من أيام أخر فلم يوجد شرط وجوب الأداء فلم يلزم القضاء قيد به ; لأنه لو صح المريض أو أقام المسافر ولم يقض حتى مات لزمه الإيصاء بقدره وهو مصرح به في بعض نسخ المتن لوجود الإدراك بهذا المقدار وذكر المريض والمسافر إذا ماتا قبل الصحة والإقامة أن هذا قول الطحاوي وعندهما يلزمه قضاء الكل وغلطه محمد وتبعه في الهداية قال والصحيح أنه لا يلزمه إلا بقدره عند الكل وإنما الخلاف في النذر بأن القدوري يلزمه قضاء جميع الشهر عندهما وعند يقول المريض لله علي صوم هذا الشهر فصح يوما ثم مات قضاء ما صح فيه والفرق لهما أن النذر سبب فظهر الوجوب في حق الخلف وفي هذه المسألة السبب إدراك العدة فيتقدر بقدر ما أدرك فيه وإنما لم يلزمه القضاء قبل الصحة ليظهر في الإيصاء ; لأنه معلق بالصحة وإن لم يذكر أداة التعليق تصحيحا لتصرف المكلف ما أمكن فينزل عند الصحة وأجاب عنه في غاية البيان بأن الجماعة الذين أنكروا الخلاف نشئوا بعد محمد بكثير من الزمان باعتبار أن الخلاف لم يبلغهم وهو ليس بحجة عليه ; لأن جهل الإنسان لا يعتبر حجة على غيره وقد ذكره بعدما ثبت عنده وهو ممن لا يتهم لأوصافه الجميلة الطحاوي
والحاصل أن لا يلزمه شيء بلا خلاف ، وإن [ ص: 306 ] مات بعدما صح يوما يلزمه الإيصاء بالجميع عندهما وعند الصحيح لو نذر صوم شهر معين ثم مات قبل مجيء الشهر بقدر ما صح وفصل محمد فقال إن لم يصم اليوم الذي صح فيه لزمه الكل وإن صامه لا يلزمه شيء كالمريض في رمضان إذا صح يوما فصامه ثم مات لا يلزمه شيء اتفاقا ; لأنه بالصوم تعين أنه لا يصح فيه قضاء يوم آخر بخلاف ما إذا لم يصمه حيث لا يلزمه الكل كما قدمناه على قول الطحاوي لأن ما قدر فيه صالح لقضاء اليوم الأول والوسط والأخير فلما قدر على قضاء البعض فكأنه قدر على قضاء الكل إليه أشار في البدائع وغاية البيان وفي الولوالجية ولو الطحاوي لم يجب عليه ; لأنه لم يجب عليه أداء الأصل فلا يجب أداء البدل ولو أوجب على نفسه اعتكاف شهر وهو مريض ثم مات قبل أن يصح أطعم عنه الشهر كله ; لأن الاعتكاف مما لا يتجزأ أوجب على نفسه اعتكاف شهر وهو صحيح فعاش عشرة أيام ثم مات
( قوله : ويطعم وليهما لكل يوم كالفطرة بوصية ) أي يطعم ولي المريض والمسافر عنهما عن كل يوم أدركاه كصدقة الفطر إذا أوصيا به ; لأنهما لما عجزا عن الصوم الذي هو في ذمتهما التحقا بالشيخ الفاني دلالة لا قياسا فوجب عليهما الإيصاء بقدر ما أدركا فيه عدة من أيام أخر كما في الهداية ولو قال لكان أشمل ; لأن هذا الحكم لا يخص المريض والمسافر ولا من أفطر لعذر بل يدخل فيه من أفطر متعمدا ووجب القضاء عليه بل أراد بالولي من له ولاية التصرف في ماله بعد موته فيدخل وصيهما وأراد بتشبيهه بالفطرة كالكفارة التشبيه من جهة المقدار بأن يطعم عن صوم كل يوم نصف صاع من بر أو زبيب أو صاعا من تمر أو شعير لا التشبيه مطلقا ; لأن الإباحة كافية هنا ولهذا عبر بالإطعام دون الإيتاء دون صدقة الفطر فإن الركن فيها التمليك ولا تكفي الإباحة ويطعم ولي من مات وعليه قضاء رمضان
وقيد بالوصية ; لأنه لو لم يأمر لا يلزم الورثة شيء كالزكاة ; لأنها من حقوق الله تعالى ولا بد فيها من الإيصاء ليتحقق الاختيار إلا إذا مات قبل أن يؤدي العشر فإنه يؤخذ من تركته من غير إيصاء لشدة تعلق العشر بالعين كذا في البدائع من كتاب الزكاة في مسألة إذا ومع ذلك لو تبرع الورثة أجزأه إن شاء الله تعالى وكذا كفارة اليمين والقتل إذا تبرع الوارث بالإطعام [ ص: 307 ] والكسوة يجوز ولا يجوز التبرع بالإعتاق لما فيه من إلزام الولاء للميت بغير رضاه وأشار بالوصية إلى أنه معتبر من ثلث ماله صرح به باع صاحب المال ماله قبل أداء الزكاة قاضي خان في فتاويه وإلى أن الصلاة كالصوم بجامع أنهما من حقوقه تعالى بل أولى لكونها أهم ويؤدي عن كل وتر نصف صاع ; لأنه فرض عند كذا في غاية البيان ويعتبر كل صلاة بصوم يوم على الصحيح وإلى أن سائر حقوقه تعالى كذلك ماليا كان أو بدنيا عبادة محضة أو فيه معنى المؤنة كصدقة الفطر أو عكسه كالعشر أو مؤنة محضة كالنفقات أو فيه معنى العقوبة كالكفارات وإلى أن الولي لا يصوم عنه ولا يصلي لحديث الإمام { النسائي } وقيدنا بكونهما أدركا عدة من أيام أخر إذ لو ماتا قبله لا يجب عليهما الإيصاء لما قدمناه لكن لو أوصيا به صحت وصيتهما ; لأن صحتها لا تتوقف على الوجوب كذا في البدائع وأشار أيضا إلى أنه لو أوجب على نفسه الاعتكاف ثم مات أطعم عنه لكل يوم نصف صاع من حنطة ; لأنه وقع اليأس عن أدائه فوقع القضاء بالإطعام كالصوم في الصلاة كذا ذكره لا يصوم أحد عن أحد ولا يصلي أحد عن أحد الولوالجي في فتاويه
فالحاصل أن ما كان عبادة بدنية فإن أوصى يطعم عنه بعد موته عن كل واجب كصدقة الفطر وما كان عبادة مالية كالزكاة فإنه يخرج عنه القدر الواجب عليه وما كان مركبا منهما كالحج فإنه يحج عنه رجلا من مال الميت ( قوله : وقضيا ما قدرا بلا شرط ولاء ) أي لإطلاق قوله تعالى { لا يشترط التتابع في القضاء فعدة من أيام أخر } والذي في قراءة فعدة من أيام أخر متتابعة غير مشهور لا يزاد بمثله بخلاف قراءة أبي في كفارة اليمين فإنها مشهورة فيزاد كذا في النهاية والكافي لكن المستحب التتابع وأشار بإطلاقه إلى أن القضاء على التراخي ; لأن الأمر فيه مطلق وهو على التراخي كما عرف في الأصول ومعنى التراخي عدم تعين الزمن الأول للفعل ففي أي وقت شرع فيه كان ممتثلا ولا إثم عليه بالتأخير ويتضيق عليه الوجوب في آخر عمره في زمان يتمكن فيه من الأداء قبل موته ولهذا له التطوع قبل القضاء ; لأنه يكره له تأخير الواجب عن وقته المضيق ولهذا إذا ابن مسعود فلا فدية عليه لكونها تجب خلفا عن الصوم عند العجز ولم يوجد لقدرته على القضاء ولهذا قال ( فإذا جاء رمضان آخر قدم الأداء على القضاء ) ; لأنه في وقته وهو لا يقبل غيره ويصوم القضاء بعده وهذا بخلاف قضاء الصلوات فإنها على الفور ولا يباح التأخير إلا بعذر ذكره أخر قضاء رمضان حتى دخل آخر الولوالجي .