( قوله : ) فلا حج على عبد ولو مدبرا ، أو أم ولد ، أو مكاتبا أو مبعضا ، أو مأذونا له في الحج ، ولو كان بشرط حرية وبلوغ وعقل وصحة وقدرة زاد وراحلة فضلت عن مسكنه وعما لا بد منه ونفقة ذهابه وإيابه وعياله بمكة لعدم ملكه بخلاف الصوم والصلاة ; لأن الحج لا يتأتى إلا بالمال غالبا بخلافهما ولفوات حق المولى في مدة طويلة وحق العبد مقدم بإذن الشرع والمولى وإن أذنه فقد أعاره منافعه والحج لا يجب بقدرة عارية ولا على صبي ولا مجنون وفي المعتوه [ ص: 335 ] خلاف في الأصول فذهب المصنف تبعا لفخر الإسلام إلى أنه يوضع عنه الخطاب كالصبي فلا يجب عليه شيء من العبادات وذهب الدبوسي في التقويم إلى أنه مخاطب بالعبادات احتياطا والمراد بالصحة صحة الجوارح فلا يجب أداء الحج على مقعد ولا على زمن ولا مفلوج ولا مقطوع الرجلين ولا على المريض والشيخ الذي لا يثبت بنفسه على الراحلة والأعمى والمجبوس والخائف من السلطان الذي يمنع الناس من الخروج إلى الحج لا يجب عليهم الحج بأنفسهم ولا الإحجاج عنهم إن قدروا على ذلك هذا ظاهر المذهب عن وهو رواية عنهما أبي حنيفة
وظاهر الرواية عنهما أنه يجب عليهم الإحجاج فإن أحجوا أجزأهم ما دام العجز مستمرا بهم فإن زال فعليهم الإعادة بأنفسهم وظاهر ما في التحفة اختياره فإنه اقتصر عليه وكذا الإسبيجابي وقواه المحقق في فتح القدير ومشى على أن الصحة من شرائط وجوب الأداء فالحاصل أنها من شرائط الوجوب عنده ومن شرائط وجوب الأداء عندهما وفائدة الخلاف تظهر في وجوب الإحجاج كما ذكرنا في وجوب الإيصاء ومحل الخلاف فيما إذا لم يقدر على الحج وهو صحيح أما إن قدر عليه وهو صحيح ثم زالت الصحة قبل أن يخرج إلى الحج فإنه يتقرر دينا في ذمته فيجب عليه الإحجاج اتفاقا أما إن خرج فمات في الطريق فإنه لا يجب عليه الإيصاء بالحج ; لأنه لم يؤخر بعد الإيجاب كذا في التجنيس ولا فرق في الأعمى بين أن يجد قائدا ، أو لا وهو المشهور عن ; لأن القادر بقدرة غيره ليس بقادر ولو تكلف هؤلاء الحج بأنفسهم سقط عنهم حتى لو صحوا بعد ذلك لا يجب عليهم الأداء ; لأن سقوط الوجوب عنهم لدفع الحرج فإذا تحملوه وقع عن حجة الإسلام كالفقير إذا حج أبي حنيفة
وأما القدرة على الزاد والراحلة فالفقهاء على أنه من شرط الوجوب فلا وجوب أصلا يتعلق بالفقير لاشتراط الاستطاعة في آية الحج وفسرت بهما والذي عليه أهل الأصول ومنهم صاحب التوضيح تبعا لفخر الإسلام أن القدرة الممكنة كالزاد والراحلة للحج شرط وجوب الأداء لا شرط الوجوب ; لأن الوجوب جبري لا صنع للعبد فيه وليس فيه تكليف ; لأنه طلب إيقاع الفعل من العبد ونفس الوجوب ليس كذلك ألا ترى أن صوم المريض والمسافر واجب ولا تكليف عليهما وكذا الزكاة قبل الحول [ ص: 336 ] وقد ظهر للعبد الضعيف أن الفقهاء إنما لم يوافقوا الأصوليين على ذلك لما أنه لا فائدة في جعله شرط وجوب الأداء ; لأن فائدة الفرق بينهما هو لزوم الإيصاء عند الموت وعدمه والفقير لا يتأتى فيه ذلك فلهذا جعلوا القدرة من شرائط أصل الوجوب ولم أر من نبه على هذا وقول المحقق في فتح القدير واعلم أن القدرة على الزاد والراحلة شرط الوجوب لا نعلم عن أحد خلافه مراده عن أحد من الفقهاء وإلا فقد علمت أن الأصوليين على خلافه وعلى ما ذكره الأصوليون فلا يتأتى بحثه المذكور في الفقير كما لا يخفى وأطلق في الزاد فأفاد أنه يعتبر في حق كل إنسان ما يصح به بدنه والناس متفاوتون في ذلك والراحلة في اللغة المركب من الإبل ذكرا كان أو أنثى وهي فاعلة بمعنى مفعولة وفيه إشارة إلى أنه لو قدر على غير الراحلة من بغل أو حمار فإنه لا يجب عليه ولم أره صريحا وإنما صرحوا بالكراهية ويعتبر في حق كل إنسان ما يبلغه فمن قدر على رأس زاملة وهو المسمى في عرفنا راكب مقتب وأمكنه السفر عليه وجب وإلا بان كان مترفها فلا بد أن يقدر على شق محمل وهو المسمى في عرفنا محارة أو موهية وإن أمكنه أن يكتري عقبة لا يجب عليه ; لأنه غير قادر على الراحلة في جميع الطريق وهو الشرط سواء كان قادرا على المشي ، أو لا والعقبة أن يكتري اثنان راحلة يتعقبان عليها يركب أحدهما مرحلة والآخر .
[ ص: 337 ] مرحلة وشق المحمل جانبه ; لأن للمحمل جانبين ويكفي للراكب أحد جانبيه وقد رأيت في كتب الشافعية أن من الشرائط أن يجد له من يركب في الجانب الآخر وهو المسمى بالمعادل فإن لم يجد لا يجب الحج عليه ولم أره لأئمتنا ولعلهم إنما لم يذكروه لما أنه ليس بشرط لإمكان أن يضع زاده وقربته وأمتعته في الجانب الآخر وقد وقع لي ذلك في الحجة الثانية في الرجعة لم أجد معادلا يصلح لي ففعلت ذلك لكن حصل لي نوع مشقة حين يقل الماء والزاد والله أعلم بحقيقة الحال ثم القدرة على الزاد لا تثبت إلا بالملك لا بالإباحة والقدرة على الراحلة لا تثبت إلا بالملك ، أو الإجارة بالعارية والإباحة فلو لا يجب عليه الحج وكذا لو وهب له مال ليحج به لا يجب عليه القبول ; لأن شرائط أصل الوجوب لا يجب عليه تحصيلها عند عدمها ثم اشتراط القدرة على الزاد عام في حق كل أحد حتى أهل بذل الابن لأبيه الطاعة وأباح له الزاد والراحلة مكة
وأما القدرة على الراحلة فشرط في حق غير المكي وأما هو فلا ومن حولها كأهلها ; لأنه لا يلحقهم مشقة فأشبه السعي إلى الجمعة أما إذا كان لا يستطيع المشي أصلا فلا بد منه في حق الكل وفي قوله وما لا بد منه إشارة إلى أن المسكن لا بد أن يكون محتاجا إليه للسكنى فلا تثبت الاستطاعة بدار يسكنها وعبد يستخدمه وثياب يلبسها ومتاع يحتاج إليه وتثبت الاستطاعة بدار لا يسكنها وعبد لا يستخدمه فعليه أن يبيعه ويحج بخلاف ما إذا كان سكنه وهو كبير يفضل عنه حتى يمكنه بيعه والاكتفاء بما دونه ببعض ثمنه ويحج بالفضل فإنه لا يجب بيعه لذلك كما لا يجب بيع مسكنه والاقتصار على السكنى بالإجارة اتفاقا بل إن كان أفضل ، ولو لم يكن له مسكن ولا خادم وعنده مال يبلغ ثمن ذلك ولا يبقى بعده قدر ما يحج به فإنه لا يجب عليه الحج ; لأن هذا المال مشغول بالحاجة الأصلية إليه أشار في الخلاصة وأشار بقوله وما لا بد منه إلى أنه لا بد أن يفضل له مال بقدر رأس مال التجارة بعد الحج إن كان تاجرا وكذا الدهقان والمزارع أما المحترف فلا كذا في الخلاصة ورأس المال يختلف باختلاف الناس والمراد بالعيال من تلزمه نفقته باع واشترى قدر حاجته وحج بالفضل
قال الشارح ويعتبر في نفقة عياله الوسط من غير تبذير ولا تقتير وقد يقال اعتبار [ ص: 338 ] الوسط في نفقة الزوجة مخالف للمفتى به فيها فإن الفتوى اعتبار حالهما والوسط إنما يعتبر فيما إذا كان أحدهما غنيا والآخر فقيرا كما سيأتي في باب النفقات إن شاء الله تعالى وأشار بقوله نفقة ذهابه وإيابه إلى أنه ليس من الشرط قدرته على نفقته ونفقة عياله بعد عوده وهو ظاهر الرواية وقيل لا بد من زيادة نفقة يوم وقيل شهر والأول عن والثاني عن أبي حنيفة ودخل تحت نفقة عياله سكناهم ونفقتهم وكسوتهم فإن النفقة تشمل الطعام والكسوة والسكنى وقد قدمنا أن من الشرائط الوقت أعني أن يكون مالكا لما ذكر في أشهر الحج حتى لو ملك ما به الاستطاعة قبلها كان في سعة من صرفها إلى غيره وأفاد هذا قيدا في صيرورته دينا افتقر هو أن يكون مالكا في أشهر الحج فلم يحج والأولى أن يقال إذا كان قادرا وقت خروج أهل بلده إن كانوا يخرجون قبل أشهر الحج لبعد المسافة أو كان قادرا في أشهر الحج إن كانوا يخرجون فيها ولم يحج حتى افتقر تقرر دينا وإن ملك في غيرها وصرفها إلى غيره لا شيء عليه كذا في فتح القدير . أبي يوسف