الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ومحرم أو زوج لامرأة في سفر ) أي وبشرط محرم إلى آخره لما في الصحيحين { لا تسافر امرأة ثلاثا إلا ومعها محرم } .

                                                                                        وزاد مسلم في رواية { أو زوج } .

                                                                                        وروى البزار { لا تحج امرأة إلا ومعها محرم فقال رجل يا رسول الله إني كتبت في غزوة وامرأتي حاجة قال ارجع فحج معها } فأفاد هذا كله أن النسوة الثقات لا تكفي قياسا على المهاجرة والمأسورة ; لأنه قياس مع النص ومع وجود الفارق فإن الموجود في المهاجرة والمأسورة ليس سفرا ; لأنها لا تقصد مكانا معينا بل النجاة خوفا من الفتنة حتى لو وجدت مأمنا كعسكر المسلمين وجب أن [ ص: 339 ] تقر ولأنه يخاف عليها الفتنة وتزاد بانضمام غيرها إليها ولهذا تحرم الخلوة بالأجنبية وإن كان معها غيرها من النساء

                                                                                        والمحرم من لا يجوز له مناكحتها على التأبيد بقرابة ، أو رضاع ، أو مصاهرة أطلقه فشمل المسلم والذمي والحر والعبد ولا يرد عليه المجوسي الذي يعتقد إباحة نكاحها والمسلم القريب إذا لم يكن مأمونا والصبي الذي لم يحتلم والمجنون ; لأن المقصود من المحرم الحفظ والصيانة لها وهو مفقود في هؤلاء الأربعة ولم أر من شرط في الزوج شروط المحرم وينبغي أنه لا فرق ; لأن الزوج إذا لم يكن مأمونا ، أو كان صبيا ، أو مجنونا لم يوجد منه ما هو المقصود كما ذكرنا وعبارة المجمع أولى وهي يشترط في حج المرأة من سفر زوج أو محرم بالغ عاقل غير مجوسي ولا فاسق مع النفقة عليه وأطلق المرأة فشمل الشابة والعجوز لإطلاق النصوص والمرأة هي البالغة ; لأن الكلام فيمن يجب عليه الحج فلذا قالوا في الصبية التي لم تبلغ حد الشهوة تسافر بلا محرم فإن بلغتها لا تسافر إلا به والمراد خطاب وليها بأن يمنعها من السفر فإن لم يكن لها ولي فلا تستصحب في السفر لا أن المراد أنها يحرم عليها ; لأنها غير مكلفة حتى تبلغ وبلوغها حد الشهوة لا يستلزمه وقيد بالسفر وهو ثلاثة أيام بلياليها ; لأنه يباح لها الخروج إلى ما دون ذلك لحاجة بغير محرم وأشار بعدم اشتراط رضا الزوج إلى أنه ليس له منعها عن حجة الإسلام إذا وجدت محرما ; لأن حقه لا يظهر في الفرائض بخلاف حج التطوع والمنذور وأشار المصنف إلى أن أمن الطريق والمحرم من شرائط الوجوب ; لأنه عطفه على ما قبله وهو أحد القولين وقيل شرط وجوب الأداء وثمرة الاختلاف تظهر في وجوب الوصية وفي وجوب نفقة المحرم وراحلته إذا أبى أن يحج .

                                                                                        [ ص: 340 ] معها إلا بهما وفي وجوب التزوج عليها ليحج معها إن لم تجد محرما فمن قال هو شرط الوجوب قال لا يجب عليها شيء من ذلك ; لأن شرط الوجوب لا يجب تحصيله ولهذا لو ملك المال كان له الامتناع من القبول حتى لا يجب عليه الحج وكذا لو أبيح له ومن قال إنه شرط وجوب الأداء وجب جميع ذلك ورجح المحقق في فتح القدير أنهما مع الصحة شروط وجوب أداء بأن هذه العبادة تجري فيها النيابة عند العجز لا مطلقا توسطا بين المالية المحضة والبدنية المحضة لتوسطها بينهما والوجوب أمر دائر مع فائدته فيثبت مع قدرة المال ليظهر أثره في الإحجاج والإيصاء واعلم أن الاختلاف في وجوب الإيصاء إذا مات قبل أمن الطريق فإن مات بعد حصول الأمن فالاتفاق على الوجوب وأشار باشتراط المحرم ، أو الزوج إلى أن عدم العدة في حقها شرط أيضا بجامع حرمة السفر عليها أي عدة كانت والعبرة لوجوبها وقت خروج أهل بلدها وعن ابن مسعود أنه رد المعتدات من النجف بفتحتين مكان لا يعلوه الماء مستطيل فإن لزمتها العدة في السفر فسيأتي في محله إن شاء الله تعالى .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : على التأبيد إلخ ) مخرج لأخت زوجته وعمتها وخالتها فإن حرمتها مقيدة بالنكاح لكنه مخرج للزوج أيضا ولو عرف بما حل الوطء وحرم النكاح أبدا لدخل فيه الزوج وإن لم يكن محتاجا إليه في هذا المقام كذا في القهستاني بعد عزوه تفسير المحرم بما ذكره المؤلف للمشاهير وفي النهر قال بعض المتأخرين قوله أو زوج لامرأة مما لا حاجة إليه ; لأن المحرم هنا يعمه قال في الذخيرة والمحرم الزوج ومن لا يجوز له مناكحتها على التأبيد بنسب أو رضاع أو صهرية ومثله في التحفة ا هـ .

                                                                                        وبه استغني عما في الحواشي السعدية من أن ظاهر الاستثناء في قوله صلى الله تعالى عليه وسلم { لا تحجن امرأة إلا ومعها محرم } يفيد عدم جواز الحج بهن مع أزواجهن وجوابه أنه يعلم جوازه معه بالدلالة ا هـ .

                                                                                        لكن المذكور في البدائع والعناية وغيرهما تفسير المحرم بما مر وهو المناسب وحينئذ فيحتاج إلى ذكر الزوج ( قوله بقرابة أو رضاع أو مصاهرة ) في البزازية ولا تسافر مع عبدها ولو خصيا ولا مع أبيها المجوسي ولا بأخيها رضاعا في زماننا ذكره قبيل التاسع عشر في النفقات وفي النهر قال الحدادي والمراهق كالبالغ وأدخل في الظهيرية بنت موطوءته من الزنا حيث يكون محرما لها وفيه دليل على ثبوت المحرمية بالوطء الحرام وبما تثبت به حرمة المصاهرة كذا في الخانية ا هـ .

                                                                                        وفي شرح اللباب هو كل رجل مأمون عاقل بالغ مناكحتها عليه حرام بالتأبيد سواء كان بالقرابة أو الرضاعة أو الصهرية بنكاح أو سفاح في الأصح كذا ذكره الكرخي وصاحب الهداية في باب الكراهية وذكر قوام الدين شارح الهداية أنه إذا كان محرما بالزنا فلا تسافر معه عند بعضهم وإليه ذهب القدوري وبه نأخذ ا هـ .

                                                                                        وهو الأحوط في الدين وأبعد عن التهمة لا سيما وفي المسألة خلاف الشافعية في ثبوت المحرمية ا هـ .

                                                                                        ( قوله : ; لأنه يباح لها الخروج إلخ ) أي إذا لم تكن معتدة وروي عن أبي حنيفة وأبي يوسف كراهة الخروج لها مسيرة يوم بلا محرم فينبغي أن تكون الفتوى عليه لفساد الزمان شرح اللباب ( قوله : وهو أحد قولين ) قال في شرح اللباب وقد اختلف في أمن الطريق فمنهم من قال إنه شرط الوجوب وهو رواية ابن شجاع عن أبي حنيفة ومنهم من قال شرط وجوب الأداء على ما ذكره جماعة من أصحابنا كصاحب البدائع والمجمع والكرماني وصاحب الهداية وغيرهم فمن خاف من ظالم أو عدو أو سبع أو غرق أو غير ذلك لم يلزمه أداء الحج بنفسه بل بماله والعبرة بالغالب برا وبحرا فإن كان الغالب السلامة يجب عليه أن يؤدي بنفسه وإلا فلا كذا قاله أبو الليث وعليه الفتوى وفي القنية وعليه الاعتماد والمراد أنه لا يجب عليه أن يؤدي بنفسه بل إما أن يحج غيره أو يوصي به ا هـ .

                                                                                        ثم قال في شرح اللباب ثم اختلفوا في أن المحرم أو الزوج شرط الوجوب أو الأداء كما اختلفوا في أمن الطريق فصحح قاضي خان وغيره أنه من شرائط الأداء وصحح صاحب البدائع والسروجي أنه من شرائط الوجوب وصنيع المصنف أي صاحب اللباب يشعر بأنه من شرائط الأداء على الأرجح ( قوله : وفي وجوب نفقة المحرم إلخ ) صحح في السراج الوجوب وحكى في اللباب القولين بلا ترجيح لكن قدم الأول فقال قيل نعم وقيل لا ا هـ .

                                                                                        أي لا يلزمه ولا تجب عليها ما لم يخرج المحرم بنفقته على ما ذكره الطحاوي وهو قول أبي حفص البخاري وفي منسك ابن أمير حاج وهل يجب عليها نفقة المحرم والقيام براحلته اختلفوا فيه وصححوا عدم الوجوب وفي السراج الوهاج [ ص: 340 ] التوفيق بين القولين أن المحرم إذا قال لا أخرج إلا بالنفقة وجب عليها وإذا خرج من غير اشتراط ذلك لم يجب ا هـ .

                                                                                        ( قوله : وفي وجوب التزوج عليها إلخ ) جزم في اللباب بأنه لا يجب عليها أن تتزوج بمن يحج بها وعزاه شارحه إلى البدائع وقاضي خان وغيرهما ثم قال وعن ابن شجاع عن أبي حنيفة أن من لا محرم لها يجب عليها أن تتزوج زوجا يحج بها إذا كانت موسرة ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية