( قوله : ومواقيت الإحرام ذو الحليفة وذات عرق والجحفة وقرن ويلملم لأهلها ولمن مر بها ) أي فالميقات مشترك بين الوقت المعين والمكان المعين والمراد هنا الثاني وسيأتي الأول الأمكنة التي لا يتجاوزها الآفاقي إلا محرما خمسة وذو الحليفة بضم الحاء المهملة وبالفاء بينه وبين مكة نحو عشر مراحل ، أو تسع وبينه وبين المدينة ستة أميال كما ذكره النووي وقيل سبعة كما ذكره القاضي عياض المدينة وهو أبعد المواقيت وبهذا المكان آبار تسميه العوام آبار ميقات أهل قيل ; لأن علي رضي الله عنه قاتل الجن في بعض تلك الآبار وهو كذب من قائله كما ذكره علي بن أبي طالب الحلبي في مناسكه وذات عرق بكسر العين وسكون الراء لجميع أهل المشرق وهي بين المشرق والمغرب من مكة قيل وبينها وبين مكة مرحلتان والجحفة بضم الجيم وسكون الحاء المهملة واسمها في الأصل مهيعة نزل بها سيل جحف أهلها أي استأصلهم فسميت جحفة قال النووي بينهما وبين مكة ثلاث مراحل وهي قرية بين المغرب والشمال من مكة من طريق تبوك وهي طريق أهل الشام ونواحيها اليوم وهي ميقات أهل مصر والمغرب والشام وقرن بفتح القاف وسكون الراء وهو جبل مطل على عرفات بينه وبين مكة نحو مرحلتين وفي الصحاح أنه بفتح الراء وأن منسوب إليه ورد بأنه بسكون الراء وأن أويسا القرني أويسا منسوب إلى قبيلة يقال لها بنو قرن بطن من مراد وهو نجد وأما ميقات أهل يلملم فهو اليمن وهو مكان جنوبي ميقات أهل مكة وهو جبل من جبال تهامة على مرحلتين من مكة فهذا هو المراد بقوله لأهلها وهذه المواقيت ما عدا ذات عرق ثابتة في الصحيحين وذات عرق في صحيح وسنن مسلم أبي داود وقوله لمن مر بها يعني من غير أهلها وقد أفاد أنه لا يجوز مجاوزة الجميع إلا محرما فلا يجب على المدني أن يحرم من ميقاته وإن كان هو الأفضل وإنما يجب عليه أن يحرم من آخرها عندنا ويعلم منه أن الشامي إذا مر على ذي الحليفة في ذهابه لا يلزمه الإحرام منه بالطريق الأولى وإنما يجب عليه أن يحرم من الجحفة .
[ ص: 342 ] كالمصري لكن قيل إن الجحفة قد ذهبت أعلامها ولم يبق بها إلا رسوم خفية لا يكاد يعرفها إلا سكان بعض البوادي ولهذا والله أعلم اختار الناس الإحرام من المكان المسمى برابض وبعضهم يجعله بالغين احتياطا ; لأنه قبل الجحفة بنصف مرحلة ، أو قريب من ذلك وقد قالوا ومن كان في بر ، أو بحر لا يمر بواحد من هذه المواقيت المذكورة فعليه أن يحرم إذا حاذى آخرها ويعرف بالاجتهاد وعليه أن يجتهد فإذا لم يكن بحيث يحاذي فعلى مرحلتين إلى مكة ولعل مرادهم بالمحاذاة المحاذاة القريبة من الميقات وإلا فآخر المواقيت باعتبار المحاذاة قرن المنازل ذكر لي بعض أهل العلم من الشافعية المقيمين بمكة في الحجة الرابعة للعبد الضعيف أن المحاذاة حاصلة في هذا الميقات فينبغي على مذهب الحنفية أن لا يلزم الإحرام من رابغ بل من خليص القرية المعروفة فإنه حينئذ يكون محاذيا لآخر المواقيت وهو قرن فأجبته بجوابين الأول أن إحرام المصري والشامي لم يكن بالمحاذاة وإنما هو بالمرور على الجحفة وإن لم تكن معروفة وإحرامهم قبلها احتياطا والمحاذاة إنما تعتبر عند عدم المرور على المواقيت الثاني أن مرادهم المحاذاة القريبة ومحاذاة المارين لقرن بعيدة ; لأن بينهم وبينه بعض جبال والله أعلم بحقيقة الحال أطلق في الإحرام فشمل إحرام الحج وإحرام العمرة ; لأنه لا فرق بينهما في حق الآفاقي وشمل ما إذا كان قاصدا عند المجاوزة الحج ، أو العمرة أو التجارة ، أو القتال ، أو غير ذلك بعد أن يكون قد قصد دخول مكة ; لأن الإحرام لتعظيم هذه البقعة الشريفة فاستوى فيه الكل وأما دخوله صلى الله عليه وسلم مكة بغير إحرام يوم الفتح فكان مختصا بتلك الساعة بدليل قوله صلى الله عليه وسلم في ذلك اليوم { مكة حرام لم تحل لأحد بعدي وإنما أحلت لي ساعة من نهار ثم عادت حراما } يعني الدخول بغير إحرام لإجماع المسلمين على حل الدخول بعده عليه الصلاة والسلام للقتال وقيدنا بقصد مكة ; لأن الآفاقي إذا قصد موضعا من الحل كخليص يجوز له أن يتجاوز الميقات غير محرم وإذا وصل إليه التحق بأهله ومن كان داخل الميقات فله أن يدخل مكة بغير إحرام إذا لم يقصد الحج أو العمرة وهي الحيلة لمن مكة بغير إحرام وينبغي أن لا تجوز هذه الحيلة للمأمور بالحج ; لأنه حينئذ لم يكن سفره للحج ولأنه مأمور بحجة آفاقية وإذا أراد أن يدخل مكة بغير إحرام صارت حجته مكية فكان مخالفا وهذه . دخل
[ ص: 343 ] المسألة يكثر وقوعها فيمن يسافر في البحر الملح وهو مأمور بالحج ويكون ذلك في وسط السنة فهل له أن يقصد البندر المعروف بجدة ليدخل مكة بغير إحرام حتى لا يطول الإحرام عليه لو أحرم بالحج فإن المأمور بالحج ليس له أن يحرم بالعمرة .