الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ثم اخرج إلى الصفا وقم عليه مستقبل البيت مكبرا مهللا مصليا على النبي صلى الله عليه وسلم داعيا ربك بحاجتك ) لما ثبت في حديث جابر الطويل وقد قدمنا أن هذا السعي واجب وليس بركن للحديث { اسعوا فإن الله كتب عليكم السعي } قاله عليه السلام حين كان يطوف بين الصفا والمروة فإنه ظني وبمثله لا يثبت الركن ; لأنه إنما يثبت عندنا بدليل مقطوع فما في الهداية من تأويله بمعنى كتب استحبابا فمناف لمطلوبه ; لأنه الوجوب وجميع السبعة الأشواط واجب لا الأكثر فقط فإنهم قالوا في باب الجنايات لو ترك أكثر الأشواط لزمه دم وإن ترك الأقل لزمه صدقة فدل على وجوب الكل إذ لو كان الواجب الأكثر لم يلزمه في الأقل شيء أشار بثم إلى تراخي السعي عن الطواف ، فلو سعى ثم طاف أعاده ; لأن السعي تبع ولا يجوز تقدم التبع على الأصل ، كذا ذكر الولوالجي ، وصرح في المحيط بأن تقديم الطواف شرط لصحة السعي وبهذا علم أن تأخير السعي عن الطواف واجب ، وإلى أن السعي لا يجب بعد الطواف فورا بل لو أتى به بعد زمان ولو طويلا لا شيء عليه والسنة الاتصال به كالطهارة فصح سعي الحائض والجنب ، وكذا الصعود عليه مع ما بعده سنة حتى يكره أن لا يصعد عليهما كما في المحيط ، وقد قدمنا أن المشي [ ص: 358 ] فيه واجب حتى لو سعى راكبا من غير عذر لزمه دم ولم يذكر أي باب يخرج منه إلى الصفا ; لأنه مخير ; لأن المقصود يحصل به ، وإنما خرج عليه السلام من باب بني مخزوم المسمى الآن بباب الصفا ; لأنه أقرب الأبواب إليه فكان اتفاقا لا قصدا فلم يكن سنة ، ولم يذكر رفع اليدين في هذا الدعاء ، وهو مندوب حذو منكبيه جاعلا باطنهما إلى السماء ، ثم اعلم أن أصل الصفا في اللغة الحجر الأملس وهو والمروة جبلان معروفان بمكة ، وكان الصفا مذكرا ; لأن آدم عليه السلام وقف عليه فسمي به ووقفت حواء على المروة فسميت باسم المرأة فأنث لذلك كذا ذكر القرطبي في تفسيره وفي التحفة الأفضل للحاج أن لا يسعى بعد طواف القدوم ; لأن السعي واجب لا يليق أن يكون تبعا للسنة بل يؤخره إلى طواف الزيارة ; لأنه ركن ، واللائق للواجب أن يكون تبعا للفرض .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فلم يكن سنة ) مثله في الهداية قال في النهر والمذكور في السراج أن الخروج منه أفضل من غيره ا هـ .

                                                                                        وفي حاشية نوح أفندي قال ابن عمر وهو سنة فقول صاحب الهداية لا أنه سنة مخالف له لكنه موافق لكلام أهل المذهب ; لأنه ذكر في البدائع وغيره أنه يستحب أن يخرج من باب الصفا ، ولا يتعين ذلك سنة فالحاصل أنه ليس سنة بل مستحب ، فيجوز الخروج من غيره بدون الإساءة . ( قوله وفي التحفة الأفضل للحاج ) أي المفرد بالحج والمتمتع بخلاف القارن ; لأنه ذكر في اللباب في الأفضلية خلافا ثم قال : والخلاف في غير القارن أما القارن فالأفضل له تقديم السعي أو يسن ا هـ .

                                                                                        وفي حاشية المدني اعلم أن السعي الواجب في الحج يدخل وقته عقب طواف الزيارة ويمتد إلى آخر العمرة ; لأن السعي تبع للطواف ، والشيء إنما يتبع ما هو أقوى منه والسعي واجب وطواف الزيارة ركن ، ويجوز تقديمه على الوقوف وإيقاعه عقب طواف القدوم لكثرة أفعال الحج يوم النحر لكن يشترط أن يكون في أشهر الحج حتى لمن لا عليه طواف القدوم في الأصح ، واختلفوا هل الأفضل تأخيره إلى وقته أم تقديمه وعلى الثاني هل هو عام لأهل مكة وغيرهم أم خاص بغيرهم ممن عليه طواف القدوم ، وحاصله أن جواز تقديم السعي ممن عليه طواف القدوم متفق عليه ، وأما أفضليته ففيها خلاف ، وأما جوازه لمن أهل من مكة ممن ليس عليه طواف قدوم اختاره غير واحد من المشايخ كالكرخي والقدوري وصاحب الهداية والكافي والنهاية والمجمع وغيرهم ، وأما الأفضلية فصححها الكرماني وذهب صاحب البدائع إلى عدم جواز التقديم لمن أحرم من مكة وهو خلاف ما عليه أكثر الأصحاب ، وهذا الاختلاف كله في غير القارن ، وأما هو فلا نعلم خلافا في أفضلية تقديم السعي فضلا عن الجواز ; لأنهم ما ذكروا له إلا التقديم من غير ذكر خلاف بل الآثار تدل على استنان تقديم السعي له كذا في المرشدي وغيره ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية