( قوله : وعشرون دلوا وسطا بموت نحو فأرة ) قال في التبيين أي ينزح عشرون إذا وقوله عشرون معطوف على البئر وفيه إشكال ، وهو أنه يصير معناه تنزح البئر وعشرون دلوا وأربعون وكله فيفسد المعنى ; لأنه يقتضي نزح البئر وعشرين دلوا وليس هذا بمراد ، وإنما المراد أن تنزح ماتت فيها فأرة ونحوها ثم ذلك النجس ينقسم إلى ثلاثة أقسام منه ما يوجب نزح عشرين ومنه ما يوجب نزح أربعين ومنه ما يوجب نزح الجميع وليس نزح البئر مغايرا لهذه الثلاث حتى يعطف عليها ، وإنما هو تفسير وتقسيم لذلك النزح المبهم وليس هذا من باب عطف البعض على الكل لا يقال إنه أراد بالأول ما يوجب الجميع وبالمعطوف ما يوجب نزح البعض ; لأنه ذكر بعد ذلك ما يوجب نزح الجميع أيضا فلو كان مراده الجميع لما ذكر ثانيا لكونه تكرارا محضا ; ولأن الأول لا يجوز أن يحمل على نوع من هذه الأنواع الثلاثة لعدم الأولوية فبقي على إطلاقه إلى هنا كلام البئر إذا وقع فيها نجس الزيلعي رحمه الله
وأقول : لا حاجة إلى هذه الإطالة مع إمكان حمل كلامه على وجه صحيح ، فإن قوله عشرون معطوف على البئر بمعنى ماء البئر كما تقدم والواو فيه كبقية المعطوفات بمعنى أو والتقدير ينزح ماء البئر كله بوقوع نجس غير حيوان أو ينزح عشرون دلوا من ماء البئر بموت نحو فأرة أو أربعون منه بنحو دجاجة أو كله بنحو شاة إلى آخره وبهذا علم أن قوله وتنزح البئر بوقوع نجس ليس مبهما بل المراد منه نجس غير حيوان اندفع به ما ذكره من لزوم التكرار لو أريد بالأول نزح الجميع ، فإنه أريد بالأول نزح الجميع لوقوع غير حيوان وأريد بالثاني نزح الجميع لوقوع حيوان مخصوص فلا تكرار وقوله ; ولأن الأول لا يجوز أن يحمل إلى آخره سلمناه لكن يمنع قوله فبقي على إطلاقه ; لأنه لا يلزم من انتفاء جواز حمله على الأنواع الثلاث بقاؤها مطلقا لجواز حمله على نوع رابع غير [ ص: 123 ] الثلاثة كما حملناه على النجس الذي ليس حيوانا ، وهو ليس واحدا من الأنواع .
واعلم أنه لا فرق بين أن وكذا سائر الحيوانات إلا الميت الذي تجوز الصلاة عليه كالمسلم المغسول أو الشهيد نعم في خزانة الفتاوى تموت الفأرة في البئر أو خارجها وتلقى فيها لا تنجس الماء ; لأن اليبس دباغة ا هـ . والفأرة اليابسة
ولا يخفى ضعفه ; لأنا قدمنا أن ما لا يحتمل الدباغة لا يطهر وأن اليبس ليس بدباغة ويدل عليه ما في الذخيرة أن الفأرة الميتة إذا كانت يابسة ، وهي في الخابية وجعل في الخابية الزيت فظهرت على رأس الخابية فالزيت نجس ا هـ .
ثم اعلم أن الواقع في البئر إما نجاسة أو حيوان وحكم النجاسة قد تقدم في قوله وتنزح البئر بوقوع نجس على ما أسلفناه والحيوان إما آدمي أو غيره وغير الآدمي إما نجس العين أو غيره وغير نجس العين إما مأكول اللحم أو غيره والكل إما إن أخرج حيا أو ميتا والميت إما منتفخ أو غيره لم يفسد الماء ، وإن كان مسلما جنبا أو محدثا فانغمس بنية الغسل أو لطلب الدلو فقد قدم حكمه ، وإن كان كافرا روي عن فالآدمي إذا خرج حيا ولم يكن في بدنه نجاسة حقيقية أو حكمية ، وكان مستنجيا أنه ينزح ماؤها ; لأن بدنه لا يخلو عن نجاسة حقيقة أو حكما ، وإن أبي حنيفة لم يفسد الماء وإن كان قبله فسد أخرج ميتا ، وكان مسلما وقع بعد الغسل وغير الآدمي إن كان نجس العين كالخنزير والكلب على القول بأنه نجس العين نجس البئر مات أو لم يمت أصاب الماء فمه أو لم يصب وعلى القول بأن الكلب ليس بنجس العين لا ينجسه إذا لم يصل فمه إلى الماء ، وهو الأصح وقيل دبره منقلب إلى الخارج فلهذا يفسد الماء بخلاف غيره من الحيوانات والكافر يفسد قبل الغسل وبعده
وأما ، فإن علم ببدنه نجاسة تنجس الماء ، وإن لم يصل فمه إلى الماء وقيدنا بالعلم ; لأنهم قالوا في البقر ونحوه يخرج ولا يجب نزح شيء ، وإن كان الظاهر اشتمال بولها على أفخاذها لكن يحتمل طهارتها بأن سقطت عقب دخولها ماء كثيرا هذا مع أن الأصل الطهارة ، وإن لم يعلم ولم يصل فمه إلى الماء فإن كان مما يؤكل لحمه فلا يوجب التجنيس أصلا ، وإن كان مما لا يؤكل لحمه من السباع والطيور ففيه اختلاف المشايخ والأصح عدم التجنيس وكذلك في الحمار والبغل والصحيح أنه لا يصير الماء مشكوكا فيه وقيل ينزح ماء البئر كله ، وإن وصل لعابه فحكم الماء حكمه فيجب نزح الجميع إذا سائر الحيوانات كذا في فتاوى وصل لعاب البغل أو الحمار إلى الماء قاضي خان وغيرهما لكن في المحيط ، ولو يجوز التوضؤ به ما لم يغلب عليه ; لأنه طاهر غير طهور كالماء المستعمل عند وقع سؤر الحمار في الماء ا هـ . محمد
وظاهر كلام صاحب الهداية في التجنيس أن معنى قولهم يجب نزح الجميع أنه لا لأجل النجاسة بل ; لأنه كان غير طهور ولا يجب النزح إذا لكن في فتاوى وقع في البئر ما يكره سؤره ووصل لعابه إلى الماء قاضي خان ينزح منها دلاء عشرة أو أكثر احتياطا وثقة وفي التبيين يستحب نزح الماء كله ولا يخفى ما فيه ، وهذا كله إذا خرج حيا
فإن فالواجب نزح الجميع في الجميع ، وإن لم ينتفخ ولم يتفسخ فالمذكور في ظاهر الرواية أنه على ثلاث مراتب كما دل عليه كلام مات وانتفخ أو تفسخ المصنف وصاحب الهداية وغيرهم ففي الفأرة ونحوها عشرون أو ثلاثون وفي الدجاجة ونحوها أربعون أو خمسون أو ستون وفي الشاة ونحوها ينزح ماء البئر كله وفي رواية والقدوري الحسن عن جعله على خمس مراتب ففي الحلمة واحد الحلم وهي القراد الضخم العظيم والفأرة الصغيرة عشر دلاء وفي الفأرة الكبيرة عشرون وفي الحمامة ثلاثون وفي الدجاجة أربعون وفي الآدمي ماء البئر كله وقد قدمنا مسائل الآبار مبنية على اتباع الآثار فذكر مشايخنا في كتبهم آثارا الأول عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه قال في الفأرة ماتت في البئر وأخرجت من ساعتها ينزح منها عشرون دلوا . أنس
الثاني : عن أنه قال في الدجاجة إذا ماتت في البئر ينزح منها [ ص: 124 ] أربعون دلوا قال في الغاية لم يذكر أحد من أهل الحديث فيما علمته حديث أبي سعيد الخدري ، وإنما ذكره أصحابنا في كتب الفقه على عادتهم وفي فتح القدير ذكر مشايخنا ما عن أنس أنس غير أن قصور نظرنا أخفاه عنا والخدري
وقال الشيخ علاء الدين إن رواهما من طرق وتعقبه تلميذه الطحاوي الإمام الزيلعي المخرج بأني لم أجدهما في شرح الآثار ولكنه أخرج عن للطحاوي أنه قال في دجاجة وقعت في البئر فماتت قال ينزح منها قدر أربعين دلوا أو خمسين . حماد بن أبي سليمان
وأجاب عنه المحقق السراج الهندي بأنه يجوز أن يكون ذكرهما في كتاب اختلاف العلماء له أو في أحكام القرآن له أو في كتاب آخر ولا يلزم من عدم الوجدان في الآثار عدم الوجود مطلقا الثالث حديث الزنجي في الطحاوي بئر زمزم وسنتكلم عليه إن شاء الله تعالى .
[ ص: 123 ]