[ ص: 2 ] بسم الله الرحمن الرحيم ( باب الجنايات ) .
لما كانت من العوارض أخرها ، وهي في اللغة ما تجنيه من شر أي تحدثه تسمية بالمصدر من جنى عليه شرا ، وهو عام إلا أنه خص بما يحرم من الفعل ، وأصله من جني الثمر ، وهو أخذه من الشجر ، وفي الشرع اسم لفعل محرم شرعا سواء حل بمال أو نفس إلا أن الفقهاء خصوه بالجناية على الفعل في النفس والأطراف وخصوا الفعل في المال باسم الغصب والمراد هنا خاص ، وهو ما يكون حرمته بسبب الإحرام أو الجناية الحرم وحاصل الأول أنه الطيب ولبس المخيط وتغطية الرأس أو الوجه ، وإزالة الشعر من البدن ، وقص الأظفار والجماع صورة ، ومعنى أو معنى فقط وترك واجب من واجبات الحج والتعرض للصيد وحاصل الثاني التعرض لصيد الحرم وشجره فبدأ بالأول من الأول فقال : ( تجب شاة إن ، وإلا تصدق أو طيب محرم عضوا ) ; لأن الجناية تتكامل بتكامل الارتفاق وذلك في العضو الكامل فيترتب عليه كمال الموجب وتتقاصر الجناية فيما دونه فوجبت الصدقة ، وقال خضب رأسه بحناء أو أدهن بزيت : يجب بقدره من الدم اعتبارا للجزء بالكل فإن كان ذلك يبلغ نصف العضو تجب عليه الصدقة قدر نصف قيمة الشاة ، وإن كان يبلغ ربعا يجب عليه الصدقة قدر ربع قيمة الشاة ، وعلى هذا القياس واختاره محمد الإمام الإسبيجابي مقتصرا عليه من غير نقل خلاف .
ثم ما اختاره أصحاب المتون من أن الكثير هو العضو والقليل ما دونه هو ما صرح به عن الإمام محمد في بعض المواضع ، وقد أشار في بعض المواضع إلى أن الدم يجب بالتطيب الكثير والصدقة بالقليل ، ولم يذكر العضو ، وما دونه ففهم من ذلك الإمام الفقيه أبو جعفر الهندواني أن الكثرة تعتبر في نفس الطيب لا في العضو فلو كان [ ص: 3 ] كثيرا مثل كفين من ماء الورد ، وكف من الغالية والمسك بقدر ما يستكثره الناس فإنه يكون كثيرا ، وإن كان قليلا في نفسه والقليل ما يستقله الناس ، وإن كان في نفسه كثيرا ، وكف من ماء الورد يكون قليلا ، ووفق بعضهم بين القولين وصححه في المحيط وغيره ، وقال في فتح القدير : إن التوفيق هو التوفيق بأن الطيب إن كان قليلا فالعبرة للعضو لا للطيب فإن لزمه دم ، وإن كان أقل فصدقة ، وإن كان الطيب كثيرا فالعبرة للطيب لا للعضو حتى لو طيب به ربع عضو يلزمه دم ، وفيما دونه صدقة ونظيره ما قاله طيب عضوا كاملا في تقدير النجاسة الكثيرة اعتبر المساحة في النجاسة الرقيقة واعتبر الوزن في النجاسة الكثيفة . ا هـ . ما في المحيط . محمد
وحاصله أن ما في المتون محمول على ما إذا كان الطيب قليلا أما إذا كان كثيرا فلا اعتبار بالعضو ، ولا يخفى أن ما ذكره من اعتبار العضو صريح ، وما ذكره من الكثرة إشارة يمكن حملها على المصرح به فيتحد القولان ويترجح ما في المتون من اعتبار العضو ، وهو كالرأس والساق والفخذ واليد ، وفي المبسوط والمحيط إذا محمد يجب عليها دم قال : وجعل الكف عضوا كاملا ، وحقيقة التطيب أن يلزق ببدنه أو ثوبه طيبا ، وما زاده في فتح القدير من فراشه فراجع إليهما والطيب جسم له رائحة طيبة مستلذة كالزعفران والبنفسج والياسمين والغالية والريحان والورد والورس والعصفر ، ولا فرق بين أن يلتزق بثوبه عينه أو رائحته فلذا صرحوا أنه لو خضبت المرأة كفها بحناء فعليه دم ، وإن كان قليلا فصدقة ; لأنه انتفاع بالطيب بخلاف ما إذا بخر ثوبه بالبخور فتعلق به كثير فلا شيء عليه ; لأنه غير منتفع بعينه ، ولا بأس أن دخل بيتا قد أجمر فيه فعلق بثيابه رائحة ، ولا فرق أيضا بين أن يقصده أو لا ولذا قال في المبسوط : وإن يجلس في حانوت عطار فعليه دم ، وإن كان قليلا فصدقة . استلم الركن فأصاب فمه أو يده خلوف كثير
وفي المجمع ونوجبه في الناسي لا الصبي ونعكس في شمسه ، وأكل كثيره موجب له ، وفي قليله صدقة بقدره . ا هـ . فعلم أن مفهوم شرطه أنه لو فإنه لا يلزمه شيء ، وإن كان مكروها كما لو شم الطيب ، وما ذكره توسد ثوبا مصبوغا بالزعفران المصنف قاصر على الطيب الملتزق بالبدن ، وأما الملتزق بالثياب فلم يمكن اعتبار العضو فيه فيعتبر فيه كثرة الطيب وقلته ، وهو مرجح بقول الهندواني المتقدم فإنه يعم البدن والثوب ، ولا يجوز له أن ، وفي فتح القدير ، وكان المرجح في الفرق بين القليل والكثير العرف إن كان ، وإلا فما يقع عند المبتلى . يمسك مسكا في طرف إزاره
وما في المجرد إن يطعم نصف صاع من بر وإن كان أقل من يوم فصدقة يفيد التنصيص على أن الشبر في الشبر داخل في حد القليل ، وعلى تقدير الطيب في الثوب [ ص: 4 ] بالزمان بخلاف تطييب العضو فإنه لا يعتبر فيه الزمان حتى لو غسله من ساعته فالدم واجب كما في فتح القدير ولذا أطلقه في المتن قيد بكونه تطيب ، وهو محرم ; لأنه لو كان في ثوبه شبر في شبر فمكث عليه يوما فإنه لا شيء عليه اتفاقا ، وإذا وجب الجزاء بالتطيب فلا بد من إزالته من بدنه أو ثوبه ; لأنه معصية فلا بد من الإقلاع عنها ، وذبح الهدي لا يبيح بقاءه فلو لم يزله بعد ما كفر له اختلفوا في وجوب دم آخر لبقائه ، وأظهر القولين الوجوب ; لأن ابتداءه كان محظورا فيكون لبقائه حكم ابتدائه ، والرواية توافقه ، وهي ما في المبتغى عن تطيب قبل الإحرام ثم انتقل بعده من مكان إلى آخر من بدنه إذا محمد يجب عليه لتركه دم آخر ، ولا يشبه هذا الذي تطيب قبل أن يحرم ثم أحرم وترك الطيب ; لأنه لم يكن محظورا . مس طيبا كثيرا فأراق له دما ثم ترك الطيب على حاله
واختاره في المحيط ، وفي فتح القدير ، وقد علم من بيانه حكم العضو ، وما دونه أن ما زاد عليه فهو كالعضو كما صرحوا به ثم إنما تجب كفارة واحدة إذا كان في مجلس واحد فإن كان في مجالس فلكل طيب كفارة كفر للأول أو لا بتطييب كل البدن عندهما ، وقال عليه كفارة واحدة ما لم يكفر للأول ، وإن محمد فليس عليه إلا كفارة ما لم تبرأ الأولى ، ولو كان الطيب في أعضاء متفرقة يجمع ذلك كله فإن بلغ عضوا كاملا فعليه دم ، وإلا فصدقة ، وفي المحيط داوى قرحة بدواء فيه طيب ثم خرجت قرحة أخرى فداواها مع الأولى فلا بأس به . اكتحل بكحل ليس فيه طيب
وإن كان فيه طيب فعليه صدقة إلا أن يكون مرارا كثيرة فدم والمراد بالمرار المرتان فأكثر كما صرح بهقاضي خان في فتاويه ، وقال : لو لا شيء عليه ، وإن لم يطبخ وريحه يوجد منه يكره ذلك ، ولا شيء عليه ، ولو جعل الملح الذي فيه طيب في طعام قد طبخ وتغير ، وأكله فإن كان الزعفران غالبا فعليه كفارة ، وإن كان الملح غالبا لا كفارة عليه . ا هـ . جعل الزعفران في الملح
وأشار بقوله شاة إلى أن سبع البدنة لا يكفي في هذا الباب بخلاف دم الشكر ، ولو قال المصنف عضوه بالإضافة كان أولى لما في الفتاوى الظهيرية ، وإذا فلا شيء عليه بالإجماع ، وكذلك إذا ألبس المحرم محرما أو حلالا مخيطا أو طيبه بطيب . ا هـ . قتل قملة على غيره
وقوله أو خضب رأسه معطوف على طيب ، وإنما صرح بالحناء مع دخولها تحت الطيب لقوله عليه السلام { } للاختلاف ، وإنما اقتصر على الرأس ، ولم يذكر اللحية كما وقع في الأصل ليفيد أن الرأس بانفرادها مضمونة ، وأن الواو بمعنى أو في عبارة الأصل بدليل الاقتصار على الرأس في الجامع الصغير ، ولما كان مصرحا فيما يأتي بأن تغطية الرأس موجبة للدم [ ص: 5 ] لم يقيد الحناء بأن تكون مائعة فإن كانت ملبدة ففيه دمان دم للتطيب مطلقا ودم للتغطية إن دام يوما ، وليلة وغطى الكل أو الربع فلو كان التلبيد بغير الحناء لزمه دم أيضا . والتلبيد أن يأخذ شيئا من الخطمي والآس والصمغ فيجعله في أصول الشعر ليتلبد . الحناء طيب
، وما ذكره رشيد الدين في مناسكه وحسن أن مشكل ; لأنه لا يجوز استصحابه التغطية الكائنة قبل الإحرام بخلاف الطيب كذا في فتح القدير ويشكل عليه ما في الصحيحين عن يلبد رأسه قبل الإحرام { ابن عمر حفصة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : يا رسول الله ما شأن الناس حلوا ، ولم تحل أنت من عمرتك قال : إني لبدت رأسي ، وقلدت هديي فلا أحل حتى أنحر } فلا فرق بين التلبيد والطيب فإن كلا منهما محظور بعد الإحرام وجاز أن بالسنة فكذلك التلبيد قبله بالسنة ، وقيد الخضاب بالرأس ; لأن استصحاب الطيب الكائن قبل الإحرام فعليها دم إن كان كثيرا فاحشا ، وإن كان قليلا فعليها صدقة كما ذكره المحرمة لو خضبت يدها أو كفها الإسبيجابي وغيره بخلاف خضاب الرأس بالحناء فإنه موجب للدم مطلقا .
وأما خضاب اللحية فوقع في الهداية أن كلا من الرأس واللحية مضمون ، ولم يقل بالدم وزاد الشارح أن كلا منهما مضمون بالدم ، وهو سهو منه ; لأن اللحية مضمونة بالصدقة كما في معراج الدراية معزيا للمبسوط ، وقيد بالحناء ; لأنه لو فليس عليه دم ، ولكن إن خاف أن يقتل الهوام أطعم شيئا ; لأن فيه معنى الجناية من هذا الوجه ، ولكنه غير متكامل فيلزمه الصدقة كما في المبسوط والوسمة بسكون السين وكسرها ، وهو الأفصح شجر يخضب بورقه ، وفي الهداية ، وعن خضب بالوسمة أبي يوسف إذا فعليه الجزاء باعتبار أنه يغلف رأسه ، وهذا صحيح . ا هـ . خضب رأسه بالوسمة لأجل المعالجة من الصداع
يعني ينبغي أن لا يكون فيه خلاف ; لأن التغطية موجبة بالاتفاق غير أنها للعلاج فلهذا ذكر الجزاء ، ولم يذكر الدم والحناء منون في عبارة المصنف ; لأنه فعال لا فعلاء ليمنع صرفه ألف التأنيث ، وقوله أو أدهن بزيت معطوف على قوله طيب أطلقه فشمل ما إذا كان مطبوخا أو غير مطبوخ مطيبا أو غير مطيب ، ولم يقيده بالكثير لما علم من تقييده في الطيب ; لأنه إذا فرق في الطيب بين العضو ، وما دونه فالزيت أولى ; لأنه لا خلاف في الطيب ، وفي الزيت الذي ليس بمطيب ، ولا مطبوخ خلافهما فقالا : يجب فيه [ ص: 6 ] صدقة ; لأن الجناية فيه قاصرة ; لأنه من الأطعمة إلا أن فيه ارتفاقا لمعنى قتل الهوام ، وإزالة الشعث .
وقال : يجب دم ; لأنه أصل الطيب باعتبار أنه يلقي فيه الأنوار كالورد والبنفسج فيصير نفسه طيبا ، ولا يخلو عن نوع طيب ويقتل الهوام ويلين الشعر ويزيل التفث والشعث ، وأراد بالزيت دهن الزيتون والسمسم ، وهو المسمى بالشيرج فخرج بقية الأدهان كالشحم والسمن ، وقيد بالإدهان ; لأنه لو أكله أو داوى به شقوق رجليه أو أقطر في أذنه لا يجب دم ، ولا صدقة بخلاف المسك والعنبر والغالية والكافور ونحوها حيث يلزم الجزاء بالاستعمال على وجه التداوي لكنه يتخير إذا كان لعذر كما سيأتي ، وكذا إذا الإمام فعليه الدم قال في فتح القدير : وهذه تشهد لعدم اعتبار العضو مطلقا في لزوم الدم بل ذاك إذا لم يبلغ مبلغ الكثرة في نفسه على ما قدمناه . أكل الكثير من الطيب ، وهو ما يلتزق بأكثر فمه
وقد قدمنا عن قاضي خان أنه لو فالعبرة للغالب فإن كان الطيب مغلوبا فلا شيء أصلا زاد بعضهم إلا أنه يكره إذا كان رائحته توجد فيه ، وإن كان غالبا فهو كالخالص ، وهكذا في المحيط وغيره ، وقالوا : ولو خلط الطيب بطعام من غير طبخ ففيه الدم ، وإن كان مغلوبا فصدقة إلا أن يشرب مرارا فدم فإن كان للتداوي خير وينبغي أن يسوي بين المأكول والمشروب المخلوط كل منهما بطيب مغلوب أما بعدم شيء أصلا كما هو الحكم في المأكول أو بوجوب الصدقة فيهما كما هو الحكم في المشروب ، وما فرق به في المحيط من أن الطيب مما يقصد شربه فإذا خلطه بمشروب لم يصر تبعا لمشروب مثله إلا أن يكون المشروب غالبا كما لو خلطه بمشروب ، وهو غالب تثبت حرمة الرضاع إلا أن يكون الماء غالبا بخلاف أكله فإنه ليس مما يقصد عادة فإذا خلط بالطعام صار تبعا للطعام وسقط حكمه ففيه نظر من وجهين . الأول : أن من الطيب ما يقصد أكلا إذا كان من المأكولات للمعنى القائم به ، وهو الطيبية إما مداواة أو تنعما منفردا أو مخلوطا كما يقصد شربا الثاني أن القصد من هذا الباب ليس بشرط ; لأن الناسي والعامد والجاهل سواء ، وذكر خلط اللبن بالماء فشربه الصبي الحلبي في مناسكه أني لم أرهم تعرضوا بماذا تعتبر الغلبة ؟ . وظهر لي أنه إن وجد في المخالط رائحة الطيب كما قبل الخلط وحس الذوق السليم بطعمه فيه حسا ظاهرا فهو غالب ، وإلا فهو مغلوب ; لأن المناط كثرة الأجزاء ثم قال : لم أرهم تعرضوا في هذه المسألة في التفصيل أيضا بين القليل والكثير كما في مسألة أكل الطيب وحده ، وإنه بإثباته فيها أيضا لجدير ويقال إن كان الطيب غالبا ، وأكل منه أو شرب كثيرا فعليه الكفارة ، وإلا فصدقة ، وإن كان مغلوبا ، وأكل منه أو شرب كثيرا فصدقة ، وإلا فلا شيء عليه ، ولعل الكثير ما يعده العارف العدل الذي لا يشوبه شره ونحوه كثيرا والقليل ما عداه .
ثم قال : ولا شيء في ، وإنما يكره إذا كانت رائحته توجد منه بخلاف الحلواء المسمى بالقاووت المضاف إلى أجزائها الماورد والمسك فإن في أكل الكثير دما والقليل صدقة ، والله سبحانه وتعالى أعلم بحقائق الأحوال . أكل ما يتخذ من الحلواء المبخرة بالعود ونحوه
[ ص: 2 ]