الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وإن لم يسمه أو نفاه فلها مهر مثلها إن وطئ أو مات عنها ) لما روي في السنن والجامع الترمذي عن { عبد الله بن مسعود في رجل تزوج امرأة فمات عنها ولم يدخل بها ولم يفرض لها الصداق ، فقال لها الصداق كاملا وعليها العدة ولها الميراث ، فقال معقل بن سنان سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى به في تزويج بنت واشق } قال الترمذي هو حسن صحيح ولأنه حق الشرع وجوبا ، وإنما يصير حقها في حالة البقاء فتملك الإبراء دون النفي ومن صوره ما إذا تزوجها على ألف على أن ترد إليه ألفا ; لأن الألف بمقابلة مثلها فبقي النكاح بلا تسمية كما في المحيط ومنها ما إذا تزوجها على عبدها وليس منها ما إذا تزوجها على عبد الغير فإنه إذا لم يجز مالكه وجبت قيمته

                                                                                        ومنها ما في القنية قالت زوجت نفسي منك بخمسين دينارا وأبرأتك من الخمسين ، فقال قبلت ينعقد بمهر المثل لعدم التسمية ومنها ما فيها تزوجتك بمهر جائز في الشرع وجب مهر المثل ولا ينصرف إلى العشرة ; لأن [ ص: 157 ] مهر المثل جائز شرعا أيضا وفي المعراج لها العشرة ومنها ما إذا تزوجها على حكمها أو حكمه أو حكم رجل آخر أو على ما في بطن جاريتي أو أغنامي كما في فتح القدير ومنها ما في الظهيرية لو تزوجها على أن يهب الزوج لأبيها ألف درهم كان لها مهر المثل وهب لأبيها ألفا أو لم يهب فإن وهب كان له أن يرجع في الهبة ومنها ما فيها أيضا لو تزوجها على دراهم كان لها مهر المثل ولا يشبه الخلع ومنها تسمية المحرم ومنها تسمية المجهول جهالة فاحشة كما سيأتي كما إذا تزوجها على ما يكسبه العام أو يرثه كما في البدائع ومنها تسمية ما لا يصلح مهرا كتأخير الدين عنها سنة والتأخير باطل كما في الظهيرية أو أبرئ فلان من الدين فيجب مهر المثل كما في الخانية وليس منها ما إذا تزوجها على حجة فإن لها قيمة حجة وسط لا مهر المثل كما في الظهيرية وفسر في المعراج الوسط بركوب الراحلة وليس منها ما إذا تزوجها على عتق أخيها عنها فإنه لا شيء لها لثبوت الملك لها اقتضاء في الأخ بخلاف ما إذا تزوجها على عتق أخيها أو طلاق ضرتها فإنه يجب مهر المثل ; لأنهما ليسا بمال وتمامه في المحيط ثم اعلم أن وجوب مهر المثل بتمامه عند عدم التسمية مشروط بأن لا يشترط الزوج عليها شيئا لما في الولوالجية والمحيط لو تزوجها على أن تدفع إليه هذا العبد يقسم مهرها على قيمة العبد وعلى مهر مثلها ; لأن المرأة بذلت البضع والعبد بإزاء مهر مثلها والبدل ينقسم على قدر قيمة المبدل فما أصاب قيمة العبد فالبيع فيه فاسد ; لأنها باعته بشيء مجهول والباقي يصير مهرا . ا هـ .

                                                                                        ويخالفه ما نقلاه أيضا لو قال لامرأة أتزوجك على أن تعطيني عبدك هذا فقبلت جاز النكاح بمهر المثل ولا شيء له من العبد فيحتاج إلى الفرق ، وقد يقال إن في الثانية لم يجعل العبد مبيعا بل هبة فلا ينقسم مهر المثل على العبد وعلى مهر المثل بدليل أنه ذكر الإعطاء والعطية الهبة وفي الأولى جعل العبد مبيعا فانقسم مهر المثل بدليل أنه ذكر الدفع لا الإعطاء

                                                                                        وأما إذا تزوجها على ألف على أن تدفع إليه هذا العبد ، فقال في المحيط صح النكاح والبيع ; لأن البيع مشروط في النكاح ، فأما النكاح غير مشروط في البيع فثبت البيع ضمنا للنكاح ولو قال في المختصر أو مات أحدهما لكان أولى ; لأن موتها كموته كما في التبيين وليس من صور عدم التسمية ما لو تزوجت بمثل مهر أمها والزوج لا يعلم مقدار مهر أمها فإنه جائز بمقدار مهر أمها ولو طلقها الزوج قبل الدخول بها فلها نصف ذلك وللزوج الخيار إذا علم مقدار مهر أمها كما لو اشترى بوزن هذا الحجر ذهبا ثم علم بوزنه ولا خيار للمرأة كذا في الذخيرة وليس منها ما إذا افترقا وبقي عليه عشرة دنانير من المهر ثم تزوجها بتلك العشرة فإن المصرح به في القنية أنه تزوج بمثل العشرة فيكون المهر عشرة أخرى غير عشرة الدين .

                                                                                        [ ص: 156 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 156 ] ( قوله { قضى به في تزويج بنت واشق } الذي في الفتح { قضى في بروع بنت واشق } بمثله وقال هذا لفظ أبي داود وله روايات أخر بألفاظ وذكر قبله وبروع بكسر الباء الموحدة في المشهور ويروى بفتحها . ( قوله ومنها ما فيها ) أي في القنية [ ص: 157 ] ( قوله ; لأن موتها كموته ) قال الرملي فلو ماتا ذكر قاضي خان في شرح الجامع الصغير فيما لو مات الزوج أولا أو ماتا معا أو لا يعلم أيهما مات أولا خلافا بين الإمام وصاحبيه فعندهما لورثة المرأة مهر مثلها في تركة الزوج وعنده لا يقضى بمهر المثل بعد موتها فراجعه وكان ينبغي ذكر ذلك أيضا لكن الفتوى في المسألة على قولهما كما ذكره البزازي . ( قوله أما إذا صحت من وجه إلخ ) قال في النهر أقول : قدمنا عن المحيط أنه لو تزوجها على ألف أو ألفين وجب مهر المثل عند الإمام خلافا لهما . قال ولو طلقها قبل الدخول كان لها خمسمائة بالإجماع وهي عنده بحكم المتعة ; لأن الظاهر أن قيمة المتعة عنده لا تزيد على خمسمائة حتى لو زادت كان لها المتعة عنده كما في العشرة والعشرين ا هـ .

                                                                                        وهذا يقتضي أن إيجاب الخمسمائة فيما إذا تزوجها على ألف وكرامتها أو على أن يهدي إليها ليس لصحة التسمية من وجه ; لأن قيمة المتعة [ ص: 158 ] لا تزيد عليها وحينئذ فلا حاجة إلى هذا التقييد ا هـ .

                                                                                        قلت : ، وهذا بناء على تسليم فساد التسمية وسيأتي الكلام فيه عند قوله ولو نكحها بألف على أن لا يخرجها إلخ . ( قوله وهي ما تلتحف به المرأة ) زاد في النهر من قرنها إلى قدمها . ( قوله ولم يذكر في الذخيرة الدرع ) قال في النهر أقول : درع المرأة قميصها والجمع أدرع وعليه جرى العيني وعزاه في البناية لابن الأثير فعلى هذا فكونه في الذخيرة لم يذكره مبني على تفسير المطرزي . ( قوله فيزاد على هذا إزار ومكعب ) قال في النهر ولا يخفى إغناء الملحفة عن الإزار إذ هي بهذا التفسير إزار إلا أن يتعارف تغايرهما كما في مكة المشرفة . ( قوله كما في فتح القدير ) أي كما ظنه في فتح القدير فهو قيد للمنفي وهو كون الملاحظة المذكورة مناقضة . ( قوله بل لما ذكرناه ) أي من أنها لا تزاد على نصف مهر المثل فليتأمل في ذلك فإنه لم يذكر كم مقدار مهر المثل فإطلاق عدم الزيادة على العشرين غير ظاهر ولعل قول النهر بعد نقله كلام المؤلف وفيه نظر إشارة إلى هذا .




                                                                                        الخدمات العلمية