المسألة الثالثة أن يسمي ما يصلح مهرا ويشير إلى ما لا يصلح مهرا كما إذا فالتسمية فاسدة في جميع ذلك ولها مهر المثل في قول تزوجها على هذا العبد فإذا هو حر أو على هذه الشاة الذكية فإذا هي ميتة أو على هذا الدن الخل فإذا هو خمر وفي قول أبي حنيفة تصح التسمية في الكل وعليه في الحر قيمة الحر لو كان عبدا وفي الشاة قيمة الشاة لو كانت ذكية وفي الخمر مثل ذلك الدن من خل وسط أبي يوسف فرق فوافق ومحمد في الحر والميتة الإمام في الخمر والتحقيق أنه لا خلاف بينهم وأن المعتبر المشار إليه إن كان المسمى من جنسه وإن كان من خلاف جنسه فالمسمى قال وأبا يوسف المصنف في الكافي إن هذه المسائل مبنية على أصل وهو أن الإشارة والتسمية إذا اجتمعتا والمشار إليه من خلاف جنس المسمى فالعبرة للتسمية ; لأنها تعرف الماهية والإشارة تعرف الصورة فكان اعتبار التسمية أولى ; لأن المعاني أحق بالاعتبار وإن كان المشار إليه من جنس المسمى إلا أنهما اختلفا وصفا فالعبرة للإشارة والشأن في التخريج على هذا الأصل يقول الحر مع العبد والخل مع الخمر جنسان مختلفان في حق الصداق ; لأن أحدهما مال متقوم يصلح صداقا والآخر لا فالحكم حينئذ للمسمى وكأن الإشارة تبين وصفه فأبو يوسف يقول العبد مع الحر جنس واحد إذ معنى الذات لا يفترق ومحمد
وأما الخل مع الخمر فجنسان يقول لا تأخذ الذاتان حكم الجنسين إلا بتبدل الصورة والمعنى ; لأن كل موجود من الحوادث موجود بهما وصورة الخل والخمر والحر والعبد واحدة فاتحد الجنس فالعبرة للإشارة والمشار إليه غير صالح فوجب مهر المثل . ا هـ . وأبو حنيفة
وارتضاه في فتح القدير وقال وغاية الأمر أن يكون مسمى الخمر خلا والحر عبدا تجوزا وذلك لا يمنع تعلق الحكم بالمراد كما لو تطلق ويعتق فظهر أن لا اختلاف بينهم في الأصل بل في اختلاف الجنس واتحاده فلزم إنما ذكره في بعض شروح الفقه من أن الجنس عند الفقهاء المقول على كثيرين مختلفين بالأحكام إنما هو على قول قال لامرأته هذه الكلبة طالق ولعبده هذا الحمار حر وعند أبي يوسف المختلفين بالمقاصد وعلى قول محمد هو المقول على متحدي الصورة والمعنى ثم لا يخفى أن اللائق كون الجواب على قول أبي حنيفة وجوب القيمة أو عبد وسط ; لأن إلغاء الإشارة واعتبار المسمى يوجب كون الحاصل أنه تزوجها على عبد وحكمه ما قلنا . ا هـ . أبي يوسف
وفي الأسرار أن أبا يوسف اعتبرا المعنى ومحمدا اعتبر الصورة وآل الأمر إلى أن الذات الواحدة تلحق بجنسين إذا اختلفت صورة ومعنى والذاتان قد يلحقان بجنس واحد إذا اتفقا صورة ومعنى فلا ينسب غيران إلى واحد إلا باتحاد الصورة والمعنى ولا الواحد إلى الغيرين إلا باختلاف الصورة والمعنى وكلامنا في ذات واحدة ; لأن الوصفين اللذين اختلفا فيهما يتعاقبان على ذات واحدة على ما بيناه ولا ينسب الواحد إلى غيرين مختلفين إلا باختلاف الصورة والمعنى ولم يوجد اختلاف الصورة ا هـ . وأبو حنيفة
وقوله في فتح القدير أن اللائق إلى آخره ممنوع ; لأن ما ألغى الإشارة بالكلية ، وإنما ألغاها من وجه دون وجه كما ذكره أبا يوسف الزيلعي والدليل عليه - ما في الأسرار أنه في العبد المطلق إذا أتى به إليها تجبر على القبول كما لو أتاها بالقيمة وفي هذه المسألة لو أتاها بعبد وسط لا تجبر عند . ا هـ . أبي يوسف
وفي البدائع ما يقتضي أن هذه التسمية لا تكون من قبيل المجاز فإنه قال وحقيقة [ ص: 179 ] الفقه أن هذا حر سمي عبدا وتسمية الحر عبدا باطل ; لأنه كذب فالتحقت التسمية بالعدم وبقيت الإشارة والمشار إليه لا يصلح مهرا ا هـ . لأبي حنيفة
وذكر في فتح القدير أيضا من البيوع أن الجنس عند الفقهاء ليس إلا المقول على كثيرين لا يتفاوت الغرض منها فاحشا فالجنسان ما يتفاوت منها فاحشا من غير اعتبار للذات ا هـ .
وقال في باب الربا إن اختلاف الجنس يعرف باختلاف الاسم والمقصود فالحنطة جنس والشعير جنس آخر ، وأما اعتراضه على ما في بعض الشروح ففيه نظر أيضا في بحث الخاص فإنهم جعلوا إنسانا من قبيل خصوص الجنس ; لأنه مقول على كثيرين مختلفين بالأحكام كالذكر والأنثى وجعلوا رجلا من قبيل خصوص النوع وأنه المقول على كثيرين متفقين في الأحكام فأورد عليه الحر والعبد والعاقل والمجنون فإنهم داخلون تحت رجل وأحكامهم مختلفة فأجابوا بأن اختلاف الأحكام بالعرض لا بالأصالة بخلاف الذكر والأنثى فإن اختلاف أحكامهما بالأصالة فقوله إن الحر والعبد جنس واحد معناه أنهما داخلان تحت شيء واحد وهو رجل
وكذا الخل والخمر داخلان تحت ماء العصير فرجل بالنسبة إلى الحر والعبد جنس لهما وإن كان نوعا لإنسان والحر مثلا نوع بالنسبة إلى زيد وعمرو مثلا وقول إن الحر والعبد جنسان ليس معناه الجنس المصطلح عليه ، وإنما أبي يوسف نظر إلى أن لفظ حر تحته أشخاص هي زيد وعمرو وبكر وغيرها ولفظ عبد كذلك فجعلهما جنسين بهذا الاعتبار . أبو يوسف
والحاصل أن حكم باتحاد الجنس فيهما نظرا إلى دخولهما تحت شيء وهو رجل أبا حنيفة حكم بالاختلاف نظرا إلى أن كلا منهما مقول على أشخاص كثيرة فلم يريدوا الجنس المصطلح عليه ; لأنهم لو أرادوه لم يصح كلامهم ; لأن كلا من الحر والعبد ليسا جنسا ، وإنما هو نوع النوع وهو رجل ، وأما قوله إن اللائق على قول وأبو يوسف إلى آخره فهو ما نقله أبي يوسف القدوري عن كما ذكره في الذخيرة فتجده موافقا لإحدى الروايتين عنه أما على رواية الأصل فأجاب عنه أبي يوسف الزيلعي بقوله ، وإنما لم تجب قيمة عبد وسط لاعتباره الإشارة من وجه ا هـ .
وقيد المصنف بكون المشار إليه حرا ; لأنه لو كان تزوجها على هذا العبد فإذا هو مدبر أو مكاتب أو أم ولد والمرأة تعلم بحال العبد أو لم تعلم كان لها قيمة العبد كذا في الخانية مع أن المشار إليه لا يصلح مهرا لكن لما لم يخرج عن المالية بالكلية صحت التسمية واعتبر المسمى وفيها أيضا لو سمي خلا
وأشار إلى طلا فلها مثل الدن من الخل وكأنه لما ذكرناه والطلا المثلث كما في المغرب وقيد بكون المسمى حلالا والمشار إليه حراما إذ لو كان على عكسه كما إذا تزوجها على هذا الحر فإذا هو عبد فإن لها العبد المشار إليه في الأصح كما في المجمع والخانية والبدائع ; لأنه عند اتحاد الجنس العبرة للمشار إليه وهو مال متقوم أوجب مهر المثل ; لأنه صار كالهازل بالتسمية وقيد بكون المشار إليه حراما ; لأنهما لو كانا حلالين وهما مختلفان كما إذا ومحمد قال في الذخيرة إن لها مثل ذلك الدن خلا ; لأنها أموال بخلاف ما تقدم ولو تزوجها على هذا الدن من الخل فإذا هو زيت فإن عليه عبدا بقيمة الجارية وثوبا مرويا بقيمة القوهي لما ذكرناه ا هـ . تزوجها على هذا العبد فإذا هي جارية أو على هذا الثوب المروي فإذا هو قوهي
وفي الخانية إذا كانا حلالين فلها مثل ذلك المسمى وهو يقتضي وجوب عبد وسط أو قيمته ولا ينظر إلى قيمة الجارية فصار الحاصل إن القسمة رباعية ; لأنهما إما أن يكونا حرامين أو حلالين أو أحدهما حراما والآخر حلالا فيجب مهر المثل فيما إذا كانا حرامين أو المشار إليه حراما وتصح التسمية في الآخرين ومسألة ما إذا كانا حرامين مذكورة في الخانية أيضا لو تزوجها على هذا الزق السمن فإذا لا شيء فيه كان لها مثل ذلك الزق سمنا إن كان يساوي عشرة وإن [ ص: 180 ] فإذا لا شيء فيه كان لها مهر المثل ، وكذا لو كان في الزق شيء آخر خلاف الجنس ولو تزوجها على ما في الزق من السمن كان لها شاة وسط وتبطل الإشارة ا هـ . قال تزوجتك على الشاة التي في هذا البيت فإذا في البيت خنزير أو ليس فيه شيء
وكأن الفرق بين مسألتي الزق أن في المسألة الأولى لم يجعل المسمى ما فيه ، وإنما جعله قدر ما يملأ الظرف المشار إليه وفي الثانية جعل المسمى السمن الذي هو فيه وليس فيه شيء فصار كأنه لم يسم شيئا فوجب مهر المثل
وأما مسألة الشاة التي في هذا البيت فليست من قبيل ما اجتمع فيه الإشارة والتسمية ، وإنما حاصلها أنه سمى شاة ووصفها بوصف وهو كونها في بيت خاص فإذا لم توجد في البيت بطل الوصف وبقي الموصوف وهو مطلق الشاة فوجب شاة وسط أو نقول اجتمع الإشارة والتسمية والجنس مختلف لتبدل الصورة والمعنى فيتعلق العقد بالمسمى وهو مال وفي البدائع لو ففيه روايتان عن تزوجها على هذا الدن الخمر وقيمة الظرف عشرة دراهم فصاعدا في رواية لها الدن لا غير ; لأن المسمى شيئان الخمر والظرف فيلغو تسمية الخمر وبقي الظرف كما لو تزوجها على خل وخمر فلها الخل لا غير ، وفي رواية لها مهر المثل ; لأن الظرف لا يقصد بالعقد عادة فإذا بطلت في المقصود بطلت في التبع . ا هـ . محمد
وأشار المصنف بوجوب مهر المثل عينا إلى أن المشار إليه لو كان حرا حربيا فاسترق وملكه هذا الزوج فإنه لا يلزمه تسليمه ونقل في الأسرار أنه متفق عليه ، وكذلك الخمر بعينها لو تخللت لم يجب تسليمها ، وإنما عليه تسليم مثلها خلافي قولهما ; لأن المشار إليه لم يكن مالا حين سمي ففسدت التسمية في حق ما ليس بمال فلا يستحق تسليمه بالتسمية تبعا لوصفه . ا هـ .
[ ص: 178 ]