( قوله ومهر مثلها يعتبر بقوم أبيها إذا استويا سنا وجمالا ومالا وبلدا وعصرا وعقلا ودينا وبكارة ) بيان لشيئين : أحدهما أن لقول الاعتبار لقوم الأب في مهر المثل رضي الله عنه لها مهر مثل نسائها وهن أقارب الأب ولأن الإنسان من جنس قوم أبيه وقيمة الشيء إنما تعرف بالنظر في قيمة جنسه ولا يعتبر بأمها وخالتها إذا لم يكونا من قبيلتها لما بينا . ثانيهما أنه لا بد من الاستواء في الأوصاف المذكورة ; لأن المهر يختلف باختلاف هذه الأوصاف ، وكذا يختلف باختلاف الدار والعصر أي الزمان ، وقد ذكر ابن مسعود المصنف ثمانية أشياء وأراد بالسن الصغر أو الكبر وأطلق في اعتبار الجمال والمال ، وقيل لا يعتبر الجمال في بيت الحسب والشرف ، وإنما يعتبر ذلك في أوساط الناس إذ الرغبة فيهن للجمال بخلاف بيت الشرف وفي فتح القدير ، وهذا جيد . ا هـ .
والظاهر اعتباره مطلقا وأراد بالدين التقوى كما ذكره العيني وزاد في [ ص: 186 ] التبيين على هذه الثمانية أربعة وهي العلم والأدب وكمال الخلق وأن لا يكون لها ولد وزاد المشايخ بأنه يعتبر حال الزوج أيضا وفسره في فتح القدير بأن يكون زوج هذه كأزواج أمثالها من نسائها في المال والحسب وعدمهما . ا هـ .
وينبغي أن لا يختص بهذين الشيئين ; لأن للجمال والبلد والعصر والعقل والتقوى والسن مدخلا من جهة الزوج أيضا فينبغي اعتبارها في حقه أيضا ; لأن الشاب يتزوج بأرخص من الشيخ ، وكذا المتقي بأرخص من الفاسق ، وأشار بقوله مالا إلى أن الكلام إنما هو في الحرة ، ولذا قال في شرح والمجتبى مهر مثل الأمة على قدر الرغبة فيها وعن الطحاوي الأوزاعي ثلث قيمتها ثم اعلم أن اعتبار مهر المثل بما ذكر حكم كل نكاح صحيح لا تسمية فيه أصلا أو سمي فيه ما هو مجهول أو ما لا يحل شرعا كما قدمنا تفاصيله وحكم كل نكاح فاسد بعد الوطء سمي فيه مهر أولا ، وأما المواضع التي يجب فيها المهر بسبب الوطء بشبهة فليس المراد بالمهر فيها مهر المثل المذكور هنا لما في الخلاصة بعد ذكر المواضع التي يجب فيها المهر بالوطء عن شبهة قال والمراد من المهر العقر وتفسير العقر الواجب بالوطء في بعض المواضع ما قال الشيخ نجم الدين سألت القاضي الإمام الإسبيجابي عن ذلك بالفتوى فكتب هو العقر أنه ينظر بكم تستأجر للزنا لو كان حلالا يجب ذلك القدر ، وكذا نقل عن مشايخنا في شرب الأصل للإمام السرخسي ا هـ .
وظاهره أنه لا فرق فيه بين الحرة والأمة ويخالفه ما في المحيط لو لزمه مهر مثلها ا هـ . إلا أن يحمل على العقر المذكور في الخلاصة توفيقا ولم أر حكم ما إذا ساوت المرأة امرأتين من أقارب أبيها في جميع الأوصاف المعتبرة مع اختلاف مهرهما قلة وكثرة هل يعتبر بالمهر الأقل أو الأكثر وينبغي أن كل مهر اعتبره القاضي وحكم به فإنه يصح لقلة التفاوت وفي الخلاصة يعتبر بأخواتها وعمامتها وبناتهن فإن لم يكن لها أخت ولا عمة فبنت الأخت لأب وأم وبنت العم ا هـ . زفت إليه غير امرأته فوطئها
وظاهره أن بنت الأخت وبنت العم مؤخران عما ذكره فيتفرع عليه أنه لو كان لها أخت وبنت عم قد ساوتهما في الأوصاف المذكورة أنه لا يعتبر بنت العم مع وجود الأخت وظاهر كلامهم خلافه وفي الخلاصة يشترط أن يكون رجلين أو رجلا وامرأتين ويشترط لفظ الشهادة فإن لم يوجد على ذلك شهود عدول فالقول قول الزوج مع يمينه . ا هـ . المخبر بمهر المثل
وظاهره أنه لا يصح القضاء بمهر المثل بدون الشهادة أو الإقرار من الزوج ويخالفه ما في المحيط [ ص: 187 ] قال فإن فرض القاضي أو الزوج بعد العقد جاز ; لأنه يجري ذلك مجرى التقدير لما وجب بالعقد من مهر المثل زاد أو نقص ; لأن الزيادة على الواجب صحيحة والحط عنه جائز ا هـ .
وفي الذخيرة أن الاعتبار لهذه الأوصاف وقت التزويج وفي الصيرفية قال كم مهر مثلهما وليس لهما أخوات في الغربة قال يحكم بجمالهما بكم ينكح مثلهن ، فقيل له يختلف بالبلدان قال إن وجد في بلدهما يسأل وإلا فلا يعطى لهما شيء . مات في غربة وخلف زوجتين غريبتين تدعيان المهر ولا بينة لهما
( قوله فإن لم يوجد فمن الأجانب ) شامل لمسألتين إحداهما إذا لم يكن لها أحد من قوم أبيها الثانية إذا كان لها أقارب منهم لكن لم يوجد فيهم من يماثلها في الأوصاف المذكورة كلها أو بعضها وفي كل منهما يعتبر مهرها بأجنبية موصوفة بذلك وفي الخلاصة فإن لم تكن مثلها في قرابتها ينظر في قبيلة أخرى مثلها أي مثل قبيلة أبيها كذا فسر الضمير في مثلها في فتح القدير ، والأولى أن يرجع إلى المرأة ليكون موافقا لما في المختصر من الاعتبار بالأجنبيات مطلقا سواء كانت من قبيلة مماثلة لقبيلة أبيها أو لا وعن لا يعتبر بالأجنبيات قال في فتح القدير ويجب حمله على ما إذا كان لها أقارب وإلا امتنع القضاء بمهر المثل ا هـ . أبي حنيفة
وقد قدمنا أن القضاء بمهر المثل لم ينحصر في النظر إلى من يماثلها من النساء بل لو فرض لها القاضي شيئا من غير ذلك صح كما في المحيط فالمروي من أنه لا يعتبر بالأجنبيات صحيح مطلقا ويفرض القاضي لها المهر فلم يلزم منه امتناع القضاء به لو أجري على عمومه .