( قوله ولها منعه من الوطء والإخراج للمهر وإن وطئها ) أي وإن كانت قد سلمت نفسها للوطء فوطئها لتعين حقها في البدل كما تعين حق الزوج في المبدل فصار كالبيع كذا في الهداية وأورد عليه في فتح القدير بأن هذا التحليل لا يصح إلا في الصداق الدين ، أما العين كما لو للمرأة منع نفسها من وطء الزوج وإخراجها من بلدها حتى يوفيها مهرها فلا ; لأنها بالعقد ملكته وتعين حقها فيه حتى ملكت عتقه ا هـ . تزوجها على عبد بعينه
وقد قالوا في بيع المقايضة يقال لهما سلما معا ويمكن أن يكون هنا كذلك فلها المنع قبله وما في فتح القدير من أن مثله لا يتأتى في النكاح إذا كان المهر عبدا معينا مثلا ولا في معية الخلوة لإطلاق الجواب بأن لها الامتناع إلى أن تقبض ا هـ .
ففيه نظر ; لأن المراد بالتسليم هنا التخلية برفع الموانع وهو ممكن في العبد أيضا بأن يخلي بينها وبينه بشروط التخلية وتخلي بينها وبين نفسها برفع الموانع منها ويكونا سواء ، وهذا قبل الاطلاع على النقل ثم رأيت في المحيط
وإن فإنهما يتقابضان كما في بيع المقايضة ا هـ . كان المهر عينا
وبهذا سقط ما في فتح القدير [ ص: 190 ] أشار المصنف بمنعها له مما ذكر إلى أنه لا يمنعها من أن تخرج في حوائجها والزيارة بغير إذنه قبل قبض المهر ; لأنها غير محبوسة لحقه بخلاف ما بعد إيفائه ; لأنها محبوسة له وإلى أن للأب أن يسافر بابنته البكر ولو كانت بالغة قبل إيفاء المهر وبعده لا كما في فتح القدير وإلى أنه لا يحل له وطؤها على كره منها قبل إيفائه قال في المحيط من النفقة إن كان الامتناع لا لطلب المهر يحل ; لأنها ظالمة وإن كان لطلب المهر لا يحل عند وهل يحل للزوج أن يطأها على كره منها وعندهما يحل ا هـ . أبي حنيفة
وأطلق في الإخراج فشمل الإخراج من بيتها ومن بلدها فليس له ذلك وتفسير الإخراج بالمسافرة بها كما في الهداية مما لا ينبغي ; لأنه يوهم أن له إخراجها من بيتها إلى بيت آخر في مصرها وأطلق في المهر وفيه تفصيل وحاصله أنه إما أن يصرحا بحلوله أو بتعجيله أو بتأجيله كله أو بحلول بعضه وتأجيل بعضه أو يسكتا فإن شرطا حلوله أو تعجيله كله فلها الامتناع حتى تستوفيه كله والحلول والتعجيل مترادفان ولا اعتبار بالعرف إذا جاء الصريح بخلافه ، وكذا إذا شرطا حلول البعض فلها الامتناع حتى تقبض المشروط فقط
وأما إذا شرط تأجيل الكل فليس لها الامتناع أصلا ; لأنها أسقطت حقها بالتأجيل كما في البيع وعن أن لها الامتناع استحسانا ; لأنه لما طلب تأجيله كله فقد رضي بإسقاط حقه في الاستمتاع قال أبي يوسف الولوالجي وبقول يفتى استحسانا بخلاف البيع ا هـ . أبي يوسف
ولأن العادة جارية بتأخير الدخول عند تأخير جميع المهر وفي الخلاصة أن الأستاذ ظهير الدين كان يفتي بأنه ليس لها الامتناع والصدر الشهيد كان يفتي بأن لها ذلك ا هـ .
فقد اختلفت الفتوى وفي معراج الدراية إذا كان المهر مؤجلا ثم حل الأجل فليس لها الامتناع عند ولم أر حكم ما إذا كان الأجل سنة مثلا فلم تسلم نفسها حتى مضى الأجل هل يصير حالا أو لا بد من سنة بعد التسليم كما قال أبي حنيفة في البيع فإن قيس النكاح على البيع صح ; لأنهم اعتبروه به هنا وفي المحيط وغيره لو أبو حنيفة فلها الامتناع إلى أن يقبض المحتال ; لأن غريمها بمنزلة وكيلها وإن أحالت المرأة رجلا على زوجها بالمهر ليس لها الامتناع ، وهذا إذا كان الأجل معلوما فإن كان مجهولا فإن كانت جهالة متقاربة كالحصاد والدياس ونحو ذلك فهو كالمعلوم أحالها الزوج بمهرها
وهذه على وجوه إما أن يصرح بحلول كله أو تعجيله أو حلول بعضه وتأجيل بعضه أو تأجيل كله أجلا معلوما أو مجهولا أو متقاربا أو متفاحشا فهي سبعة وكل منها إما بشرط الدخول قبل القبض أو لا فهي أربعة عشر وكل منها إما أن يكون المنع قبل التسليم أو بعده فهي ثمانية وعشرون على الصحيح كما في الظهيرية بخلاف البيع فإنه لا يجوز بهذا الشرط وإن كانت متفاحشة كإلى الميسرة أو إلى هبوب الريح أو إلى أن تمطر السماء فالأجل لا يثبت ويجب المهر حالا كذا في غاية البيان وظاهره أن التأجيل إلى الطلاق أو الموت متفاحش فيجب المال حالا بمقتضى إطلاق العقد . والظاهر خلافه لجريان العرف بالتأجيل به ، وذكر في الخلاصة والبزازية اختلافا فيه وصحح أنه صحيح وحكم التأجيل بعد العقد كحكمه فيه كما في فتح القدير أيضا ، وهذا كله إذا لم يشترط الدخول قبل حلول الأجل فلو شرطه ورضيت ليس لها الامتناع اتفاقا كما في الفتح أيضا وفي الخلاصة وبالطلاق يتعجل المؤجل [ ص: 191 ] ولو راجعها لا يتأجل ا هـ .
يعني إذا كان التأجيل إلى الطلاق أما إذا كان التأجيل إلى مدة معينة لا يتعجل بالطلاق كما يقع في ديار مصر في بعض الأنكحة أنهم يجعلون بعضه حالا وبعضه مؤجلا إلى الطلاق أو إلى الموت وبعضه منجما في كل سنة قدر معين فإذا طلقها تعجل البعض المؤجل لا المنجم ; لأنها تأخذه بعد الطلاق على نجومه كما تأخذه قبل الطلاق على نجومه ، وذكر قولين في الفتاوى الصيرفية في كونه يتعجل المؤجل بالطلاق الرجعي مطلقا أو إلى انقضاء العدة وجزم في القنية بأنه لا يحل إلى انقضاء العدة قال وهو قول عامة مشايخنا وفي الصيرفية لو المختار أنه لا يطالب بالمهر المؤجل إلى الطلاق ا هـ . ارتدت ولحقت بدار الحرب ثم أسلمت وتزوجها
ووجهه أن الردة فسخ وليست بطلاق ، وأما إذا سكتا عن وصفه فهو حال بمقتضى إطلاق العقد فالقياس على البيع يقتضي أن لها الامتناع قبل قبضه لكن العرف صرفه عن ذلك فإن كان عرف في تعجيل بعضه وتأخير باقيه إلى الموت أو الميسرة أو الطلاق فليس لها الامتناع إلا إلى تسليم ذلك بتمامه ولو بقي درهم قال في فتاوى قاضي خان فإن لم يبينوا قدر المعجل ينظر إلى المرأة وإلى المهر أنه كم يكون المعجل لمثل هذه المرأة من مثل هذا المهر فيعجل ذلك ولا يتقدر بالربع والخمس بل يعتبر المتعارف فإن الثابت عرفا كالثابت شرطا ا هـ .
وفي الصيرفية الفتوى على اعتبار عرف بلدهما من غير اعتبار الثلث أو النصف كما روي فما في غاية البيان من إطلاق قوله فإن كان يعني المهر بشرط التعجيل أو مسكوتا عنه يجب حالا ولها أن تمنع نفسها حتى يعطيها المهر إنما هو على ظاهر الرواية ، وأما على المفتى به فالمعتبر في المسكوت عنه العرف وبه سقط ما في فتح القدير وفي القاسمية إذا فلها المطالبة بالباقي قبل الطلاق أو الموت ولها الامتناع حتى تقبضه وقول تزوجها على مائة مثلا على حكم الحلول على أن يعطيها قبل الدخول أربعين والباقي على حكمه الزيلعي ليس لها أن تحبس نفسها فيما تعورف تأجيله ولو كان حالا أنه ولو كان حالا بمقتضى العقد فإن العرف يقضي به وبقية كلامه يدل عليه وهو قوله فإذا نصا على إلى آخره ; لأن شرط التعجيل مرادف لشرط الحلول حكما ; لأن في كل منهما لها المطالبة متى شاءت ولو كان معناه ولو كان حالا بالشرط لناقض قوله وإن نصا على التعجيل فهو على ما شرطا وليس في اشتراط تعجيل البعض مع النص على حلول الجميع دليل على تأخير الباقي إلى الطلاق أو الموت بوجه من وجوه الدلالات والذي عليه العادة في مثل هذا التأخير إلى اختيار المطالبة تعجيل جميع المهر
وقال الزاهدي وصار تأخير الصداق إلى الموت أو الطلاق بخوارزم عادة مأثورة وشريعة معروفة عندهم ا هـ .
وعرف خوارزم فيما لا نص فيه على تعجيل ولا تأجيل وهو خلاف الواقع في مملكة مصر والشام وما والاهما من البلاد ا هـ .
ما في القاسمية وفي الصيرفية فلها نصف المسمى وينبغي أن تجب لها المتعة ا هـ . تزوجها وسمى لها المعجل مائة وسكت عن المؤجل ثم طلقها قبل الدخول
وأطلق في قوله فإن وطئها فشمل ما إذا وطئها مكرهة كانت أو صغيرة أو برضاها وهي كبيرة ولا خلاف فيما إذا كانت مكرهة أو صبية أو مجنونة فإنه لا يسقط حقها في الحبس ، وأما إذا وطئها أو خلا بها برضاها ففيه خلاف قال لها أن تمنع نفسها وخالفاه ; لأن المعقود عليه صار مسلما إليه بالوطأة الواحدة وبالخلوة ولهذا يتأكد بها جميع المهر فلم يبق لها حق الحبس كالبائع إذا سلم المبيع وله أنها منعت منه ما قابل البدل ; لأن كل وطأة تصرف في البضع المحترم فلا يعري عن العوض إبانة لخطره والتأكيد بالواحدة لجهالة ما وراءها فلا يصح مزاحما للمعلوم ثم إذا وجد آخر وصار معلوما تحققت المزاحمة وصار المهر مقابلا بالكل كالعبد إذا جنى جناية يدفع كله بها ثم إذا جنى جناية أخرى وأخرى يدفع بجميعها [ ص: 192 ] ويبتنى على هذا الاختلاف استحقاق النفقة بعد الامتناع فعنده تستحقها وليست بناشزة وعندهما لا تستحقها وهي ناشزة كذا قالوا وينبغي أن لا تكون ناشرة على قولهما إذا أبو حنيفة ; لأنه ليس بنشور منها بعد أخذ المهر كما صرحوا به في النفقات منعته من الوطء وهي في بيته
وفي شرح الجامع الصغير للبزدوي كان أبو القاسم الصفار يفتي في المنع بقول أبي يوسف وفي السفر بقول ومحمد ، ثم قال ، وهذا حسن في الفتيا يعني بعد الدخول لا تمنع نفسها ولو منعت لا نفقة لها كما هو مذهبهما ولا يسافر بها ولها الامتناع منه لطلب المهر ولها النفقة كما هو مذهبه كذا في غاية البيان وقيد بقوله للمهر ; لأنه ليس لها الامتناع منهما بعد قبضه ولا فرق بين أن يطلب انتقالها إلى منزله في المصر أو إلى بلد أخرى أما الأول فليس لها الامتناع منه اتفاقا وسيأتي في النفقات بيان البيت الشرعي وأنه يسكنها بين جيران صالحين وأنه يلزمه مؤنسة لها كما في الفتاوى السراجية أبي حنيفة
وفي المحيط لو فليس لها أن تمنع نفسها عند وجدت المرأة المهر المقبوض زيوفا أو ستوقة أو اشترت منه بالمهر شيئا فاستحق المبيع بعد القبض ; لأن عنده لو سلمت نفسها من غير قبض لم يكن لها حق المنع فكذا هذا وليس هذا كالبيع ا هـ . أبي يوسف
ولم يذكر قول ، وأما الثاني فإن نقلها من الإمام مصر إلى قرية أو من قرية إلى مصر أو من قرية إلى قرية فظاهر ما ذكره المصنف في الكافي أن له ذلك اتفاقا ; لأنه لا تتحقق الغربة فيه وعلله أبو القاسم الصفار بأنه تبوئة وليس بسفر ، وذكر في القنية اختلافا في نقلها من المصر إلى الرستاق فعزا إلى كتب أنه ليس له ذلك ثم عزا إلى غيرها أن له ذلك قال وهو الصواب . ا هـ .
وأما إذا طلب انتقالها من مصرها إلى مصر أخرى فظاهر الرواية كما في الخانية والولوالجية أن ليس لها الامتناع لقوله تعالى { أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم } وليس في ظاهر الرواية تفصيل بين أن يكون مأمونا عليها أو لا واختلفوا في المفتى به فذكر في جامع الفصولين أن الفتوى على أنه له أن يسافر بها إذا أوفاها المعجل ا هـ .
فهذا إفتاء بظاهر الرواية وأفتى أبو القاسم الصفار وتبعه بأنه ليس له أن يسافر بها مطلقا بغير رضاها لفساد الزمان ; لأنها لا تأمن على نفسها في منزلها فكيف إذا خرجت وصرح في المختار بأنه لا يسافر بها وعليه الفتوى وفي المحيط وهو المختار وما في فصول الأسروشني معزيا إلى الفقيه أبو الليث ظهير الدين المرغيناني من أن الأخذ بقول الله تعالى أولى من الأخذ بقول الفقيه فقد رده في غاية البيان بأن قول الفقيه ليس منافيا لقول الله تعالى ; لأن النص معلول بعدم الإضرار ، ألا ترى إلى سياق الآية وهو قوله تعالى { ولا تضاروهن } وفي إخراجها إلى غير بلدها إضرار بها فلا يجوز . ا هـ .
وذكر الولوالجي أن جواب ظاهر الرواية كان في زمانهم أما في زماننا لا يملك الزوج ذلك فجعله من باب اختلاف الحكم باختلاف العصر والزمان كما قالوا في مسألة الاستئجار على الطاعات وأفتى بعضهم بأنه إذا أوفاها المعجل والمؤجل وكان مأمونا يسافر بها وإلا فلا ; لأن التأجيل إنما يثبت بحكم العرف فلعلها إنما رضيت بالتأجيل لأجل إمساكها في بلدها أما إذا أخرجها إلى دار الغربة فلا قال صاحب المجمع في شرحه وبه يفتى ا هـ .
فقد اختلف الإفتاء والأحسن الإفتاء بقول الفقيهين من غير تفصيل واختاره كثير من المشايخ كما في الكافي وعليه الفتوى وعليه عمل القضاة في زماننا كما في أنفع الوسائل .
وأشار المصنف بقوله ولها منعه إلى أنها بالغة فلو كانت صغيرة فللولي المنع المذكور حتى يقبض مهرها [ ص: 193 ] وتسليمها نفسها غير صحيح فللولي استردادها وليس لغير الأب والجد أن يسلمها إلى الزوج قبل أن يقبض الصداق من له ولاية قبضه فإن سلمها فهو فاسد وترد إلى بيتها كما في التجنيس وغيره
.