الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ومن وطئ أمة ابنه فولدت فادعاه ثبت نسبه وصارت أم ولدها وعليه قيمتها لا عقرها وقيمة ولدها ) لأن له ولاية تملك مال ابنه للحاجة إلى البقاء فله تملك جارية ابنه للحاجة إلى صيانة الماء ، وحاصل وجوه مسألة جارية الابن إذا ولدت من الأب فادعاه ست وتسعون لأنه إما أن يصدقه الابن أو يكذبه أو يدعيه معه أو يسكت وكل من الأربعة إما أن تكون قنة أو مدبرة أو أم ولد أو مكاتبة وكل من الستة عشر إما أن تكون كلها له أو بينه وبين أجنبي أو بينه وبين أبيه وكل من الثمانية ، والأربعين إما أن يكون الأب أهلا للولاية أو لا غير أن الحاجة إلى إبقاء نسله دونها .

                                                                                        [ ص: 219 ] إلى إبقاء نفسه فلهذا يتملك الجارية بالقيمة ، والطعام بغير القيمة ثم هذا الملك يثبت قبيل الاستيلاد شرطا له إذ المصحح حقيقة الملك أو حقه وكل ذلك غير ثابت للأب فيها حتى يجوز له التزوج بها فلا بد من تقديمه فتبين أن الوطء يلاقي ملكه فلا يلزمه العقر وقيمة الولد وقال زفر والشافعي يلزمه المهر لأنهما يثبتان الملك حكما للاستيلاد كما في الجارية المشتركة وأفاد بإضافة الأمة إلى ابنة مملوكة للابن من وقت العلوق إلى وقت الدعوة فلو حبلت في غير ملكه أو فيه وأخرجها الابن عن ملكه ثم استردها لم تصح الدعوة لأن الملك إنما يثبت بطريق الاستناد إلى وقت العلوق فيستدعي قيام ولاية التملك من حين العلوق إلى التملك هذا إن كذبه الابن فإن صدقه صحت الدعوى ولا يملك الجارية كما إذا ادعاه أجنبي ويعتق على المولى كما في المحيط

                                                                                        وأفاد أيضا أنها كلها للابن فإن كانت مشتركة بينه وبين أجنبي كان الحكم كذلك إلا أنه يضمن لشريكه نصف عقرها ولم أره ولو كانت مشتركة بين الأب ، والابن أو غيره تجب حصة الشريك الابن وغيره من العقر وقيمة باقيها إذا حبلت لعدم تقديم الملك في كلها لانتفاء موجبه وهو صيانة النسل إذ ما فيها من الملك يكفي لصحة الاستيلاد وإذا صح ثبت الملك في باقيها حكما له لا شرطا كذا في فتح القدير وهي مسألة عجيبة فإنه إذا لم يكن للواطئ فيها شيء لا مهر عليه وإذا كانت مشتركة لزمه وأطلق الأمة وهي مقيدة بالقنة بقرينة قوله وعليه قيمتها لأن القابل للانتقال من ملك المولى القنة فقط فخرج عن هذا الحكم المدبرة وأم الولد ، والمكاتبة فلو ادعى ولد مدبره ابنه أو ولد أم ولده المنفي من جهة الابن أو ولده مكاتبته الذي ولدته في الكتابة أو قبلها لا تصح دعواه إلا بتصديق الابن كذا في المحيط وقيد بابنه لأنه لو وطئ جارية امرأته أو والده أو جده فولدت وادعاه لا يثبت النسب ويدرأ عنه الحد للشبهة

                                                                                        فإن قال أحلها المولى لا يثبت النسب إلا أن يصدقه المولى في الإحلال ، وفي أن الولد منه فإن صدقه في الأمرين جميعا ثبت النسب وإلا فلا ، وإن كذبه المولى ثم ملك الجارية يوما من الدهر ثبت النسب كذا في الخانية ، وفي القنية وطئ جارية أبيه فولدت منه لا يجوز بيع هذا الولد ادعى الواطئ الشبهة أولا لأنه ولد ولده فيعتق عليه حين دخل في ملكه ، وإن لم يثبت النسب كمن زنى بجارية غيره فولدت منه ثم ملك الولد يعتق عليه ، وإن لم يثبت نسبه منه ا هـ .

                                                                                        وأطلق في الابن فشمل الكبير ، والصغير كذا في المحيط وقيد بالولادة لأنه لو وطئ أمة ابنه ولم تحبل فإنه يحرم عليه ، وإن كان لا يحد ولا يملكها ويلزمه عقرها بخلاف ما إذا حبلت منه فإنه يتبين أن الوطء حلال لتقدم ملكه عليه

                                                                                        ولا يحد قاذفه في المسألتين أما إذا لم تلد منه فظاهر لأنه وطئ وطئا حراما في غير ملكه وأما إذا حبلت منه فلأن شبهة الخلاف في أن الملك يثبت قبل الإيلاج أو بعده مسقط لإحصانه كما في فتح القدير وغيره ، وقد قدمنا أن الأب إذا تكرر منه الوطء فلم تحبل فإنه يلزمه مهر واحد بخلاف ما إذا وطئ الابن جارية الأب مرارا وقد ادعى الشبهة فعليه لكل وطء مهر ، والفرق قد ذكرناه وأشار بقوله فادعاه إلى أنه من أهل ولاية الدعوة فلو كان الأب عبدا أو مكاتبا أو كافرا أو مجنونا لم تصح دعوته لعدم الولاية ولو أفاق المجنون ثم ولدت لأقل من ستة أشهر يصح استحسانا لا قياسا ولو كانا من أهل الذمة إلا أن ملتيهما مختلفة جازت الدعوة من الأب كما في فتح القدير وإلى أنه لو ادعاه وهي حبلى قبل الولادة لم تصح دعوته حتى تلد ولم أره الآن صريحا وإلى أنه ادعاه وحده فلو ادعاه الابن مع دعوة [ ص: 220 ] الأب قدمت دعوة الابن لأنها سابقة معنى ولو كانت مشتركة بينه وبين الأب فادعياه قدمت دعوة الأب لأن له جهتين حقيقة الملك في نصيبه وحق الملك في نصيب ولده ، كما في البدائع وينبغي أن يقال : وحق المتملك بدل قوله وحق الملك لما قدمناه

                                                                                        وفي المحيط ولو ولدت ولدين في بطن واحد فباع المولى أحدهما فادعى أبو البائع الولدين وكذبه البائع ، والمشتري صحت الدعوة وثبت نسب الولدين وعتق ما في يد الابن بغير قيمة وما في يد المشتري عبد بحاله وصارت أم ولد له ا هـ .

                                                                                        وإلى أنه لا تشترط دعوى الشبهة من الأب وإلى أنه لا يشترط تصديق الابن لأنه لم يشترط غير دعوى الولد من الأب وأطلق في وجوب القيمة فشمل ما إذا كان الأب موسرا أو معسرا كما في شرح النقاية ، وفي فتح القدير ، والعقر مهر مثلها في الجمال أي ما يرغب فيه في مثلها جمالا فقط وأما ما قيل ما يستأجر به مثلها للزنا لو جاز فليس معناه بل العادة أن ما يعطى لذلك أقل مما يعطى مهرا لأن الثاني للبقاء بخلاف الأول ، والعادة زيادة عليه ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط لو استحقها رجل يأخذها وعقرها وقيمة ولدها لأن الأب صار مغرورا ويرجع الأب على الابن بقيمة الجارية دون العقر وقيمة الولد لأن الابن ما ضمن له سلامة الأولاد ا هـ .

                                                                                        هذا وقد ذكر القدوري هذه المسألة في باب الاستيلاد ، والمصنف ذكرها هاهنا لمناسبتها لنكاح الرقيق فإن الموطوءة هنا مرقوقة ( قوله : ودعوة الجد كدعوة الأب حال عدمه ) أي عدم الأب لقيامه مقامه ، والمراد بعدمه عدم ولايته بالموت أو الكفر أو الرق أو الجنون لا عدم وجوده فقط وليس مراده بحال العدم أن يكون الأب معدوما وقت الدعوة فقط لأنه يشترط أن يكون معدوما وقت العلوق أيضا فحينئذ يشترط أن يثبت ولايته من وقت العلوق إلى وقت الدعوة حتى لو أتت بالولد لأقل من ستة أشهر من وقت انتقال الولاية إليه لم تصح دعوته لما ذكرنا في الأب ، ولما شرط المصنف عدم الأب لولاية دعوة الجد علم أن ولاية الجد منتقلة من الأب إليه فأفاد أنه أبو الأب وأما الجد أبو الأم وغيره من ذوي الرحم المحرم فلا يصدق في جميع الأحوال لفقد ولايتهم كذا في المحيط .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : للحاجة إلى صيانة الماء ) [ ص: 219 ] وجد في بعض النسخ بعد هذا غير أن الحاجة إلى آخر ما يأتي ، وفي بعضها كما في هذه النسخة بعد قوله إلى صيانة الماء وحاصل وجوه المسألة . . . إلخ .

                                                                                        ( قوله : أنها مملوكة للابن من وقت العلوق إلى وقت الدعوة ) قال في النهر : فيه نظر لا يخفى ا هـ .

                                                                                        قلت ضمير فولدت عائد على أمة الابن ومفاد الإضافة إلى الابن وبقاؤها على ملكه ، والدعوة عقب الولادة بلا مهلة بقرينة الفاء فيفيد ذلك ما ذكره تأمل ( قوله : فإن صدقه . . إلخ ) قال في النهر المذكور في الشرح وعليه جرى في فتح القدير وغيره أنه لا يشترط في صحتها دعوى الشبهة ولا تصديق الابن ا هـ .

                                                                                        أقول : وسيأتي التصريح به من المؤلف لكن ذلك فيما إذا لم تخرج عن ملك الابن فلا ينافي ما هنا لأنه فيما إذا خرجت عن ملكه ولو كان تصديق الابن غير شرط مطلقا لم تبق فائدة لاشتراط عدم خروجها عن ملك الابن مع أنه مذكور في الفتح ، والتبيين أيضا وكان صاحب النهر فهم أن قوله هذا إن كذبه الابن . . . إلخ راجع إلى أصل المسألة وليس كذلك بل هو راجع إلى ما إذا خرجت عن ملكه كما قلنا ، وفي الظهيرية : من العتق يشترط أن تكون الجارية في ملكه من وقت العلوق إلى وقت الدعوة حتى لو علقت فباعها الابن ثم اشتراها أو ردت عليه بعيب بقضاء أو غير قضاء أو بخيار رؤية أو شرط أو بفساد البيع ثم ادعاه الأب لا يثبت النسب إلا إذا صدقه الابن فحينئذ يثبت ا هـ .

                                                                                        ( قوله : لم تصح دعوته حتى تلد ) قال في النهر ينبغي أنها [ ص: 220 ] لو ولدته لأقل من ستة أشهر من وقت دعوته أن تصح .




                                                                                        الخدمات العلمية