الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : مستوعبا وجهه ويديه مع مرفقيه ) أي يتيمم تيمما مستوعبا فهو صفة لمصدر محذوف وجوز الزيلعي أن يكون حالا من الضمير الذي في تيمم فيكون حالا منتظرة قال والأول أوجه ولم يبين وجهه ولعل وجهه أن الاستيعاب فيه ركن لا يتحقق التيمم إلا به ، وعلى جعله حالا يصير شرطا خارجا عن ماهيته ; لأن الأحوال شروط على ما عرف .

                                                                                        اعلم أن الاستيعاب فرض لازم في ظاهر الرواية عن أصحابنا حتى لو ترك شيئا قليلا من مواضع التيمم لا يجوز ونص غير واحد على أن هذا هو الصحيح منهم قاضي خان ونص صاحب المجمع وصاحب الاختيار على أنه الأصح وصاحب الخلاصة والولوالجي على أنه المختار وشارح الوقاية أن عليه الفتوى وروى الحسن عن أبي حنيفة أن الأكثر يقوم مقام الكل لوجه غير لازم ، وهو إما لكثرة البلوى أو ; لأنه مسح فلا يجب فيه الاستيعاب كمسح الرأس وفي تفصيل عقد الفوائد بتكميل قيد الشرائد معزيا إلى [ ص: 152 ] الخلاصة أن المتروك لو كان أقل من الربع يجزئه ، وهو الأصح والظاهر أن ليس المراد بها خلاصة الفتاوى المشهورة ، فإن فيها أن المختار افتراض الاستيعاب ووجه ظاهر الرواية أن الأمر بالمسح في باب التيمم تعلق باسم الوجه واليدين وأنه يعم الكل ; ولأن التيمم بدل بعد الوضوء والاستيعاب في الأصل من تمام الركن فكذا في البدل فيلزمه تخليل الأصابع ونزع الخاتم أو تحريكه ولو ترك لم يجز و على رواية الحسن لا يلزمه ويمسح المرفقين مع الذراعين عند أصحابنا الثلاثة خلافا لزفر حتى لو كان مقطوع اليدين من المرفقين يمسح موضع القطع عندنا خلافا لزفر والكلام فيه كالكلام في الوضوء وقدر كذا في البدائع وفي المحيط

                                                                                        وإن كان القطع فوق المرفق لا يجب المسح يعني اتفاقا ويمسح تحت الحاجبين وفوق العينين وفي فتح القدير معزيا إلى الحلية تبعا للدراية يمسح من وجهه ظاهر البشرة والشعر على الصحيح ا هـ .

                                                                                        لكن في السراج الوهاج لا يجب عليه مسح اللحية في التيمم ولا مسح الجبيرة ولو مسح بإحدى يديه وجهه وبالأخرى يديه أجزأه في الوجه واليد الأولى ويعيد الضرب لليد الأخرى ا هـ .

                                                                                        وفي تعبيره بالواو في قوله ويديه دون ثم إشارة إلى أن الترتيب ليس بشرط فيه كأصله ويشترط المسح بجميع اليد أو بأكثرها حتى لو مسح بأصبع واحدة أو إصبعين لا يجوز ولو كرر المسح حتى استوعب بخلاف مسح الرأس كذا في السراج الوهاج معزيا إلى الإيضاح وفي المجتبى ومسح العذار شرط على ما حكى عن أصحابنا والناس عنه غافلون وفي المحيط عن محمد في رجل يرى التيمم إلى الرسغ والوتر ركعة ثم رأى التيمم إلى المرفق والوتر ثلاثا لا يعيد ما صلى ; لأنه مجتهد فيه ، وإن فعل ذلك من غير أن يسأل أحدا ثم سأل فأمر بثلاث يعيد ما صلى ; لأنه غير مجتهد ا هـ .

                                                                                        وفي معراج الدراية ولو أمر غيره أن ييممه ونوى هو جاز وقال ابن القاضي لا يجزئه ا هـ والناوي هو الآمر كما لا يخفى وفي شرح المجمع ، وأما استيعاب الوجه في التيمم فليس مستفادا من الإلصاق بل ; لأنه خلف عن الغسل فلزم الاستيعاب في الخلف حسب لزومه في الأصل . ا هـ .

                                                                                        وقد قدمناه في مسح الرأس ( قوله : بضربتين ) الباء متعلقة بتيمم أي يتيمم بضربتين وقد وقع ذكر الضرب في كثير من الكتب والمذكور في الأصل الوضع دون الضرب وفي بعض الروايات الضرب فاختلف المشايخ فيه فمنهم كالمصنف في المستصفى من قال بأنهم إنما اختاروه ، وإن كان الوضع جائزا لما أن الآثار جاءت بلفظ الضرب وفي غاية البيان والمقصود من الضرب أن يدخل الغبار في خلال الأصابع تحقيقا لمعنى الاستيعاب وتعقب ما في المستصفى بأن الضرب لم يذكر في الآية ولا في سائر الآثار ، وإنما جاء في بعضها ومنهم من ذهب إلى أن المقصود بذكر الضربتين الرد على ابن سيرين ومن تبعه أنه لا بد من ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربة للكفين وضربة للذراعين ، وأما ما روي عن محمد من الاحتياج إلى ثلاث ضربات فليس افتراضا للثالثة لذاتها بل لتخليل الأصابع إذا لم يدخل الغبار بينهما ، وهو خلاف النص والمقصود ، وهو التخليل لا يتوقف عليه ومنهم من ذهب إلى أن الضربتين ركن للخبر الوارد التيمم ضربتان فهما من ماهية التيمم ومن ثم قال السيد أبو شجاع أنه لو أحدث بعد الضربة أعادها ولا يجزئه المسح بما في يده من التراب وصححه في الخلاصة ، وهو مختار شمس الأئمة ولكن قال القاضي الإسبيجابي إن الضربة تجزئه كما في الوضوء حيث يتوضأ بذلك الماء وفرق السيد أبو شجاع بينهما بأن الشرط في الوضوء الحصول وفي التيمم التحصيل .

                                                                                        وأجيب عنه بأن التحصيل شرط فلا ينافي الحدث كما لو أحرم مجامعا وفي فتح القدير بعد ما ذكر الخلاف وعلى هذا فما صرحوا به من أنه لو ألقت الريح الغبار على وجهه ويديه فمسح بنية التيمم أجزأه

                                                                                        وإن لم يمسح لا يجوز يلزم فيه أما كونه قول من أخرج الضربة لا قول الكل ، وأما اعتبار [ ص: 153 ] الضربة أعم من كونها على الأرض أو على العضو مسحا والذي يقتضيه النظر عدم اعتبار ضربة الأرض من مسمى التيمم شرعا ، فإن المأمور به المسح في الكتاب ليس غير قال تعالى { فتيمموا صعيدا طيبا فامسحوا بوجوهكم } ويحمل قوله عليه السلام { التيمم ضربتان } أما على إرادة الأعم من المسحتين كما قلنا أو أنه أخرج مخرج الغالب والله سبحانه أعلم ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم أن الشرط وجود الفعل منه أعم من أن يكون مسحا أو ضربا أو غيره فقد قال في الخلاصة ولو أدخل رأسه في موضع الغبار بنية التيمم يجوز ولو انهدم الحائط وظهر الغبار فحرك رأسه ونوى التيمم جاز والشرط وجود الفعل منه . ا هـ .

                                                                                        وهذا يعين أن هذه الفروع مبنية على قول من أخرج الضربة من مسمى التيمم ، وأما من أدخلها فلا يمكنه القول بها فيما نقلناه عن الخلاصة إذا ليس فيها ضرب أصلا لا على الأرض ولا على العضو إلا أن يقال مراده بالضرب الفعل منه أعم من كونه ضربا أو غيره ، وهو بعيد كما لا يخفى وتظهر ثمرة الخلاف أيضا فيما إذا نوى بعد الضرب فمن جعله ركنا لم يعتبر النية بعده ومن لم يجعله ركنا اعتبرها بعده كذا في السراج الوهاج وفي الخلاصة ولو شلت كلا يديه يمسح وجهه وذراعيه على الحائط ا هـ .

                                                                                        وقد قدمنا أنه لو أمر غيره بأن ييممه جاز بشرط أن ينوي الآمر فلو ضرب المأمور يده على الأرض بعد نية الآمر ثم أحدث الآمر قال في التوشيح ينبغي أن يبطل بحدث الآمر على قول أبي شجاع ا هـ .

                                                                                        وظاهره أنه لا يبطل بحدث المأمور لما أن المأمور آلة وضربه ضرب للآمر فالعبرة للآمر ; ولهذا اشترطنا نيته لا نية المأمور .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : ولعل وجهه إلخ ) قال في النهر ، فإن قلت قد وقع في عبارة بعض علمائنا المتقدمين أنه شرط وبه صرح الشارح وعليه فلا يتجه التوجيه قلت حمله في عقد الفوائد على ما لا بد منه ، وإلا فهو ركن قطعا وفي البدائع هل هو من تمام الركن لم يذكر في الأصل ولكنه ذكر ما يدل عليه قال : وهو ظاهر الرواية على أن مجيء اسم الفاعل صفة أكثر من مجيئه حالا إذا عرف هذا فما جرى عليه العيني من أنه حال وكونه صفة احتمال فيه نظر لا يخفى [ ص: 152 ] ( قوله : وفي فتح القدير معزيا إلى الحلية ) أقول : في حفظي أن الحلية التي ينقل عنها في معراج الدراية من كتب الشافعية وحينئذ فلا ينافي ما في السراج ( قوله : وتعقب ما في المستصفى إلخ ) قال في النهر هذا لا يصلح دفعا كما لا يخفى ( قوله : والمقصود ، وهو التخليل لا يتوقف عليه ) أي على الضرب الثالث ولكن سيأتي أن محمدا يشترط الغبار فلو لم يدخل بين أصابعه يحتاج إلى الثالثة ليخلل بالغبار على قوله




                                                                                        الخدمات العلمية