الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ولو قال كل امرأة أتزوجها ما دامت عمرة حية أو قال حتى تموت عمرة فهي طالق فتزوج عمرة ذكر محمد في الكتاب أنها لا تطلق ، وعامة المشايخ على أن تأويل المسألة أن عمرة كانت مشارا إليها فلو كانت غير مشار إليها تطلق ، وتدخل تحت اسم النكرة ، وعلى قياس ما ذكره شيخ الإسلام ينبغي أن يقال إذا كانت عمرة حاضرة تطلق ، وإذا كانت غائبة لا تطلق ، وتمامه في الذخيرة ، وقدم التعليق في الملك لأنه لا خلاف فيه ، وأخر المعلق به لأن الشافعي قائل بعدم صحته خصص أو عمم لحديث أبي داود والترمذي ، وحسنه مرفوعا { لا نذر لابن آدم فيما لا يملك ، ولا عتق له فيما لا يملك ، ولا طلاق له فيما لا يملك } ، ولنا أن هذا تعليق لما يصح تعليقه ، وهو الطلاق فيلزم كالعتق والوكالة ، والحاجة داعية إليه لأن نفسه قد تدعوه إلى تزويجها مع علمه بفساد حالها ، ويخشى غلبتها عليه فيؤيسها بتعليق طلاقها بنكاحها فطاما لها ، والحديث محمول على نفي التنجيز ، وما هو مأثور عن السلف رضي الله عنهم كالشعبي والزهري وجماعة كما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه ، وهو وإن كان ظاهرا لنا لكن لما كانوا في الجاهلية يطلقون قبل التزوج تنجيزا ، ويعدونه طلاقا إذا وجد النكاح نفاه صاحب الشرع ، والخلاف هنا مبني على أن المعلق بالشرط هل هو سبب للحال أو لا نفيناه وأثبته ، وتحقيقه أن اللفظ الذي ثبتت سببيته شرعا لحكم إذا جعل جزاء الشرط هل نسلبه سببيته لذلك الحكم قبل وجود معنى الشرط كأنت طالق ، وحرة جعل شرعا سببا لزوال الملك فإذا دخل الشرط منع الحكم عنده ، وعندنا منع سببيته فتفرعت الخلافية فعندنا ليس بطلاق قبل وجود الشرط فلم يتناوله الحديث ، وعنده طلاق فيتناوله .

                                                                                        والأوجه قولنا لأن الحنث هو السبب عقلا لا اليمين ، ولأن السبب هو المفضي إلى الحكم ، والتعليق مانع من الإفضاء لمنعه من الوصول إلى المحل ، والأسباب الشرعية لا تصير أسبابا قبل الوصول إلى المحل فضعف قوله إن السبب هو قوله أنت طالق ، والشرط لم يعدمه ، وإنما أخر الحكم ، وأورد بأنه يجب أن يلغو كالأجنبية ، وأجيب بأنه لو لم يرج لغا كطالق إن شاء الله ، وأما غيره فبعرضية أن يصير سببا فلا يلغى تصحيحا لكلام العاقل ، أو نقول لما توقف الحكم على الشرط صار الشرط كجزء سببه ، ولا يرد علينا البيع المؤجل فإنه سبب قبل حلوله لأن الأجل دخل على الثمن فقط ، وكذا لا يرد البيع بشرط الخيار لأن الشرط بعلى لتعليق ما بعده فقط لغة فآتيك على أن تأتيني : المعلق إتيان المخاطب فكذا قوله بعتك على أني بالخيار أي في الفسخ فالمعلق الفسخ لا البيع ، وهو منجز فتعلق الحكم دفعا للضرر لا لأن المعلق ينعقد سببا للحال ، وكذا لا يرد المضاف كقوله أنت طالق غدا فإنه عندنا سبب في الحال لأن التعليق يمين ، وهو للبر ، وهو إعدام موجب المعلق فلا يفضي إلى الحكم أما الإضافة فلثبوت حكم السبب في وقته لا لمنعه فيتحقق [ ص: 6 ] السبب بلا مانع إذ الزمان من لوازم الوجود ، وهو معنى ما فرق به الزيلعي ، وهو مردود لأنه يرد عليه أن اليمين لا توجب الإعدام مطلقا بل في المنع أما في الحمل فلا نحو إن بشرتني بقدوم ولدي فأنت حر فإن المقصود إيجاد الشرط لا إعدامه ، وفرقوا بينهما أيضا بأن الشرط على خطر الوجود بخلاف المضاف .

                                                                                        وهو مردود لأنه يقتضي تسوية المضاف ، والمعلق في نحو يوم يقدم زيد ، وإن قدم في يوم كذا لأن كلا منهما على خطر الوجود ، وإذا استويا في عدم انعقاد السببية للخطر استويا في الأحكام فيلزم منه عدم جواز التعجيل فيما لو قال علي صدقة يوم يقدم فلان لعدم جواز التقديم على السبب ، وإن كان بصورة الإضافة مع أن الحكم في المضاف جواز التعجيل قبل الوقت بخلافه في المعلق ، ويقتضي أيضا كون إذا جاء غد فأنت حر كإذا مت فأنت حر لأنه لا خطر فيهما فيكون الأول مضافا فيمتنع بيعه قبل الغد كما قبل الموت لانعقاده سببا في الحال كما عرف في التدبير لكنهم يجيزون بيعه قبل الغد ، ويفرقون بين أنت حر غدا فلا يجيزون بيعه قبل الغد ، وبين إذا جاء غد فأنت حرة فيجيزونه مع أنه لا خطر فيهما ، وقد يقال في الفرق بينهما إن الإضافة ليست بشرط حقيقة لعدم كلمة الشرط لكنه في معنى الشرط من حيث إن الحكم يتوقف عليه فمن حيث إنه ليس بشرط لا يتأخر عنه ، ولا يمنع السببية ، ومن حيث إنه في معنى الشرط لا ينزل في الحال فقلنا بأنه ينعقد سببا للحال ، ويقع مقارنا ويتأخر الحكم عملا بالشبهين ، وفي الخانية من أول كتاب الإجارات رجل قال لغيره أجرتك داري هذه رأس الشهر كل شهر بكذا جاز في قولهم ، ولو قال إذا جاء رأس الشهر فقد أجرتك هذه الدار كل شهر بكذا قال الفقيه أبو الليث وأبو بكر الإسكاف يجوز ، وقال أبو القاسم الصفار لا يجوز لأنه تعليق التمليك فلا يصح كما لو علقها بشرط آخر ، ويؤيده ما ذكره في الجامع رجل حلف أن لا يحلف ثم قال لامرأته إذا جاء غد فأنت طالق كان حانثا في يمينه .

                                                                                        وهذا يؤيد قوله ، والذي يؤيد قول الفقيه أبي الليث ما ذكر في المنتقى رجل له خيار الشرط في البيع فقال أبطلت خياري غدا أو قال أبطلت خياري إذا جاء غد كان ذلك جائزا قال وليس هذا كقوله إن لم أفعل كذا فقد أبطلت خياري فإن ذلك لا يصح لأن هذا وقت يجيء لا محالة ، ولو أجر داره كل شهر بكذا ثم قال إذا جاء رأس الشهر فقد أبطلت الإجارة قال الفقيه أبو بكر كما يصح تعليق الإجارة بمجيء الشهر يصح تعليق فسخها بمجيء الشهر ، وغيره من الأوقات ، ومسألة المنتقى في تعليق إبطال الخيار تؤيد قوله قال شمس الأئمة السرخسي قال بعض أصحابنا إضافة الفسخ إلى الغد ، وغيره من الأوقات صحيح ، وتعليق الفسخ بمجيء الشهر ، وغير ذلك لا يصح ، والفتوى على قوله ا هـ .

                                                                                        فقد تحرر عندنا أن المعلق بشرط على خطر ليس كالمضاف اتفاقا ، وبما ليس فيه خطر فيه اختلاف المشايخ فسوى بينهما الفقيهان في الإجارة ، وفرق بينهما الصفار والإفتاء بالفرق بينهما في فسخ الإجارة إفتاء بقول الصفار بالفرق في الإجارة فالفتوى على الفرق في الإجارة وفسخها ، ومسألة الجامع تؤيده ، وإنما خرج عن ذلك مسألة المنتقى .

                                                                                        ثم اعلم أن المراد بالصحة في قوله إنما يصح اللزوم فإن التعليق في غير الملك ، والمضاف إليه صحيح موقوف على إجازة الزوج حتى لو قال أجنبي لزوجة إنسان إن دخلت الدار فأنت طالق توقف على الإجازة فإن أجازه لزم التعليق فتطلق بالدخول بعد الإجازة لا قبلها ، وكذا الطلاق المنجز من الأجنبي موقوف على إجازة الزوج فإذا أجازه وقع مقتصرا على وقت الإجازة ، ولا يستند بخلاف البيع الموقوف فإنه بالإجازة يستند إلى وقت البيع حتى ملك المشتري الزوائد المتصلة والمنفصلة ، والضابط فيه أن ما يصح تعليقه بالشرط فإنه يقتصر ، وما لا يصح تعليقه فإنه يستند ، وتمامه في تلخيص الجامع ، ودخل تحت المضاف إلى الملك ما لو قال لمعتدته إن تزوجتك فأنت طالق [ ص: 7 ] ثلاثا فهذا ، وما لو قال لأجنبية سواء كما في الخلاصة ، وللحنفي أن يرفع الأمر إلى شافعي يفسخ اليمين المضافة .

                                                                                        [ ص: 5 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 5 ] ( قوله وهو وإن كان ظاهرا لنا إلخ ) جواب سؤال مقدر ، وأصله في الفتح حيث قال فإن قيل لا معنى لحمله على التنجيز لأنه ظاهر يعرفه كل أحد فوجب حمله على التعليق فالجواب صار ظاهرا بعد اشتهار حكم الشرع فيه لا قبله فقد كانوا في الجاهلية إلخ




                                                                                        الخدمات العلمية