الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وفي أنت طالق ثلاثا إلا واحدة تقع ثنتان ، وفي الاثنتين واحدة ، وفي الأثلاث ثلاث ) شروع في بيان الاستثناء ، وهو في الأصل نوعان وضعي وعرفي فالعرفي ما تقدم من التعليق بالمشيئة والوضعي هو المراد هنا ، وهو بيان بإلا أو إحدى أخواتها أن ما بعدها لم يرد بحكم الصدر . قد اتفقوا على أن ما بعد إلا لم يرد بحكم الصدر فالمقر به ليس إلا سبعة في علي عشرة إلا ثلاثة ، وإنما اختلفوا هل أريد ما بعد إلا بالصدر فأكثر الأصوليين أنه لم يرد ، وكلمة إلا قرينة عليه ، وجماعة على أنه أريد ما بعد الإثم أخرج ثم حكم على الباقي ، والمراد أنه أريد عشرة في هذا المثال ، وحكم على سبعة فأراد العشرة باق بعد الحكم ، وما نسب إلى الشافعي من القول بالمعارضة فمعناه أنه أسند الحكم إلى العشرة مثلا ثم نفى الحكم عن ثلاثة فتعارضا صورة ثم ترجح الثاني فيحكم أن المراد بالأول ما سواه ، وليس مراده حقيقة النسبة إليهما لأن حقيقة التناقض لم يقل به عاقل فاندفع ما ذكره الشارح ، وغيره من الاستدلال عليه بقوله تعالى { فلبث فيهم ألف سنة إلا خمسين عاما } لأنه في غير محل النزاع ، وتمامه في التحرير لابن الهمام ، ولم يقيد المصنف بالاتصال هنا اكتفاء بما ذكره فيما قبله لما قدمنا أن كلا منهما استثناء .

                                                                                        ويبطل الاستثناء بأربعة بالسكتة اختيارا ، وبالزيادة على المستثنى منه كأنت طالق ثلاثا إلا أربعا وبالمساواة ، وباستثناء بعض الطلاق كأنت طالق إلا نصفها كذا في البزازية ، وزاد في الخانية خامسا فقال والخامس ما يؤدي إلى تصحيح بعض الاستثناء ، وإبطال البعض كما لو قال أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثلاثا ، ولو قال أنت طالق ثلاثا يا فلانة إلا واحدة وقعت ثنتان ، ولا يصير النداء فاصلا لأنه للتأكيد كما في الولوالجية .

                                                                                        وأشار باستثناء الثنتين إلى جواز استثناء الأكثر ، وأفاد بقوله ، وفي إلا ثلاثا ثلاث عدم جواز استثناء الكل من الكل ، وحاصله أنه إذا كان بلفظ المستثنى منه أو بمساو ، ولم يكن بعده استثناء آخر فإن الاستثناء باطل فالأول كمسألة الكتاب ، وكقوله نسائي طوالق إلا نسائي ، وعبيدي أحرار إلا عبيدي ، وكما إذا أوصى بثلث ماله ، ومن المساوي أنت طالق ثلاثا إلا واحدة وواحدة وواحدة أو إلا ثنتين وواحدة ، وفي الولوالجية من آخر العتق قال لعبيده الثلاث أنتم أحرار إلا فلانا وفلانا وفلانا يقع العتق ، ولا يصح الاستثناء لأنه استثناء الكل من الكل ا هـ .

                                                                                        وفي قياسه أنتن طوالق إلا فلانة وفلانة وفلانة ، وليس له أربعة ، وهو من قبيل المساوي بخلاف ما إذا كان بغير المساوي كقوله كل امرأة لي طالق إلا هذه ، وليس له سواها لا تطلق لأن المساواة في الوجود لا تمنع صحته إن عم وضعا لأنه تصرف صيغي كقوله نسائي طوالق إلا زينب [ ص: 45 ] وهندا وعمرة وبكرة ، وأوصيت بثلث مالي إلا ألفا ، والثلث ألف فإنه يصح ، وعبيدي أحرار إلا فلانا وفلانا ، وليس له إلا هما ، وفي الجوهرة ، واختلفوا في استثناء الكل قال بعضهم هو رجوع ، وقال بعضهم هو استثناء فاسد ، وليس برجوع ، وهو الصحيح لأنهم قالوا في الموصي إذا استثنى جميع الموصى به فإنه يبطل الاستثناء ، والوصية صحيحة ، ولو كان رجوعا لبطلت الوصية لأن الرجوع فيها جائز . ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط لو قال أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثنتين إن نوى الاستثناء عن إحدى الثنتين لم يصح لأنه استثناء الكل من الكل .

                                                                                        وإن نوى واحدة من الأولى ، وواحدة من الأخرى يصح ، وإن لم تكن له نية يصح الاستثناء ، ويقع ثنتان خلافا لزفر لأنه أمكن تصحيح الاستثناء بأن يصرف إلى كلا العددين فيصير مستثنى من كل جملة واحدة فيصرف إليهما تصحيحا لكلامه .

                                                                                        وروى هشام عن محمد لو قال أنت طالق ثنتين وثنتين إلا ثلاثا أو أنت طالق ثنتين وأربعا إلا خمسا وقع الثلاث لأنه تعذر تصحيح الاستثناء لأن استثناء الثلاث من الثنتين لا يصح لأنه يزيد عليه ، ولا استثناء نصف الثلاث من كل ثنتين لأنه استثناء جميع الثنتين لأن ذكر نصف ما لا يتجزأ كذكر كله ، ولا استثناء واحدة من إحدى الثنتين لأنه يبقى ثنتين استثناء من الأخرى ، وأنه لا يصح ، ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة أو ثنتين ، ومات قبل البيان طلقت واحدة في راية ابن سماعة عن أبي يوسف ، وفي رواية أخرى يقع ثنتان ، ولو قال أنت طالق عشرا إلا تسعا يقع واحدة لأن الاستثناء يرد على اللفظ فيكون العبرة للفظ لا للحكم ، وباعتبار هذا اللفظ استثناء البعض من الكل ، ولو قال إلا ثمانيا تقع ثنتان ، ولو قال إلا سبعا يقع الثلاث ، ولو قال للمدخولة أنت طالق أنت طالق أنت طالق إلا واحدة يقع الثلاث ، وكذا لو قال أنت طالق واحدة وواحدة وواحدة إلا واحدة لأنه ذكر كلمات متفرقة فيعتبر كل كلام في حق صحة الاستثناء كأنه ليس معه غيره ، وكذا لو قال أنت طالق بائن ، وأنت طالق غير بائن إلا تلك البائن لا يصح الاستثناء ، وكذا لو قال هذه طالق ، وهذه ، وهذه إلا هذه ولو قال أنتن طوالق إلا هذه صح الاستثناء . ا هـ .

                                                                                        وقيدنا بكونه لم يكن بعده استثناء آخر لأنه لو كان بعده ما يكون جبرا للصدر فإنه يصح كقوله أنت طالق ثلاثا إلا ثلاثا إلا واحدة فإنها تطلق واحدة ، والأصل أنه إذا تعدد الاستثناء بلا واو كان كل إسقاطا مما يليه فوقع ثنتان في قوله أنت طالق ثلاثا إلا ثنتين إلا واحدة ، ولزمه خمسة في قوله له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة إلا ستة إلا خمسة إلا أربعة إلا ثلاثا إلا ثنتين إلا واحدة .

                                                                                        وفي المحيط ، وطريقة أخرى لمعرفتها أن تأخذ الثلاث بيمينك والثنتين بيسارك ، والواحدة بيمينك ثم تسقط ما اجتمع في يسارك مما اجتمع في يمينك فما بقي فهو الواقع . ا هـ .

                                                                                        وقيد بقوله إلا واحدة لأنه لو قال أنت طالق ثلاثا إلا نصف واحدة لا يصح الاستثناء ، ووقع الثلاث على المختار ، وقد ذكر المصنف المستثنى والمستثنى منه من غير وصف لأنه لو قال أنت طالق ثلاثا بائنة إلا واحدة أو ثلاثا ألبتة إلا واحدة وقع ثنتان رجعيتان ، ولو قال أنت طالق ثنتين إلا واحدة بائنة أو إلا واحدا بائنا تطلق واحدة رجعية ، ولو قال أنت طالق ثنتين ألبتة إلا واحدة تقع واحدة بائنة .

                                                                                        وكذا لو قال أنت طالق ثنتين إلا واحدة ألبتة تقع واحدة بائنة ، وتمامه في البزازية ، وفي الولوالجية أنت طالق ثلاثا إلا واحدة غدا أو قال إلا واحدة إن كلمت فلانا يصير قائلا أنت طالق ثنتين غدا أو إن كلمت فلانا ، ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا واحدة للسنة كانت طالقا اثنتين للسنة عند كل طهر تطليقة واحدة لأنه صار كأنه قال أنت طالق ثنتين للسنة وتمامه في المحيط ، ولو قال أنت بائن ينوي ثلاثا إلا واحدة طلقت ثنتين بائنتين ، وقال محمد طلقت واحدة ، ولو قال أنت طالق ثلاثا إلا نصفها يقع ثنتان ، ولو قال إلا أنصافهن [ ص: 46 ] يقع الثلاث كذا في الخانية ، والله سبحانه ، وتعالى أعلم بالصواب ، وإليه المرجع والمآب .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله فتعارضا صورة ) قال الرملي أي نفيا وإثبانا ، وقوله ثم ترجح الثاني أي النفي ، وقوله فيحكم أن المراد بالأول أي الذي هو العشرة ، وقوله ما سواه أي ما سوى المستثنى الذي هو الثلاثة ( قوله فقال : والخامس ما يؤدي إلى تصحيح بعض الاستثناء ) كان عليه أن يقول بعض المستثنى منه ، وليس ما نقله عبارة الخانية بل هي هكذا ، والخامس إبطال البعض كما لو قال إلخ [ ص: 45 ] ( قوله تمامه في البزازية ) كأنه يشير إلى ما قدمه المؤلف عنها قبيل الطلاق قبل الدخول من الأصل في الوصف فإنه إما أن يكون وصفا يليق بالمستثنى أو بالمستثنى منه أو بهما ، وأنه تارة يكون وصفا أصليا ، وتارة يكون زائدا ، وقد ذكر ما يتفرع عليه هناك فراجعه ، وذكره صاحب النهر هنا ، وهو الأنسب .




                                                                                        الخدمات العلمية