الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وإن أخطأ القاضي ففرق بينهما بعد وجود أكثر اللعان من كل واحد منهما وقعت الفرقة ، ولو التعن كل واحد مرتين ففرق القاضي بينهما لم تقع الفرقة ، ولو فرق بينهما بعد لعان الزوج قبل لعان المرأة نفذ حكمه لكونه مجتهدا فيه ا هـ .

                                                                                        وينبغي أن يقيد بغير القاضي الحنفي أما هو فلا ينفذ ، وفي فتح القدير وطؤها حرام بعده قبل التفريق وإن كان النكاح قائما لقوله عليه السلام { المتلاعنان لا يجتمعان أبدا } ، وفي التتارخانية ولها النفقة والسكنى ما دامت في العدة

                                                                                        . ( قوله وإن قذف بولد نفى نسبه وألحقه بأمه ) ; لأن المقصود من هذا اللعان نفي الولد فيوفر عليه مقصوده ويتضمنه القضاء بالتفريق ، وفي البدائع ، ولوجوب قطع النسب شرائط : الأول : التفريق ، الثاني : أن يكون بحضرة الولادة أو بعدها بيوم أو يومين ، الثالث : أن لا يتقدم منه إقرار به صريحا أو دلالة كسكوته عند التهنئة مع عدم رده ، الرابع : أن يكون الولد حيا وقت قطع النسب وهو وقت التفريق فلو نفاه بعد موته لاعن ولم ينقطع نسبه ، وكذا لو جاءت بولدين أحدهما ميت فنفاهما يلاعن ولزماه ، وكذا لو نفاهما ثم مات أحدهما أو قتل قبل اللعان لزماه .

                                                                                        وأما اللعان فذكر الكرخي أنه يلاعن ولم يذكر الخلاف وذكر ابن سماعة الخلاف فقال عند أبي يوسف يبطل وعند محمد لا يبطل ، الخامس : أن لا تلد بعد التفريق ولدا آخر من بطن واحد فلو ولدت فنفاه ولاعن الحاكم بينهما وفرق بينهما وألزم الولد أمه ثم ولدت آخر من الغد لزماه وبطل قطع نسب الأول ولا يصح نفيه الآن ; لأنها أجنبية واللعان ماض ; لأنه لما ثبت الثاني ثبت الأول ضرورة وإن قال الزوج هما ابناي لا حد عليه ولا يكون مكذبا نفسه لاحتمال الإخبار بما لزمه شرعا .

                                                                                        السادس : أن لا يكون محكوما بثبوته شرعا فإن كان لا يقطع نسبه وقد ذكر الإمام محمد في الجامع الكبير خمس مسائل مسألتان في كتاب الشهادات من التلخيص إحداهما في كتاب المعاقل امرأة ولدت ولدا فانقلب هذا الولد على رضيع فمات الرضيع وقضي بديته على عاقلة الأب ثم نفى الأب نسبه يلاعن القاضي بينهما ولا يقطع نسب الولد منه ; لأن القضاء بالدية على عاقلة الأب قضاء بكون الولد منه فلا ينقطع النسب بعده الثانية في الزيادات إذا قال لامرأتيه وقد دخل بهما إحداكما طالق ثلاثا ولم يبين حتى ولدت إحداهما لأكثر من سنتين من وقت الطلاق كانت الولادة بيانا لوقوعه على الأخرى ; لأن الولد حصل من علوق حادث بعد الطلاق وتعينت التي ولدت للنكاح فإن نفى الولد لاعن القاضي بينهما ولا يقطع النسب ; لأن حكم الشرع بكون الولد بيانا حكم بكونه منه وبعد الحكم به لا ينقطع باللعان وثلاث مسائل في كتاب الدعوى الأولى امرأة ولدت وزوجها غائب ففطمت ولدها وطلبت من القاضي أن يفرض لها النفقة وللولد وبرهنت ثم حضر [ ص: 129 ] الزوج ونفى الولد لاعن وقطع النسب مع أنه محكوم به حيث فرض القاضي نفقته الثانية لو أنكر الدخول بعد ما ولدت ثبت النسب ووجب لها كمال المهر فلو نفاه يلاعن ويقطع النسب مع أنه محكوم به حين قضى لها بكمال المهر ، الثالثة المطلقة رجعيا إذا ولدت لأكثر من سنتين تكون رجعة ، ولو نفاه لاعن وقطع نسبه مع أنه محكوم به وقد حكي أن عيسى بن أبان كتب إلى محمد بن الحسن حين كان بالرقة يستفرقه بين المسألتين الأولتين وبين الثلاث فكتب محمد رحمه الله أنه متى حصل القضاء بالنسب ضرورة القضاء بأمر ليس من حقوق النكاح فإنه يمنع قطع النسب باللعان وتمامه في شرح تلخيص الجامع من باب شهادة الملاعنة بالولد ومن المواضع المانعة من قطع النسب أن يقذفها أجنبي بنفي الولد ويحده القاضي لها فإنه حكم منه بثبوت نسبه فإذا نفاه بعده أبوه لا ينتفي كما في فتح القدير وسيأتي عن الذخيرة .

                                                                                        ثم إذا قطع النسب عن الأب وألحق الولد بالأم يبقى النسب في حق سائر الأحكام من الشهادة والزكاة وعدم القصاص على الأب بقتله ونحو ذلك من الأحكام إلا أنه لا يجري التوارث بينهما ولا نفقة على الأب ; لأن النفي باللعان ثبت شرعا بخلاف الأصل بناء على زعمه وظنه مع كونه مولودا على فراشه وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم { الولد للفراش } فلا يظهر في حق سائر الأحكام ا هـ .

                                                                                        ويزاد السابع أن يكون النكاح صحيحا فلا لعان بالقذف بنفي الولد في النكاح الفاسد والوطء بشبهة ولا ينتفي النسب وقيد بالزوجية ; لأنه لو نفى نسب ولد أم الولد فإنه ينتفي بمجرد قوله بلا لعان ويزاد الثامن أن يكون العلوق في حال يجري فيه اللعان حتى لو علق وهي كافرة لا ينتفي .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : ولو فرق بينهما ) بعد لعان الزوج إلخ استشكله في النهر ثم أجاب بأنه يمكن أن يقال أنه قضى في الثاني في فصل مجتهد فيه فينفذ ; لأن الشافعي رضي الله تعالى عنه قائل بوقوع الفرقة بلعان الزوج فقط بخلافه في الأول وعلى هذا فيجب أن يقيد القاضي بالمجتهد ا هـ .

                                                                                        والمجتهد غير قيد ; لأن مقلد الشافعي مثله كما لا يخفى ( قوله أو بعدها بيوم أو يومين ) قال في البدائع أو نحو ذلك من مدة يأخذ فيها التهنئة وابتياع آلات الولادة عادة فإن نفاه بعد ذلك لا ينتفي ا هـ .

                                                                                        وسيذكر المؤلف عن الكافي تقدير مدة التهنئة بثلاثة أيام في رواية وبسبعة في أخرى وسنذكره عن الفتح أن ظاهر الرواية عدم التقدير بمدة فلذا قال هنا أو نحو ذلك وأحاله إلى العادة فكان على المؤلف عدم الاقتصار على ما نقله ( قوله وقد ذكر الإمام محمد في الجامع إلخ ) ظاهره أن هذا من كلام البدائع ولم أجده فيها والذي رأيته بعد ذكره هذا الشرط السادس ما نصه وصورته ما روي عن أبي يوسف أنه قال في رجل جاءت امرأته بولد فنفاه ولم يلاعن حتى قذفها أجنبي بالولد الذي جاءت به فضرب القاضي الأجنبي الحد فإن نسب الولد يثبت من الزوج فيسقط اللعان ; لأن القاضي لما حد قاذفها بالولد فقد حكم بكذبه والحكم بكذبه حكم بثبوت نسب الولد والنسب المحكوم بثبوته لا يحتمل النفي باللعان كالنسب المقر به وإنما سقط اللعان ; لأن الحاكم لما حد قاذفها فقد حكم بإحصانها في عين ما قذفت به [ ص: 129 ] ( قوله ويزاد السابع إلخ ) قال الحموي التحقيق أن هذا الشرط والذي بعده من شرائط اللعان لا من شرائط النفي فلذا حذفهما في البدائع ا هـ .

                                                                                        وأصله لصاحب النهر وأقول : على أن الثامن يغني عن هذا السابع كما لا يخفى وينبغي أن يزاد قول القاضي بعد التفريق قطعت نسب هذا الولد عنه على ما هو الصحيح كما يأتي .




                                                                                        الخدمات العلمية