الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ولو أنفق مودعه على أبويه بلا أمر ضمن ) أي المودع ما أنفقه ; لأنه تصرف في مال الغير بلا ولاية ولا نيابة ; لأنه نائب عنه في الحفظ لا غير والمودع ليس بقيد ; لأن مديون الغائب كذلك كما في الولوالجية والأبوان ليسا بقيد ، بل الإنفاق على الزوجة بلا أمر كذلك كما في الخانية من كتاب الوديعة ، وكذا على الأولاد وقيد بكونه بلا أمر ; لأنه لو كان بأمر الغائب فلا إشكال ، وكذا إذا كان بأمر القاضي ; لأن أمره ملزم لعموم ولايته ولا يقال إنه قضاء على الغائب ولا يجوز ; لأنا نقول نفقة هؤلاء واجبة قبل القضاء وقضاؤه إعانة لهم فحسب ، كذا في غاية البيان ، وعند أمر القاضي لا فرق بين الأبوين والأولاد الصغار والزوجة كما تقدم في قوله وفرض لزوجة الغائب إلى آخره .

                                                                                        وأشار المصنف إلى أن المودع لو قضى دين المودع الوديعة فإنه يكون ضامنا ولم يضمنه الحاكم أبو إسحاق ، والصحيح الضمان كما أشار إليه محمد في كتاب الوديعة ، كذا في الذخيرة وأطلقه فظاهره أنه ولو كان بأمر القاضي ; لأن الأمر هنا بقضاء الدين قضاء على الغائب وهو لا يجوز بخلاف الأمر بالإنفاق كما قدمنا الفرق وإنما عبر المصنف بالضمان دون الحرمة ; لأنه إنما يضمن في القضاء ، وأما فيما بينه وبين الله تعالى فلا ضمان عليه ، ولو مات الغائب حل له أن يحلف لورثته أنهم ليس لهم عليه حق ; لأنه لم يرد بذلك غير الإصلاح ، وكذا في فتح القدير .

                                                                                        وأطلق المصنف في الضمان فشمل ما إذا أمكن استطلاع رأي القاضي أو لا لكن نقلوا عن النوادر أنه مقيد بما إذا أمكن أما إذا لم يمكن فلا ضمان استحسانا قال في الذخيرة ، وكذلك قال مشايخنا في رجلين كانا في سفر فأغمي على أحدهما فأنفق الآخر على المغمى عليه من مال المغمى عليه لم يضمن استحسانا ، وكذا إذا مات فجهزه صاحبه من ماله لم يضمن استحسانا ، وكذا العبد المأذون في التجارة إذا مات مولاه فأنفق في الطريق لم يضمن ، وكذا روي عن مشايخ بلخ إذا كان للمسجد أوقاف ولم يكن لها متول فقام واحد من أهل المحلة في جميع الأوقات وأنفق على المسجد فيما يحتاج إليه من الحصر والحشيش لا يضمن استحسانا فيما بينه وبين الله تعالى [ ص: 233 ] وحكي عن محمد أنه مات واحد من تلامذته فباع محمد كتبه وأنفق في تجهيزه فقيل له إنه لم يوص بذلك إلى أحد فتلا محمد قوله تعالى { والله يعلم المفسد من المصلح } فما كان على قياس هذا الأصل لا ضمان عليه فيما بينه وبين الله تعالى استحسانا أما في الحكم فهو ضامن ، وكذا الورثة الكبار إذا أنفقوا على الصغار ولم يكن هناك وصي فإنهم متطوعون حكما ، وأما ديانة فإنهم محسنون ويسعهم أن يقروا بما فضل من نصيب الصغار فقط ، ولو حلفوا فلا شيء عليهم ونظيره إذا عرف الوصي الدين على الميت فقضاه ولم يقر بذلك ولم يعرفه القاضي ولا الورثة ولا يأثم .

                                                                                        وكذا إذا كان لرجل عند رجل وديعة وعلى صاحب الوديعة مثلها دين والمودع يعلم أنه مات ولم يقبض دينه وسع المودع أن يقضي ذلك الدين بماله ولا يقربه ، وكذا إذا كان لعمرو على زيد دين وعلى عمرو مثل ذلك الدين لرجل آخر فمات عمرو وزيد يعرف أن عمرا لم يقض دينه يسع لزيد أن يقضي دين عمرو بما لعمرو على زيد ولا يخبر ورثته بذلك ا هـ .

                                                                                        والأصل في ذلك أن خالد بن الوليد أخذ الراية وتأمر من غير تأمير لأجل الإصلاح ذكره الكرماني في شرح البخاري من الجنائز ولم يذكر المصنف أنه هل يرجع بما أنفقه على من أنفق عليه عند ضمانه وقالوا لا رجوع له ; لأن المودع ملك المدفوع بالضمان فكان متبرعا بملك نفسه وظاهره أنه لا فرق بين أن ينفق عليهم وبين أن يدفع الوديعة إليهم في وجوب الضمان وعدم الرجوع عليهم لوجود العلة فيهما ولم أر أنه إذا أنفق عليهم بلا أمر ، ثم أجاز المالك لظهور أنه لا ضمان ; لأن الإجازة إبراء له من الضمان ، ولقولهم إن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة .

                                                                                        ( قوله : ولو أنفقا ما عندهما لا ) أي لا ضمان عليهما ; لأنهما استوفيا حقهما ; لأن نفقتهما واجبة قبل القضاء على ما مر ، وقد أخذا جنس الحق وفي الخلاصة ، ولو أنفق على نفسه من مال الابن ، ثم خاصمه الابن فقال أنفقته وأنت موسر ، وقال الأب أنفقته وأنا معسر قال انظر إلى حال الأب يوم الخصومة إن كان معسرا فالقول قوله استحسانا في نفقة مثله وإن كان موسرا فالقول قول الابن ، ولو أقاما البينة فالبينة بينة الابن ا هـ .

                                                                                        وحكم الزوجة والولد كالأبوين إذا أنفقا ما عندهما لا ضمان عليهما بخلاف غيرهم من القريب المحرم العاجز فإنه يضمن بالإنفاق بغير قضاء ولا رضا قال في الذخيرة إن نفقة الوالدين والمولودين والزوجة واجبة قبل القضاء حتى إذا ظفر أحد من هؤلاء بجنس حقهم كان له الأخذ بغير قضاء ولا رضا فأما نفقة سائر الأقارب لا تجب إلا بالقضاء أو الرضا حتى لو ظفر واحد من الأقارب بجنس حقه لم يكن له الأخذ إلا بقضاء أو رضا ; ولذا يفرض القاضي في مال الغائب نفقة الأولين فقط ا هـ .

                                                                                        [ ص: 232 - 233 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 232 - 233 ] ( قوله : وكذا الورثة الكبار إلخ ) ذكر في نفقات الخصاف الأخ الكبير مع الأخ الصغير إذا ورثا مالا وفي البلد قاض أو لم يكن فأنفق الأخ من نصيب الأخ الصغير عليه يضمن في الحكم ; لأنه لا ولاية له عليه وكتبت في آخرها كراهية الجامع الصغير ما يدل على أنه يملك الإنفاق فيحتمل أن تأويل ما ذكر في الجامع الصغير الإنفاق من جنس النفقة من طعام وغيره وفي هذا لا يحتاج إلى بيع نصيب الأخ ويحتمل أن الأخ في حجره والمال دراهم ويحتاج إلى شراء ما لا بد منه وهو النفقة والأخ الكبير يملك ذلك إذا كان الصغير في حجره وإلا فلا فيصير حاصل الجواب أنه إذا كان طعاما ينفق سواء كان في حجره أو لا وإن كان دراهم إن كان في حجره يملك شراء الطعام والنفقة وإن كان شيئا يحتاج إلى بيعه لا يملك إلا أن يجعله القاضي وصيا كذا في التتارخانية .




                                                                                        الخدمات العلمية