الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ومن حلف على معصية ينبغي أن يحنث ) بيان لبعض أحكام اليمين وحاصلها أن المحلوف عليه أنواع : فعل معصية ، أو ترك فرض فالحنث واجب وهو المراد بقوله ينبغي أن يحنث أي يجب عليه الحنث لحديث البخاري عن عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم { من نذر أن يطيع الله فليطعه ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه } .

                                                                                        وحديث البخاري أيضا { وإذا حلفت على يمين فرأيت غيرها خيرا منها فأت الذي هو خير وكفر عن يمينك } ، ثم اليمين في الحديث بمعنى المقسم عليه ; لأن حقيقة اليمين جملتان إحداهما مقسم به والأخرى مقسم عليه فذكر الكل وأريد البعض وقيل ذكر اسم الحال وأريد المحل ; لأن المحلوف عليه محل اليمين ولأن فيما قلناه تفويت البر إلى جابر وهو الكفارة ولا جابر للمعصية في ضده .

                                                                                        وأطلق في المعصية فشمل النفي والإثبات فالأول مثل أن لا يصلي ، أو لا يكلم أباه فيجب الحنث بالصلاة وكلام الأب ، والثاني نحو ليقتلن فلانا كما في الهداية ولا بد أن تكون اليمين موقتة بوقت كاليوم وغدا لأنها لو كانت مطلقة لم يتصور الحنث باختياره لأنه لا يحنث إلا في آخر جزء من أجزاء حياته فيوصي بالكفارة حينئذ إذا هلك الحالف ويكفر عن يمينه إذا هلك المحلوف عليه كذا في غاية البيان الثاني أن يكون المحلوف عليه شيئا غيره أولى منه [ ص: 317 ] كالحلف على ترك وطء زوجته شهرا ، أو نحوه فالحنث أفضل لأن الرفق أيمن ودليله الحديث المتقدم وكذا لو حلف ليضربن عبده ، وهو يستأهل ذلك أو ليشكون مديونه إن لم يوافه غدا ; لأن العفو أفضل وكذا تيسير المطالبة .

                                                                                        الثالث أن يحلف على شيء وضده مثله كالحلف لا يأكل هذا الخبز ، أو لا يلبس هذا الثوب فالبر في هذا وحفظ اليمين أولى ولو قال قائل إنه واجب لقوله تعالى { واحفظوا أيمانكم } على ما هو المختار في تأويلها أنه البر فيها أمكن كذا في فتح القدير ولم يذكر القسم الرابع وهو أن يكون المحلوف عليه يجب فعله قيل : اليمين كحلفه ليصلين الظهر اليوم لظهور أن البر فرض ومنه إذا كان المحلوف عليه ترك معصية فإن البر واجب فيثبت وجوبان لأمرين الفعل والبر فحاصله أن المحلوف عليه إما فعل أو ترك وكل منهما على خمسة أوجه ; لأنه إما أن يكون معصية أو واجبا ، أو هو أولى من غيره أو غيره أولى منه ، أو مستويان وقد علمت أحكام العشرة . .

                                                                                        [ ص: 316 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 316 ] ( قوله : ولا بد أن تكون اليمين مؤقتة بوقت إلخ ) هذا خاص بالثاني أعني الإثبات أما النفي مثل لا يصلي فيتصور الحنث قبل موته بأن يصلي .




                                                                                        الخدمات العلمية