الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : ودوام الركوب واللبس والسكنى كالإنشاء لا دوام الدخول ) يعني لو حلف لا يركب هذه الدابة ، وهو راكبها أو لا يلبس هذا الثوب ، وهو لابسه أو لا يسكن هذه الدار ، وهو ساكنها فإنه يحنث بالدوام كما لو ابتدأ بها بخلاف ما إذا حلف لا يدخل هذه الدار ، وهو فيها فإنه لا يحنث بالاستمرار فيها والقياس أن يحنث قياسا على غيره والاستحسان الفرق بين الفصلين ، وهو أن الدوام على الفعل لا يتصور حقيقة ; لأن الدوام هو البقاء والفعل المحدث عرض والعرض مستحيل البقاء فيستحيل دوامه ، وإنما يراد بالدوام تجدد أمثاله ، وهذا يوجد في الركوب واللبس والسكنى ، ولا يوجد في الدخول ; لأنه اسم للانتقال من العورة إلى الحصن والمكث قرار فيستحيل البقاء تحقيقه أن الانتقال حركة والمكث سكون ، وهما ضدان ألا ترى أنه يضرب لها مدة يقال ركبت يوما ، ولبست يوما ، ولا يقال دخلت يوما قال في التبيين والفارق بينهما أن كل ما يصح امتداده له دوام كالقعود والقيام والنظر ونحوه ، وما لا يمتد لا دوام له كالدخول والخروج . ا هـ .

                                                                                        وفي المجتبى والفارق بينهما صحة قران المدة به كاليوم والشهر ، وفي فتح القدير ونظير المسألة حلف لا يخرج ، وهو خارج لا يحنث حتى يدخل ثم يخرج ، وكذا لا يتزوج ، وهو متزوج ، ولا يتطهر ، وهو متطهر فاستدام الطهارة والنكاح لا يحنث . ا هـ .

                                                                                        والمراد بالدوام المكث ساعة على حاله ، وقيد به ; لأنه لو نزل من ساعته أو نزع الثوب فإنه لا يحنث ، وقال زفر يحنث لوجود الشرط ، وإن قل ، ولنا أن اليمين تعقد للبر فيستثنى منه زمان تحقيقه وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى .

                                                                                        وأشار المصنف إلى أنه لو قال كلما ركبت فأنت طالق ، وهو راكب ، ومكث ثلاث ساعات طلقت ثلاثا في كل ساعة طلقة بخلاف ما إذا لم يكن راكبا فركب أنها تطلق واحدة ، ولا تطلق بالاستمرار ، وفي المجتبى ، وإنما يعطى للدوام حكم الابتداء فيما يمتد إذا كانت اليمين حال الدوام أما إذا كان قبله فلا حتى لو قال كلما ركبت هذه الدابة فلله علي أن أتصدق بدرهم ثم ركبها ودام عليها فعليه درهم واحد ، ولو قال ذلك حالة الركوب لزمه في كل ساعة يمكنه النزول درهم قلت : في عرفنا لا يحنث إلا بابتداء الفعل في الفصول كلها ، وإن لم ينو ، وفيه عن أبي يوسف ما يدل عليه ، وإليه أشار أستاذنا رحمه الله ا هـ .

                                                                                        فأفاد أن الساعة التي تكون دواما هي ما يمكنه النزول فيها ، وأشار المصنف إلى أنه لو حلف ليدخلنها غدا ، وهو فيها فمكث حتى مضى الغد حنث ; لأنه لم يدخلها فيه إذ لم يخرج .

                                                                                        ولو نوى بالدخول الإقامة فيه لم يحنث ، وإلى هنا فرغ المصنف من مسائل الدخول لكنه لم يستوفها ونحن نذكر ما فاته منها تكثيرا للفائدة ، ولكثرة الاحتياج إلى مسائل الأيمان ففي الظهيرية لو حلف لا يدخل في هذه السكة فدخل دارا من تلك السكة لا من السكة بل من السطح أو غيره اختلفوا فيه والصحيح أنه لا يحنث إذا لم يخرج [ ص: 330 ] إلى السكة ، ولو حلف لا يدخل سكة فلان فدخل مسجدا في تلك السكة ، ولم يدخل السكة لا يحنث رجل جالس في البيت من المنزل حلف لا يدخل هذا البيت فاليمين على ذلك البيت الذي كان جالسا فيه ; لأن ما وراء ذلك البيت يسمى منزلا ودارا هذا إذا كانت اليمين بالعربية فإن كانت بالفارسية فاليمين على دخول ذلك المنزل وتلك الدار فإن قال عنيت ذلك البيت الذي كنت جالسا فيه صدق ديانة لا قضاء ; لأن في الفارسية خانه اسم للكل هذا إذا لم يشر إلى بيت بعينه فإن أشار إلى بيت بعينه فالعبرة للإشارة امرأة حلفت أن لا يدخل زوجها دارها فباعت دارها فدخل الزوج ، وهي تسكنها إن كانت نوت أن لا يدخل دارا تسكنها المرأة لا تبطل اليمين بالبيع ، وإن لم يكن لها نية فاليمين على دار مملوكة لها .

                                                                                        وقال بعضهم يعتبر في جنس هذه المسائل سبب اليمين إن كانت اليمين لغيظ من صاحب الدار تبطل اليمين بالبيع ، وإن كانت لضرر الجيران لا تبطل اليمين بالبيع ، ولو حلف لا يدخل محلة كذا فدخل دارا لها بابان أحدهما مفتوح في تلك المحلة والآخر مفتوح في محلة أخرى حنث في يمينه ; لأن الدار تنسب إلى كل واحدة من المحلتين ، وعن بعض المشايخ إذا حلف لا يدخل الحمام فدخل المسلخ لا يحنث ; لأنه لا يراد من دخول الحمام ذلك ، ولو حلف لا يدخل دار فلان فمات صاحب الدار ثم دخل الحالف إن لم يكن على الميت دين مستغرق لا يحنث ; لأنها انتقلت إلى الورثة بالموت ، وإن كان عليه دين مستغرق قال محمد بن سلمة يحنث ; لأنها بقيت على حكم ملك الميت ، وقال الفقيه أبو الليث لا يحنث ، وعليه الفتوى ; لأنها لم تبق ملكا للميت من كل وجه ، ولو حلف لا يدخل دارا يشتريها فلان فاشترى فلان دارا وباعها من الحالف فدخل الحالف لا يحنث ، ولو اشترى فلان دارا ، ووهبها للحالف ثم دخل الحالف حنث ، ولو حلف لا يدخل قرية كذا فدخل أراضي القرية لا يحنث وتكون اليمين على عمرانها ، وكذا لو حلف لا يشرب الخمر في قرية كذا فشرب في كرومها وضياعها لا يحنث إلا أن يكون الكروم والضياع في العمران ، وكذلك لو كان الكلام على البلدة .

                                                                                        ولو حلف لا يدخل كورة كذا أو رستاق كذا فدخل الأراضي حنث ، ولو حلف لا يدخل بغداد فمن أي الجانبين دخل حنث ، ولو حلف لا يدخل مدينة السلام لا يحنث ما لم يدخل من ناحية الكوفة ; لأن اسم بغداد يتناول الجانبين ، ومدينة السلام لا ، ولو حلف لا يدخل الري ذكر شمس الأئمة السرخسي أن الري في ظاهر الرواية يتناول المدينة والنواحي وروي عن هشام عن محمد أنه اسم للمدينة حتى لو استأجر دابة إلى الري ، ولم يذكر إلى المدينة ، ولا إلى الرستاق بعينه في ظاهر الرواية تفسد الإجارة ، وفي رواية هشام لا تفسد ، ولو حلف لا يدخل بغداد فمر بها في سفينة روى هشام أنه يحنث ، وقال أبو يوسف لا يحنث ما لم يدخل إلى الجدة ، وهذا بخلاف الصلاة فإن البغدادي إذا جاء من الموصل في السفينة فدخل بغداد فأدركته الصلاة ، وهو في السفينة تلزمه صلاة الإقامة لا صلاة السفر ، ولو حلف لا يدخل في الفرات فركب سفينة في الفرات أو كان على الفرات جسر فمر على الجسر لا يحنث ما لم يدخل الماء .

                                                                                        ولو حلف أن لا يدخل هذه الدار فاشترى صاحبها بجنب الدار بيتا ، وفتح باب البيت إلى هذه الدار وجعل طريقه فيها وسد الباب الذي كان للبيت قبل ذلك فدخل الحالف هذا البيت من غير أن يدخل هذه الدار قال محمد يحنث ; لأن البيت صار من الدار . ا هـ .

                                                                                        ما في الظهيرية والفتوى على قول أبي يوسف في مسألة المرور بالسفينة فيما إذا حلف لا يدخل بغداد كما في الواقعات وذكر في البدائع لو حلف لا يدخل على فلان فدخل عليه بيته فإن قصده بالدخول حنث ، وإن لم يقصده لا يحنث ، وكذلك إن دخل عليه بيت غيره فإن دخل عليه في مسجد أو ظلة أو سقيفة أو دهليز دار لم يحنث ، وإن دخل عليه [ ص: 331 ] في فسطاط أو خيمة أو بيت شعر لم يحنث إلا أن يكون الحالف من أهل البادية ; لأنهم يسمون ذلك بيتا والتعويل في هذا الباب على العرف ، وعن محمد لا يدخل على فلان هذه الدار فدخل الدار ، وفلان في بيت من الدار لا يحنث ، وإن كان في صحن الدار يحنث ، وكذا لو حلف لا يدخل على فلان هذه القرية أنه لا يكون داخلا عليه إلا إذا دخل في بيته قال محمد لو حلف لا يدخل على فلان فدخل على فلان بيته ، وهو يريد رجلا غيره يزوره لم يحنث ; لأنه لم يدخل على فلان لما لم يقصده ، وإن لم تكن له نية حنث . ا هـ .

                                                                                        وفي الذخيرة قالوا الصفة إذا لم تكن داعية إلى اليمين إنما لا تعتبر في المعين إذا ذكرت على وجه التعريف أما إذا ذكرت على وجه الشرط تعتبر ، وهو الصحيح ألا ترى أن من قال لامرأته إن دخلت هذه الدار راكبة فهي طالق فدخلتها ماشية لا تطلق واعتبرت الصفة في المعين لما ذكرت على سبيل الشرط . ا هـ .

                                                                                        وفي الواقعات رجلان حلف كل واحد منهما أن لا يدخل على صاحبه فدخلا في المنزل معا لا يحنثان ; لأنه لم يدخل واحد منهما على صاحبه قال لأخ امرأته إن لم تدخل بيتي كما كنت تدخل فامرأته طالق فإن كان بينهما كلام يدل على الفور فهو على الفور ; لأن الحال أوجب التقييد ، وإلا كانت اليمين على الأبد ويقع اليمين على الدخول المعتاد قبل اليمين حتى لو امتنع الأخ مرة مما كان المعتاد يحنث ; لأن اليمين مطلقة فتنصرف إلى الأبد . ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط والولوالجية وغيرهما لو قال إن أدخلت فلانا بيتي فامرأته طالق فهو على أن يدخل بأمره ; لأنه متى دخل بأمره فقد أدخله ، ولو قال إن تركت فلانا يدخل بيتي فامرأته طالق فهو على الدخول بعلم الحالف فمتى علم ، ولم يمنع فقد ترك ، ولو قال إن دخل فلان بيتي فهو على الدخول أمر الحالف به أو لم يأمر علم به أو لم يعلم ; لأن الشرط هو الدخول ، وقد وجد . ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط لو قال إن دخل داري هذه أحد فعبدي حر والدار له ، ولغيره فدخلها هو لم يحنث ; لأن المعرفة لا تدخل تحت النكرة كما لو قال زوج بنتي من رجل لا يدخل المأمور تحت هذا الأمر ، ولو قال إن دخل هذه الدار أحد يحنث إذا دخل هو ، سواء كانت الدار له أو لغيره ; لأن النكرة تدخل تحت النكرة .

                                                                                        ولو قال إن دخل دارك أحد فالمنسوب إليه خارج عن اليمين ; لأنه صار معرفا بالإضافة وتمامه فيه ، وفي الخانية رجل قال لأمنعن فلانا من دخول داري فمنعه مرة بر في يمينه فإن رآه مرة ثانية ، ولم يمنعه لا شيء عليه . رجل حلف بطلاق امرأته أنه لم يدخل هذا اليوم ثم قال أوهمت وحلف بطلاق امرأة أخرى أنه قد دخلها اليوميلزمه طلاق الأولى ، ولا يلزمه طلاق الثانية ; لأنه يقول اليمين الأولى كذب والثانية صدق فلا يحنث في الثانية ، ولو حلف بعتق عبده أنه دخل هذه الدار اليوم ثم قال لم أدخله وحلف بعتق عبد آخر أنه لم يدخلها اليوم ثم رجع ، وقال قد دخلتها اليوم وحلف بعتق عبد آخر عتق العبيد الثلاث جميعا ; لأن الأول عتق بالكلام الثاني والوسط عتق بالكلام الثالث ، وعتق الثالث بعتق الأول ; لأن الحالف زعم أنه كاذب في الكل فيلزمه عتق الكل ، ولو قال إن دخلت الكوفة ، ولم أتزوج فعبدي حر فإن دخل قبل التزوج حنث ، ولو قال فلم أتزوج فهذا على أن يكون التزوج بعد الدخول حين يدخل ، ولو قال إن دخلت الكوفة ثم لم أتزوج فهو على أن يتزوج بعد الدخول على الأبد . ا هـ .

                                                                                        وفي القنية كان في البيت الشتوي فخاصم امرأته فقال إن دخلت هذا البيت إلى العيد فالحلال عليه حرام ثم قال نويت ذلك البيت بعينه يصدق حلف لا يدخل على هؤلاء القوم ثم دخل عتبة الباب فرأى واحدا منهم فرجع لا يحنث . ا هـ .

                                                                                        وفي الخلاصة قال لامرأته إن دخلت دار أبوك فكل امرأة أتزوجها فهي طالق فدخل دار أبيها ثم إنها حرمت عليه فتزوجها لا تطلق بتلك اليمين ; لأنها معرفة بإضافة اليمين فلا تدخل تحت [ ص: 332 ] النكرة هذا في مجموع النوازل ، وفي النوازل قال لامرأته إن دخلت الدار فنساء طوالق فدخلت الدار ، وقع الطلاق عليها ، وعلى غيرها والاعتماد على هذا دون ما ذكر في مجموع النوازل ، ولو قال لامرأته إن دخلت الدار فأنت طالق بغير خسران يشترط قبولها عند دخول الدار وتفسير غير الخسران إن وهبت المهر ثم دخلت الدار . ا هـ .

                                                                                        وفي العمدة لو قال لا أدع فلانا يدخل هذه الدار فإن لم تكن الدار ملكا له فالمنع بالقول ، وفي الملك بالقول والفعل ، ولو حلف لا يدخل دار فلان فاستعار فلان دار جاره واتخذ فيها وليمة ودخلها الحالف لا يحنث . ا هـ .

                                                                                        فقولهم إن المستعارة تضاف إليه معناه إذا سكنها لا إذا اتخذ فيها وليمة ، وفي العدة لو قال والله لا أدخل هذه الدار وأدخل هذه الدار فإذا دخل الأولى يحنث ، وإن دخل الثانية لا يحنث ، ولو قال والله لا أدخل هذه الدار أو أدخل هذه الدار بنصب اللام فإن دخل الدار الأولى أولا ثم دخل الثانية يحنث ، وإن دخل الثانية أولا ثم دخل الأولى لا يحنث ; لأن كلمة أو بمنزله حتى . ا هـ .

                                                                                        وفي مآل الفتاوى قال لا أدخل دار فلان أو دار الفلان لا فرق بينهما عند أبي يوسف ، ولو دخل دارا اشتراها بعد اليمين لا يحنث . ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قول المصنف ودوام الركوب واللبس والسكنى كالإنشاء ) قال الرملي قال في النهر : وعليه فرع بعض أهل العلم ما لو كان الحلف على الإثبات نحو والله لا ألبسن هذا الثوب غدا فاستمر لابسه حتى مضى الغد فإنه لا يحنث ; لأن لدوامه حكم الابتداء . ا هـ .

                                                                                        [ ص: 330 ] ( قوله : أو دهليز دار لم يحنث ) هكذا بعض النسخ ، وفي بعضها يحنث بدون لم [ ص: 331 ]

                                                                                        ( قوله : ألا ترى أن من قال لامرأته إن دخلت هذه راكبة إلخ ) لا يخفى أن الصفة هاهنا الركوب فإن أريد بالمعنى الدار المشار إليها فهذه الصفة ليست لها ، وإنما هي للمرأة تأمل والظاهر أن الإشارة بهذه للمرأة لا للدار فهذه فاعل دخلت والدار مفعوله [ ص: 332 ] ( قوله : فقولهم إن المستعارة تضاف إليه معناه إلخ ) قال الرملي كأنه يخص به كلامهم ، وهو غني عنه إذ صريح كلامهم في المستعارة للسكنى فخرج المستعارة لاتخاذ الوليمة ونحوها تأمل

                                                                                        .



                                                                                        الخدمات العلمية