الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وإن مات زيد سقط الحلف ) لما في الذخيرة إذ الأصل أن الحالف إذا جعل ليمينه غاية ، وفاتت الغاية بطلت اليمين عند أبي حنيفة ومحمد حتى إن من قال لغيره والله لا أكلمك حتى يأذن لي فلان أو قال لغريمه والله لا أفارقك حتى تقضيني حقي فمات فلان قبل الإذن أو برئ من المال فاليمين ساقطة في قولهما خلافا لأبي يوسف ، وعلى هذا لو حلف ليوفين ماله اليوم فأبرأه الطالب .

                                                                                        وعلى هذا تخرج جنس هذه المسائل إذا قال إن فعلت كذا ما دمت ببخارى فكذا فخرج من بخارى ثم رجع ، وفعل ذلك لا يحنث فيجب أن يعلم أن كلمة ما زال ، وما دام ، وما كان غاية تنتهي اليمين بها فإذا حلف لا يفعل كذا ما دام ببخارى فخرج تنتهي يمينه بالخروج فإذا عاد عاد واليمين منتهية فإذا فعل ذلك الفعل لا يحنث في يمينه كذا في فتاوى الفضلي ، وعلى هذا إذا حلف لا يصطاد ما دام فلان في هذه البلدة ، وفلان أمير هذه البلدة فخرج الأمير إلى بلدة أخرى لأمر فاصطاد الحالف قبل رجوعه أو بعد رجوعه لا يحنث في يمينه ; لأن اليمين ينتهي بخروج الأمير ، وفي فتاوى أبي الليث إذا حلف لا يدخل دار فلان ما دام فلان فيها فخرج فلان بأهله ثم عاد ودخل الحالف لا يحنث في يمينه ، وفي العيون إذا حلف لا يكلم فلانا ما دام في هذه الدار فخرج بمتاعه ، وأثاثه ثم عاد ، وكلمه لا يحنث ، وإذا قال والله لا أكلم فلانا ما دام عليه هذا الثوب أو ما كان عليه أو ما زال عليه فنزعه ثم لبسه ، وكلمه لا يحنث ، ولو قال لا أكلمه ، وعليه هذا الثوب فنزعه ثم لبسه ، وكلمه حنث ; لأن في هذه الصورة ما جعل اليمين موقتة بوقت بل قيده بصفة فتبقى اليمين ما بقيت تلك الصفة .

                                                                                        وفي فتاوى أبي الليث إذا قال لأبويه إن تزوجت ما دمتما حيين فكذا فتزوج امرأة في حياتهما حنث فلو تزوج امرأة أخرى في حياتهما لا يلزمه الحنث ، ولو كان قال كل امرأة أتزوجها ما دمتما حيين يلزمه الحنث بكل امرأة يتزوجها ما داما حيين فإذا مات أحدهما سقط اليمين حتى لو تزوج امرأة بعد ذلك لا يلزمه حكم الحنث ; لأن شرط الحنث التزوج ما داما حيين ، ولا يتصور ذلك بعد موت أحدهما فيسقط ، وإذا حلف لا يأكل هذا الطعام ما دام في ملك فلان فباع فلان بعضه ثم أكل الحالف الباقي لا يحنث ; لأن اليمين قد انتهى ببيع البعض ، ولو قال لغريمه والله لا أفارقك حتى تقضيني حقي اليوم ونيته أن لا يترك لزومه حتى يعطيه حقه فمضى اليوم ، ولم يفارقه ، ولم يعطه حقه لا يحنث فإن فارقه بعد مضي المدة يحنث ، وكذلك إذا قال لا أفارقك حتى أقدمك إلى السلطان اليوم أو حتى يخلصك السلطان مني فمضى اليوم ، ولم يفارقه ، ولم يقدمه إلى السلطان ، ولم يخلصه السلطان فهو سواء لا يحنث إلا بتركه ، ولو قدم اليوم فقال لا أفارقك اليوم حتى تعطيني حقي فمضى اليوم ، ولم يفارقه ، ولم يعطه حقه لم يحنث ، وإن فارقه بعد مضي اليوم لا يحنث ; لأنه وقت للفراق ذلك اليوم ، وتمام مسائلها فيها .

                                                                                        [ ص: 365 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 365 ] ( قوله : وفي فتاوى أبي الليث إلخ ) قال الرملي قيد بالأهل في الدار ، ولم يقيد به في فتاوى الفضلي في البلد ; لأنه في الدار ما دام أهله فيها يطلق عليه أنه فيها ، وإن خرج لنحو المسجد والسوق بخلاف البلدة فإنه لا يطلق عليه أنه فيها ، وهو خارجها تأمل . ا هـ .

                                                                                        وقال بعض الفضلاء سيأتي في باب اليمين في الضرب والقتل عن الواقعات حلف لا يشرب النبيذ ما دام ببخارى ففارق بخارى ثم عاد فشرب لا يحنث إلا إذا عنى بقوله ما دمت ببخارى أن تكون بخارى وطنا له . ا هـ .

                                                                                        أي فتعمل نيته ; لأنه شدد على نفسه والظاهر أن يقال هنا كذلك ( قوله : ثم أكل الباقي لا يحنث ) الذي يظهر تقييده بما إذا كان يمكنه أكل كله ، وقد تقدم ما يدل على ذلك كذا في حواشي مسكين لأبي السعود قلت : لكن علل المسألة في الخانية بقوله ; لأن شرط الحنث الأكل حال بقاء الكل في ملك فلان ، ولا يوجد . ا هـ . ومفاده عدم الحنث مطلقا لفقد الشرط .




                                                                                        الخدمات العلمية