الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وأما دم الشهيد فهو طاهر ما دام عليه فإذا أبين منه كان نجسا ، كذا في الظهيرية حتى لو حمله ملطخا به في الصلاة صحت وأراد بالبول كل بول سواء كان بول آدمي أو غيره إلا بول الخفاش فإنه طاهر كما سيأتي وإلا بول ما يؤكل لحمه فإنه سيصرح بتخفيفه وأطلقه فشمل بول الصغير الذي لم يطعم وشمل بول الهرة والفأرة وفيه اختلاف ففي البزازية بول الهرة أو الفأرة إذا أصاب الثوب لا يفسد وقيل إن زاد على قدر الدرهم أفسد وهو الظاهر . ا هـ .

                                                                                        وفي الخلاصة إذا بالت الهرة في الإناء أو على الثوب تنجس وكذا بول الفأرة وقال الفقيه أبو جعفر ينجس الإناء دون الثوب . ا هـ .

                                                                                        وهو حسن لعادة تخمير الأواني كذا في فتح القدير وفي المحيط وخرء الفأرة وبولها نجس [ ص: 242 ] ; لأنه يستحيل إلى نتن وفساد والاحتراز عنه ممكن في الماء وغير ممكن في الطعام والثياب فصار معفوا فيهما . ا هـ .

                                                                                        وهو يفيد أن المراد بقول أبي جعفر ينجس الإناء أي إناء الماء لا مطلق الإناء وفي فتاوى قاضي خان بول الهرة والفأرة وخرؤهما نجس في أظهر الروايات يفسد الماء والثوب وبول الخفافيش وخرؤها لا يفسد لتعذر الاحتراز عنه . ا هـ .

                                                                                        وبهذا كله ظهر أن مراد صاحب التجنيس بنقل الاتفاق بقوله بال السنور في البئر نزح كله ; لأن بوله نجس باتفاق الروايات وكذا لو أصاب الثوب أفسده اتفاق الروايات الظاهرة لا مطلقا لوجود الخلاف كما علمت وفي الظهيرية وبول الخفافيش ليس بنجس للضرورة وكذلك بول الفأرة ; لأنه لا يمكن التحرز عنه . ا هـ .

                                                                                        وهو صريح في نفي النجاسة ، ثم قال آخرا وبول الهرة نجس إلا على قول شاذ وفيها أيضا ومرارة كل شيء كبوله وجرة البعير حكمها حكم سرقينه ; لأنه توارى في جوفه والجرة بالكسر ما يخرجه البعير من جوفه إلى فمه فيأكله ثانيا والسرقين الزبل وأشار بالبول إلى أن كل ما يخرج من بدن الإنسان مما يوجب خروجه الوضوء أو الغسل فهو مغلظ كالغائط والبول والمني والمذي والودي والقيح والصديد والقيء إذا ملأ الفم ، أما ما دونه فطاهر على الصحيح وقيد بالخمر ; لأن بقية الأشربة المحرمة كالطلاء والسكر ونقيع الزبيب فيها ثلاثة روايات في رواية مغلظة وفي أخرى مخففة وفي أخرى طاهرة ذكرها في البدائع بخلاف الخمر فإنه مغلظ باتفاق الروايات ; لأن حرمتها قطعية وحرمة غير الخمر ليست قطعية وينبغي ترجيح التغليظ للأصل المتقدم كما لا يخفى فلا فرق بين الخمر وغيرها وكون الحرمة فيه ليست قطعية لا يوجب التخفيف ; لأن دليل التغليظ لا يشترط أن يكون قطعيا ، وأما قول صاحب الهداية بعد ذكر النجاسات الغليظة ; لأنها ثبتت بدليل مقطوع به فقال في فتح القدير معناه مقطوع بوجوب العمل به فالعمل بالظني واجب قطعا في الفروع ، وإن كان نفس وجوب مقتضاه ظنيا والأولى أن يريد دليل الإجماع . ا هـ .

                                                                                        وفي العناية المراد بالدليل القطعي أن يكون سالما من الأسباب الموجبة للتخفيف من تعارض النصين وتجاذب الاجتهاد والضرورات المخففة . ا هـ .

                                                                                        وأشار بخرء الدجاج إلى خرء كل طير لا يذرق في الهواء كالدجاج والبط لوجود معنى النجاسة فيه وهو كونه مستقذرا لتغييره إلى نتن وفساد رائحة فأشبه العذرة ، وفي الإوز عن أبي حنيفة روايتان روى أبو يوسف عنه أنه ليس بنجس وروى الحسن عنه أنه نجس كذا في البدائع وفي البزازية وخرء البط إذا كان يعيش بين الناس ولا يطير فكالدجاج ، وإن كان يطير ولا يعيش بين الناس فكالحمامة وقيد به ; لأن خرء الطيور التي تذرق في الهواء نوعان فما يؤكل لحمه كالحمام والعصفور فقد تقدم في بحث الآبار أنه طاهر وما لا يؤكل لحمه كالصقر والبازي والحدأة فسيذكر أنه مخفف وفيه خلاف نبينه إن شاء الله تعالى وصرح ببول ما لا يؤكل لحمه مع كونه داخلا في عموم البول لئلا يتوهم أن المراد بالبول بول الآدمي ولا خلاف في نجاسته ، وإنما الخلاف في بول ما يؤكل لحمه كما سيأتي وأشار بالروث والخثي إلى نجاسة خرء كل حيوان غير الطيور فالروث للحمار والفرس والخثي للبقر والبعر للإبل والغائط للآدمي

                                                                                        ولا خلاف في تغليظ غائط الآدمي ونجو الكلب ورجيع السباع واختلفوا فيما عداه فعنده غليظة لقوله عليه السلام { في الروثة أنها ركس } أي نجس ولم يعارض وعندهما خفيفة فإن مالكا يرى طهارتها ولعموم البلوى لامتلاء الطرق بخلاف بول الحمار وغيره مما لا يؤكل لحمه ; لأن الأرض تنشفه حتى رجع محمد آخرا إلى أنه لا يمنع الروث ، وإن فحش لما دخل الري مع الخليفة ورأى بلوى الناس من امتلاء الطرق والخانات بها وقاس المشايخ على قوله هذا طين بخارى ; لأن مشي الناس والدواب فيها واحد وعند ذلك يروى رجوعه في الخف حتى إذا أصابته عذرة يطهر بالدلك [ ص: 243 ] وفي الروث لا يحتاج إلى الدلك عنده ولأبي حنيفة أن الموجب للعمل النص لا الخلاف والبلوى في النعال ، وقد ظهر أثرها حتى طهرت بالدلك فإثبات أمر زائد على ذلك يكون بغير موجب وما قيل إن البلوى لا تعتبر في موضع النص عنده كبول الإنسان فممنوع بل تعتبر إذا تحققت بالنص النافي للحرج وهو ليس معارضة للنص بالرأي ، كذا في فتح القدير وفي الظهيرية والشعير الذي يوجد في بعر الإبل والشاة يغسل ويؤكل بخلاف ما يوجد في خثي البقر ; لأنه لا صلابة فيه ، خبز وجد في خلاله خرء الفأرة ، فإن كان صلبا يرمى الخرء ويؤكل الخبز ; لأنه طاهر ، ثم قال خرء الفأرة إذا وقع في إناء الدهن أو الماء لا يفسده وكذلك لو وقع في الحنطة . ا هـ .

                                                                                        وقد تقدم أنه يفسده وفيها أيضا البعر إذا وقع في المحلب عند الحلب فرمي قبل التفتت لا يتنجس وفي البزازية مشى في الطين أو أصابه لا يجب في الحكم غسله ولو صلى به جاز ما لم يتبين أثر النجاسة والاحتياط في الصلاة التي هي وجه دينه ومفاتيح رزقه وأول ما يسأل في الموقف وأول منزلة الآخرة لا غاية له ولهذا قلنا حمل المصلى أي السجادة أولى من تركه في زماننا ، دخل مربطا وأصاب رجله الأرواث جازت الصلاة معه ما لم يفحش . ا هـ .

                                                                                        وهو ترجيح لقولهما في الأرواث كما لا يخفى ، وقد نقلوا في كتب الفتاوى والشروح فروعا ونصوا على النجاسة ولم يصرحوا بالتغليظ والتخفيف والظاهر أنها مغلظة وأنها المرادة عند إطلاقهم ودخل فيها بعض الطاهرات تبعا في الذكر فمنها الأسآر النجسة ومنها ما في الفتاوى الظهيرية جلد الحية نجس ، وإن كانت مذبوحة ; لأن جلدها لا يحتمل الدباغة بخلاف قميصها فإنه طاهر والدودة الساقطة من السبيلين نجسة بخلاف الساقطة من اللحم فإنها طاهرة الحمار إذا شرب من العصير لا يجوز شربه ، الريح إذا مرت بالعذرات وأصابت الثوب المبلول يتنجس إن وجدت رائحة النجاسة فيه وما يصيب الثوب من بخارات النجاسات قيل يتنجس الثوب بها وقيل لا يتنجس وهو الصحيح ولو أصاب الثوب ما سال من الكنيف فالأحب أن يغسله ولا يجب ما لم يكن أكبر رأيه أنه نجس .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله : وأما دم الشهيد فهو طاهر إلخ ) قال ابن أمير حاج ; لأن دم الشهيد ما دام عليه محكوم بطهارته لضرورة جواز الصلاة عليه مع قيام الدم بخلاف ما لو انفصل الدم عنه فإنه يكون نجسا حتى لو أصاب ثوب إنسان أكبر من قدر الدرهم لم تجز صلاته لانعدام الضرورة حينئذ فلم يسقط اعتبار نجاسته ذكره رضي الدين في المحيط ، ثم قال في أثناء المسألة التي بعدها قال العبد الضعيف غفر الله تعالى له واعلم أن النظر إلى ما قدمناه عن المحيط من التعليل لجواز صلاة حامل الشهيد المتلطخ بدمائه الزائد على قدر الدرهم يفيد جواز صلاة حامل المسلم الميت المغسول الذي ليس بشهيد ، وقد أصابته نجاسة غليظة تزيد على قدر الدرهم ; لأن الظاهر أن النجاسة المذكورة به لا تمنع جواز الصلاة عليه وحينئذ فوضع المسألة في الشهيد اتفاقي وظاهر ما في الخلاصة من مسألة الرضيع المذكورة يفيد عام جواز صلاة حامل المسلم المذكور وهو أوجه وحينئذ فوضعه في الشهيد غير اتفاقي ويحتاج إلى تعليل غير المذكور لها إلى آخر ما قال الحلية فراجعه [ ص: 242 ] ( قوله : وفي الظهيرية وبول الخفافيش ليس بنجس للضرورة إلخ ) قال الشيخ علاء الدين الحصكفي وعليه الفتوى وعزاه إلى التتارخانية [ ص: 243 ] ( قوله : فإن كان صلبا إلخ ) قال ابن أمير حاج زاد في مختارات النوازل وإن كان متفتتا ما لم يتغير طعمه يؤكل أيضا ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية