الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        بسم الله الرحمن الرحيم [ ص: 2 ] ( باب خيار الشرط ) .

                                                                                        من إضافة الشيء إلى سببه لأن الشرط سبب للخيار وفي المصباح الخيار الاختيار وفسره في فتح الباري بالتخيير بين الإمضاء والفسخ وهو ثابت بالنص على غير القياس وحين ورد بالنص به جعلناه داخلا على الحكم مانعا له تقليلا لعمله بقدر الإمكان ولم نجعله داخلا على أصل البيع للنهي عن بيع بشرط البيع الذي شرط فيه الخيار يقال فيه علة اسما ومعنى لا حكما وللخالي عنه علة اسما ومعنى وحكما قال أهل الأصول الموانع خمسة مانع يمنع انعقاد العلة وهو حرية المبيع فلم ينعقد في الحر لعدم المحل ومانع يمنع تمامها كبيع مال الغير ومانع يمنع ابتداء الحكم وهو خيار الشرط ومانع يمنع تمامه كخيار الرؤية للمشتري ومانع يمنع لزومه كخيار العيب وقد حققنا في شرحنا على المنار أن تقسيمهم الموانع مبني على قول ضعيف للأصوليين وهو جواز تخصيص العلل وأما على الصحيح من أنه لا يجوز تخصيصها فلا مانع لها أصلا ففي كل موضع عدم الحكم فإنما هو لعدم العلة فتخلف الملك مع شرط الخيار إنما هو لعدم العلة لأنه البيع بلا خيار وقولهم فيما فيه خيار علة اسما ومعنى لا حكما مجاز على الصحيح لأن الموجود فيه شطر العلة لا كلها لأنها لا تتم إلا بأوصاف ثلاثة أن تكون موضوعة وأن تكون مؤثرة وأن يوجد الحكم عقبها بلا تراخ فما دام الخيار باقيا لم تتم العلة فإذا سقط تمت وتمامه في تقرير الأكمل في بحث تقسيم العلة إلى سبعة والخيارات في البيع لا تنحصر في الثلاثة كما قدمناه بل هي ثلاثة عشر خيارا والرابع خيار الغبن وسنتكلم عليه في المرابحة حيث ذكروه هناك والخامس خيار الكمية وقدمناه أول البيوع والسادس خيار الاستحقاق وسيأتي [ ص: 3 ] في باب خيار العيب والسابع خيار كشف الحال كما قدمناه والثامن خيار تفرق الصفقة بهلاك البعض قبل القبض وسيأتي أيضا والتاسع خيار إجازة عقد الفضولي والعاشر خيار فوات الوصف المشروط المستحق بالعقد كاشتراطه الكتابة والحادي عشر خيار التعيين الثاني عشر في المرابحة خيار الخيانة الثالث عشر من الخيارات خيار نقد الثمن وعدمه كما يأتي في هذا الباب ( قوله صح للمتبايعين أو لأحدهما ثلاثة أيام ) أي جاز للبائع وللمشتري معا أو لأحدهما في المدة المذكورة والظاهر أن الضمير يعود إلى الخيار وفي الوقاية والنقاية صح خيار الشرط فأبرزه والأولى ما في الإصلاح صح شرط الخيار لأن الموصوف بالصحة شرط الخيار لا نفس الخيار والأصل في ثبوته ما رواه ابن ماجه في سننه { أن حبان بن منقذ بن عمرو كان رجلا قد أصابته آمة في رأسه فكسرت أسنانه وكان لا يدع على ذلك التجارة فكان لا يزال يغبن فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك فقال له إذا أنت بايعت فقل لا خلابة ثم أنت في كل سلعة ابتعتها بالخيار ثلاث ليال فإذا رضيت فأمسك وإن سخطت فارددها على صاحبها } وحبان بفتح الحاء المهملة والباء الموحدة والخلابة الخداع وفائدة قوله لا خلابة أي لا خديعة في الدين لأن الدين النصيحة وللإعلام بأنه ليس من ذوي البصائر بالسلع فالواجب نصيحته فلا تخدعوه بشيء اعتمادا على معرفته بل انصحوه لأنه ليس عالما بها كذا في فتح الباري والآمة شجة تصيب أم الرأس وكان حبان ألثغ باللام فكان يقول لا خذابة فقوله { إذا بايعت } شامل للبائع والمشتري وبه اندفع قول سفيان الثوري إنه لا يجوز إلا للمشتري عملا بحديث الحاكم فجعل له الخيار فيما اشتراه ولأنه إنما جاز للحاجة إلى دفع الغبن بالتروي وهما فيها سواء وفي الخانية إذا شرط الخيار لهما لا يثبت حكم العقد أصلا . ا هـ .

                                                                                        وقيد بقوله للمتبايعين الدال على أن الشرط كان بعد العقد أو مقارنا للاحتراز عما إذا كان قبله فلو قال جعلتك بالخيار في البيع الذي نعقده ثم اشترى مطلقا لم يثبت كما في التتارخانية وأطلقه فشمل البيع الفاسد فهو كالصحيح يثبت فيه خيار الشرط ولما كان خلاف الأصل فإذا اختلفا في اشتراطه فالقول لمن أنكره عند الإمام في ظاهر الرواية وعند محمد القول لمدعيه والبينة للآخر كذا في الخانية وشمل ما إذا شرطاه وقت العقد أو ألحقاه به فلو قال أحدهما بعد البيع ولو بأيام جعلتك بالخيار ثلاثة أيام صح إجماعا فلو شرطاه بعده أزيد من الثلاثة فسد العقد عنده خلافا لهما كما لو ألحقا بالبيع شرطا فاسدا فإنه يلتحق ويفسد العقد عنده وعندهما لا يفسد ويبطل الشرط وفي جامع الفصولين هو يصح في ثمانية أشياء في بيع وإجارة وقسمة وصلح عن مال بعينه وبغير عينه وكتابة وخلع وعتق على مال لو شرط للمرأة والقن [ ص: 4 ] ولو شرط الخيار للراهن جاز لا للمرتهن إذ له نقض الرهن متى شاء بلا خيار ولو كفل بنفس أو مال وشرط الخيار للمكفول له أو للكفيل جاز . ا هـ .

                                                                                        ويصح شرط الخيار في الإبراء بأن قال أبرأتك على أني بالخيار ذكره فخر الإسلام من بحث الهزل ويصح أيضا اشتراطه في تسليم الشفعة بعد طلب المواثبة ذكره فيه أيضا ويصح اشتراطه في الحوالة أيضا وفي الوقف على قول أبي يوسف وينبغي صحته في المزارعة والمعاملة لأنها إجارة فهي خمسة عشر موضعا ولا يصح في النكاح والطلاق واليمين والنذر والإقرار بعقد والصرف والسلم والوكالة علله قاضي خان بأنه إنما يدخل في لازم يحتمل الفسخ وفي الولوالجية اشترى عبدا واشترط أن للمشتري خيار يومين بعد شهر رمضان والشراء في آخر رمضان فهو جائز ويكون له الخيار ثلاثة أيام اليوم الآخر من رمضان ويومين بعده لأنه سكت عن الخيار يوم العقد وأمكن تصحيح هذا العقد ولعل تصحيح هذا العقد باشتراط الخيار يوم العقد ويومين بعد رمضان ولو قال البائع للمشتري لا خيار لك في رمضان فالبيع فاسد لأنه تعذر تصحيح العقد . ا هـ .

                                                                                        وفي فتح القدير لو قال له أنت بالخيار فله خيار المجلس فقط ولو قال إلى الظهر فعند أبي حنيفة يستمر إلى أن يخرج وقت الظهر وعندهما لا تدخل الغاية ا هـ .

                                                                                        وكذا إلى الليل أو إلى ثلاثة أيام يدخل ما بعد إلى وشمل ما إذا شرطاه في كل المبيع أو بعضه لما في السراجية اشترى مكيلا أو موزونا أو عبدا وشرط الخيار له في نصفه أو ثلثه أو ربعه جاز مذكورة في الزيادات . ا هـ .

                                                                                        وسيأتي حكم ما إذا كان المبيع متعددا فجعل الخيار في البعض وهو خيار التعيين وفي التتارخانية وإذا اشترطه المشتري له في الثمن أو في المبيع كان له الخيار فيهما . ا هـ .

                                                                                        ولو اشترى عبدا بألف درهم على أن المشتري بالخيار فأعطاه بها مائة دينار ثم فسخ البيع فعن أبي يوسف الصرف جائز ويرد الدراهم والصرف باطل على قول أبي حنيفة كذا في التتارخانية فإن قلت : قد صرح فيه أنه لو أطلق الخيار فسد البيع ولا شك أن قوله أنت بالخيار أو لك الخيار إطلاق فما التوفيق قلت : قد صور في الولوالجية والخلاصة مسألة أنت بالخيار أنه باع بلا خيار ثم لقيه بعد مدة فقال له أنت بالخيار فله الخيار ما دام في المجلس بمنزلة قوله لك الإقالة بخلاف ما إذا أطلقاه وقت العقد وفي الخانية ابتداء التأجيل في البيع بثمن مؤجل بخيار من وقت سقوطه لا من وقت العقد سواء كان الخيار للبائع أو للمشتري وللشفيع الطلب وقت العقد حيث علم لا وقت السقوط ويطلب في بيع الفضولي وقت الإجازة وفي البيع الفاسد حين انقطاع الاسترداد وفي الهبة بشرط العوض روايتان في رواية يطلب عند القبض وفي رواية عند العقد وهو الصحيح ولو كان الخيار للبائع فصالحه المشتري على معين لإمضاء البيع صح ويكون زيادة في الثمن وكذا لو كان الخيار للمشتري فصالحه البائع على إسقاطه فحط عنه من الثمن كذا أو زاده عرضا جاز ا هـ .

                                                                                        فلو صالح البائع على إبطال البيع ويعطيه مائة ففعل انفسخ البيع ولا شيء له كذا في التتارخانية وأطلق في المتبايعين فشمل الأصيل والنائب فصح للوكيل والوصي كما في الخانية ولو أمره ببيع مطلق فعقد بخيار له أو للأمر أو لأجنبي صححاه ولو أمره ببيع بخيار للآمر فشرط لنفسه لا يجوز وإن كان اشتراط الخيار لنفسه اشتراطا للآمر لأن الآمر إذا أمره ببيع لا يكون للمأمور فيه رأي وتدبير ويكون للآمر كله وفيما يفعله يكون له رأي ويكون للآمر بطريق التبعية فيكون مخالفا ولو أمره بشراء بخيار للآمر فاشتراه بدون الخيار نفذ الشراء عليه دون الآمر للمخالفة بخلاف ما إذا أمره ببيع خيار فباع باتا حيث يبطل البيع أصلا كذا في الولوالجية فإن قلت : هل يصح تعليق إبطاله وإضافته قلت : قال في [ ص: 5 ] الخانية لو قال من له الخيار إن لم أفعل كذا اليوم فقد أبطلت خياري كان باطلا ولا يبطل خياره وكذا لو قال في خيار العيب إن لم أرده اليوم فقد أبطلت خياري ولم يرده اليوم لا يبطل خياره ولو لم يكن كذلك ولكن قال أبطلت غدا أو قال أبطلت خياري إذا جاء غد فجاء غد ذكر في المنتقى أنه يبطل خياره قال وليس هذا كالأول لأن هذا وقت يجيء لا محالة بخلاف الأول ا هـ .

                                                                                        فقد سووا بين التعليق والإضافة في المحقق مع أنهم لم يسووا بينهما في الطلاق والعتاق وفي التتارخانية لو كان الخيار للمشتري فقال إن لم أفسخ اليوم فقد رضيت وإن لم أفعل كذا فقد رضيت لا يصح ا هـ .

                                                                                        [ ص: 2 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 2 ] ( باب خيار الشرط ) .

                                                                                        [ ص: 3 ] ( قوله والسابع خيار كشف الحال كما قدمناه ) قال الرملي قدمه في شرح قوله وبانا أو حجر لا يعرف قدره بقوله بعد أن قال لو اشترى بوزن هذا الحجر ذهبا ثم أعلم به جاز وله الخيار وهذا الخيار خيار كشف الحال كما قدمناه في مسألة الحفيرة والمطمورة ( قوله والظاهر أن الضمير إلخ ) قال في النهر أقول : الضمير في صح يعود إلى المضاف إليه بقرينة صح ولقد أفصح المصنف عنه في الخلع حيث قال وصح شرط الخيار لها في الخلع لا له ومن غفل عن هذا قال ما قال ا هـ .

                                                                                        وفي حاشية أبي السعود عن الحموي الأولى أن يجعل الضمير راجعا إلى الخيار باعتبار كونه موصوفا بالمشروطية قبل الإضافة فإن إضافة خيار إلى الشرط من إضافة الموصوف لا الصفة ولا ينافيه قولهم إنه من إضافة الحكم إلى سببه والأصل باب الخيار المشروط على أن يكون المصدر بمعنى اسم المفعول يدلك على ذلك أن الموصوف بالصحة ليس الخيار فقط كما يوهمه كلام صدر الشريعة ولا الشرط فقط كما يوهمه كلام صاحب الإصلاح ( قوله والخلابة إلخ ) قال الرملي ذكر شيخ الإسلام زكريا في شرح الروض هنا فروعا وقواعدنا لا تأباها قال فرع قوله أي العاقد لا خلابة بكسر الخاء عبارة في الشرع عن اشتراط خيار الثلاث ومعناها لا غبن ولا خديعة فإن أطلقاها عالمين لا جاهلين ولا جاهل أحدهما معناها صح أي ثبت الخيار ، وإن أسقط من شرط له الخيار ثلاثة أيام خيار اليوم الأول بطل الكل قال في المجموع وإن أسقط خيار الثالث لم يسقط ما قبله أو خيار الثاني بشرط أن يبقى خيار الثالث سقط خيار اليومين جميعا لأنه كما لا يجوز أن يشرط خيارا متراخيا عن العقد لا يجوز أن يستبقي خيارا متراخيا وإنما أسقطنا اليومين تغليبا للإسقاط لأن الأصل لزوم العقد وإنما جوزنا خيار الشرط رخصة فإذا عرض له خلل حكم بلزوم العقد ا هـ .

                                                                                        فتأمله تجده موافقا لمذهبنا والله تعالى أعلم ا هـ .

                                                                                        ( قوله فهو كالصحيح يثبت فيه خيار الشرط ) قال في جامع الفصولين حتى لو باع قنا بألف درهم ورطل خمر بخيار فقبضه وحرره لم يجز لا نافذا ولا موقوفا ا هـ .

                                                                                        ( قوله وإجارة ) قال في جامع الفصولين لو استأجر [ ص: 4 ] بخيار له ثلاثة أيام جاز كبيع فلو فسخ في الثالث هل يجب على المستأجر أجر يومين أفتى ضط أنه لا يجب لأنه لم يتمكن من الانتفاع بحكم الخيار لأنه لو انتفع يبطل خياره ( قوله فهي خمسة عشر موضعا ) زاد في النهر واحدة أخرى وهي الإقالة حيث قال وفي البزازية الإقالة كالبيع يجوز شرط الخيار فيها وزاد على ما لا يصح الوصية أخذا من تعليل قاضي خان الآتي فقال قياسه أن لا يصح في الوصية ونظم القسمين ولم يستوف عدهما بل ترك من القسم الأول الكتابة والمزارعة والمعاملة أي المساقاة ومن الثاني الوصية وكأنه ترك الكتابة سهوا وما عداها لأنه غير منصوص وقد نظمت الجميع مشيرا إلى ما فيه البحث فقلت :

                                                                                        يصح خيار الشرط في ترك شفعة وبيع وإبراء ووقف كفالة وفي قسمة خلع وعتق إقالة
                                                                                        وصلح عن الأموال ثم الحوالة مكاتبة رهن كذاك إجارة
                                                                                        وزيد مساقاة مزارعة له وما صح في صرف نكاح إليه
                                                                                        وفي سلم نذر طلاق وكالة كذلك إقرار وزيد وصية
                                                                                        كما مر بحثنا فاغتنم ذي المقاله

                                                                                        ( قوله علله قاضي خان إلخ ) لينظر ذلك في الصرف والسلم فإنه غير لازم ويحتمل الفسخ [ ص: 5 ] ( قوله كان باطلا ولا يبطل خياره ) أقول : سيأتي في شتى البيوع قبيل باب الصرف أن مما لا يبطل بالشرط الفاسد تعليق الرد بالعيب وبخيار الشرط ومثل المؤلف هناك للأول بقوله بأن قال إن وجدت بالمبيع عيبا أرده عليك إن شاء فلان وللثاني بقوله بأن قال من له خيار الشرط في البيع رددت البيع أو قال أسقطت خياري إن شاء فلان فإنه يصح ويبطل الشرط ا هـ . فتأمل وسيأتي تمام الكلام عليه هناك إن شاء الله تعالى .




                                                                                        الخدمات العلمية