الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو أكثر لا ) أي لا يصح اشتراطه أكثر من ثلاثة أيام عند أبي حنيفة وقالا يجوز إذا سمى مدة معلومة لحديث ابن عمر أنه عليه السلام أجاز الخيار إلى شهرين وله أنه مخالف لمقتضى العقد وهو اللزوم ثبت نصا على خلاف القياس في المدة المذكورة للتروي وهو يحصل فيها فلا حاجة إلى ما زاد عليها ويدل عليه حديث عبد الرزاق { أن رجلا اشترى من رجل بعيرا وشرط عليه الخيار أربعة أيام فأبطل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيع } . وأما حديث ابن عمر فلم يعرف ولأنه جزء الدعوى لأنها جوازه أكثر من ثلاثة أيام طالت المدة أو قصرت وهو يقيد بمدة خاصة ولأنه يحتمل خيار الشرط وخيار الرؤية والعيب فلا يكون حجة وإطلاق المدة عنده كاشتراط الأكثر في عدم الجواز وإفساد البيع ولو قال المؤلف ولو أكثر أو مؤبدا أو مطلقا أو مؤقتا بوقت مجهول لكان أولى لأن البيع فاسد في هذه كلها كما في التتارخانية وهكذا إذا كان المبيع مما لا يتسارع إليه الفساد فإن كان مما يتسارع فحكمه في الخانية قال اشترى شيئا يتسارع إليه الفساد على أنه بالخيار ثلاثة أيام فالقياس لا يجبر المشتري على شيء وفي الاستحسان يقال للمشتري إما أن تفسخ البيع وإما أن تأخذ المبيع ولا شيء عليك من الثمن حتى تجيز البيع أو يفسد المبيع عندك دفعا للضرر من الجانبين وهو نظير ما لو ادعى في يد رجل شراء شيء يتسارع إليه الفساد كالسمكة الطرية وجحد المدعى عليه وأقام المدعي البينة ويخاف فسادها في مدة التزكية فإن القاضي يأمر مدعي الشراء أن ينقد الثمن ويأخذ السمكة ثم القاضي يبيعها من آخر ويأخذ ثمنها ويضع الثمن الأول والثاني على يد عدل فإن عدلت يقضي لمدعي الشراء بالثمن الثاني ويدفع الثمن الأول للبائع ولو ضاع الثمنان عند العدل يضيع الثمن الثاني من مال مدعي الشراء لأن بيع القاضي كبيعه وإن لم تعدل البينة فإنه يضمن قيمة السمكة للمدعى عليه لأن البيع لم يثبت وبقي أخذ مال الغير بجهة البيع فيكون مضمونا عليه بالقيمة ا هـ .

                                                                                        وفي الظهيرية ولو اشترى بيضا أو كفريا على أن البائع بالخيار فخرج الفرخ أو صار الكفري ثمرا بطل البيع لأنه لو بقي لبقي مع الخيار ولو بقي معه لم يقدر البائع على إجازته وإن أبى المشتري لكون المبيع صار شيئا آخر ولو باع قصيلا فلم يقبضه حتى صار حبا يبطل البيع في قول أبي حنيفة وفي قول أبي يوسف لا يبطل . ا هـ .

                                                                                        وفي الخانية اشترى شيئا في رمضان على أنه بالخيار ثلاثة أيام بعد شهر رمضان فسد العقد في قول أبي حنيفة لأن عنده ما قبل الشهر يكون داخلا في الخيار فيصير بمنزلة شرط الخيار أربعة أيام فيفسد العقد عنده وقال محمد له الخيار في رمضان وثلاثة أيام بعد رمضان ويجوز البيع وكذا لو كان الخيار للبائع على هذا الوجه ولو شرط المشتري على البائع فقال لا خيار لك في رمضان ولك الخيار ثلاثة أيام بعد مضي رمضان فسد البيع عند الكل لأنه لا وجه إلى تصحيح هذا العقد . ا هـ .

                                                                                        والإجارة كالبيع قال في البزازية استأجر على أنه بالخيار ثلاثة أيام يجوز وعلى أكثر على الخلاف . ا هـ .

                                                                                        وفي آخر إجارات الذخيرة قبيل الشفعة اشتراط الخيار في غير العقد لا يفسده وإن زاد على الثلاثة [ ص: 6 ] إجماعا ا هـ .

                                                                                        فهذا مما خالف فيه الإجارة البيع فإنهما إذا شرطاه بعد العقد أكثر من ثلاثة فسد البيع كما قدمناه وأما اشتراطه في الخلع فقدمناه في بابه أنه يصح اشتراطه لها أكثر من ثلاثة أيام عنده ويصح اشتراطه في الكفالة أكثر من ثلاثة ويصح اشتراطه للمحتال وهما في البزازية وأما اشتراطه في الوقف فجائز عند أبي يوسف بناء على أصله من اشتراط الغلة لنفسه ولما أفتوا بقوله هناك فينبغي أن يفتى به أيضا في جواز اشتراطه وقدمناه في الوقف وفي المعراج خذه وانظر إليه اليوم فإن رضيته أخذته بعشرة فهو خيار ولو باع على أن له أن يغله ويستخدمه جاز وهو على خياره وعلى أن يأكل من ثمره لا يجوز لأن الثمر له حصة من الثمن . ا هـ .

                                                                                        وفي الذخيرة وكذلك لو قال هو بيع لك إن شئت اليوم كان بيعا بخيار ( قوله فإذا أجاز في الثلاث صح ) لزوال المفسد قبل تقرره فانقلب صحيحا والضمير يعود إلى من له الخيار وقد اختلفوا في صفة العقد فقيل انعقد فاسدا ثم يعود صحيحا بزوال المفسد وهو قول العراقيين وعند الخراسانيين موقوف على إسقاط الشرط فبمضي جزء من الرابع يفسد فلا ينقلب صحيحا وهذا الطريق هي الأوجه واختارها الإمام السرخسي وفخر الإسلام وغيرهما من مشايخ ما وراء النهر كما في الفوائد الظهيرية والذخيرة ولكن الأول ظاهر الرواية وفي الخانية فإن أسقط الخيار في الأيام الثلاثة أو أعتق العبد أو مات العبد أو المشتري أو أحدث به ما يوجب لزوم البيعينقلب البيع جائزا في قول أبي حنيفة ويلزمه الثمن وإن حدث عند المشتري في الأيام الثلاثة عيب إن كان عيبا يحتمل زواله في مدة الخيار كالمرض لا يبطل خياره إلا أنه لا يملك الرد قبل زوال العيب وإن حدث به ما لا يحتمل الزوال لزمه البيع . ا هـ .

                                                                                        وفي المعراج لو شرط الخيار أبدا أو مطلقا أو مؤقتا بوقت مجهول فسد بالإجماع وأما في أربعة أيام ونحوها فكذلك عند أبي حنيفة ولو كان الخيار إلى قدوم فلان أو إلى هبوب الريح فأسقطاه لم يجز البيع عند أبي يوسف ولو شرط الخيار لنفسه بعد شهر جاز عند أبي يوسف في الشهر وله الخيار بعده يوما كذا في المجتبى ولم أرهم ذكروا للاختلاف السابق ثمرة وينبغي أنه لو كان عبدا فأعتقه قبل قبضه لم يصح على القول بانعقاده فاسدا ويصح على القول بالوقف وظاهر الخانية أنه ينقلب جائزا بالإعتاق فلم تظهر الثمرة ويمكن أن يقال تظهر في حل مباشرته وحرمتها كما لا يخفى وفي الإسبيجابي الأصل عند أصحابنا الثلاثة أن الفساد على ضربين فساد قوي دخل في صلب العقد وهو البدل أو المبدل وفساد ضعيف لم يدخل في صلب العقد وإنما دخل في شرط مستعار زائدا على العقد فالأول لا ينقلب إلى الجواز برفع المفسد كما إذا باع بألف درهم ورطل من خمر ثم حط عن المشتري الخمر لا ينقلب إلى الجواز وأما الفساد الضعيف فكمسألة الكتاب وأما إذا باع إلى الحصاد أو الدياس ثم أبطل صاحب الأجل الأجل أو نقد الثمن انقلب إلى الجواز ولو مضت المدة المجهولة تأكد ومن الثاني اشتراطه في عقد السلم فإن أبطله من له الخيار قبل التفرق صح إن كان رأس المال قائما ا هـ .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله ولو قال المؤلف ولو أكثر أو مؤبدا إلخ ) قال في النهر إنما اقتصر على الثلاث لأنه محل الخلاف والفساد فيما زاده بالإجماع كما في الدراية ا هـ .

                                                                                        وحق التعبير أن يقال إنما اقتصر على نفي الزيادة على الثلاث [ ص: 6 ] ( قوله في حل مباشرتها وحرمتها ) أي وحرمة المباشرة أي مباشرة العقد

                                                                                        .



                                                                                        الخدمات العلمية