الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله ولو باع على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع صح وإلى أربعة لا ) أي لا يصح يعني عندهما وقال محمد يجوز إلى ما سمياه والأصل فيه أن هذا في معنى اشتراط الخيار إذ الحاجة مست إلى الانفساخ عند عدم النقد تحرزا عن المماطلة في الفسخ فيكون ملحقا به فالإمام رحمه الله تعالى مر على أصله في الملحق به ونفي الزيادة على الثلاثة .

                                                                                        وكذا محمد في تجويز الزيادة وأبو يوسف أخذ في الأصل بالأثر وفي هذا بالقياس وفي هذه المسألة قياس آخر وإليه مال زفر وهو أنه [ ص: 7 ] بيع بشرط شرط فيه إقالة فاسدة لتعلقها بالشرط واشتراط الصحيح منها فيه مفسد فاشتراط الفاسد أولى وجه الاستحسان ما بينا كذا في الهداية وما ذكره من أن أبا يوسف مع الإمام قوله الأول وقد رجع عنه والذي رجع إليه أنه مع محمد كذا في غاية البيان وفي شرح المجمع الأصح أنه مع أبي حنيفة وكثير من المشايخ حكموا على قوله بالاضطراب وظاهر هذا الشرط أن المشتري إن لم ينقد الثمن في المدة فإن البيع ينفسخ لقوله فلا بيع بينهما ولذا قال في المحيط وينفسخ البيع إن لم ينقد فإن كان المبيع عبدا قد أعتقه أو باعه ثم لم ينقد الثمن حتى مضت الثلاثة نفذ عتقه وبيعه لأن هذا بمعنى شرط الخيار لأن الإجازة والفسخ تعلقا بفعل المشتري وهو النقد في الثلاثة وترك النقد فيها ولو أعتقه أو باعه في خيار الشرط يلزم البيع فكذا هذا ولو أعتقه بعد مضي الثلاثة ولم ينقد الثمن .

                                                                                        لم يذكره في ظاهر الرواية وذكر في النوادر وقال إن كان قبل القبض لا ينفذ عتقه وبعد القبض ينفذ ويجعل البيع فاسدا بمضي ثلاثة أيام متى ترك النقد ولم يجعله مفسوخا لأن قوله إن لم أنقد إلى ثلاثة أيام فلا بيع بيننا توقيت للبيع وليس بفسخ له نصا فمتى ترك النقد في الثلاثة صار كأنه قال بعتك هذا العبد إلى ثلاثة أيام فيكون توقيتا للبيع وهو لا يقبل التوقيت فصار بمنزلة شرط فاسد فيفسد البيع ا هـ .

                                                                                        وهذا ما قاله في الفوائد الظهيرية هنا مسألة لا بد من حفظها هي أنه إذا لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام يفسد البيع ولا ينفسخ حتى لو أعتقه المشتري وهو في يده نفذ لا إن كان في يد البائع ا هـ .

                                                                                        وقد علمت أنها رواية النوادر وفي الخانية ولو مضت الثلاثة ولم ينقده أشار في المأذون إلى أنه ينفسخ البيع والصحيح أنه يفسد ولا ينفسخ حتى لو أعتقه بعد الأيام الثلاثة نفذ إن كان في يده وعليه قيمته لا إن كان في يد البائع ا هـ .

                                                                                        والخلاف السابق فيما لو شرط الخيار أكثر من ثلاثة ثابت هنا فيفسد عنده ويرتفع بالنقد قبل مضي اليوم الثالث على ما ذهب إليه العراقيون وموقوف على ما ذهب إليه الخراسانيون كذا في الذخيرة وأشار المصنف إلى جواز هذا الشرط للبائع وفي الذخيرة وإذا باع عبدا ونقد الثمن على أن البائع إن رد الثمن إلى ثلاثة فلا بيع بينهما كان جائزا وهو بمعنى شرط الخيار للبائع ا هـ .

                                                                                        فإن أعتقه البائع صح إعتاقه وإن أعتقه المشتري لا يصح كذا في الخانية والعجب أن في مسألة الكتاب المنتفع بهذا الشرط هو البائع مع أنهم جعلوا الخيار للمشتري باعتبار أنه المتمكن من إمضاء البيع بالنقد ومن فسخه بعدمه وفي عكسه المنتفع بهذا الشرط هو المشتري مع أنهم جعلوا الخيار للبائع باعتبار أن البائع متمكن من الفسخ إن رد الثمن في المدة ومن الإمضاء إن لم يرده وفي الذخيرة والخانية ولو اشترى عبدا وقبضه وكل المشتري رجلا على أنه إن لم ينقد الثمن إلى خمسة عشر يوما فإن الوكيل يفسخ العقد بينهما جاز البيع لأن الشرط لم يكن في البيع فيجوز البيع ويصح الشرط حتى لو لم ينقد الثمن إلى خمسة عشر يوما كان للوكيل أن يفسخ وفي الخانية اشترى جارية على أنه إن لم ينقد الثمن إلى ثلاثة أيام فلا بيع بينهما وقبض المشتري فباع ولم ينقد الثمن حتى مضت الأيام الثلاثة جاز بيع المشتري وللبائع الأول على المشتري الأول الثمن كما لو باع بشرط الخيار للمشتري ثلاثة أيام وكذا لو قتلها المشتري في الأيام الثلاثة أو ماتت أو قتلها أجنبي خطأ وغرم القيمة لزم البيع ولو كان المشتري وطئها وهي بكر أو ثيب أو جنى عليها أو حدث بها عيب لا بفعل أحد ثم مضت الأيام الثلاثة قبل أن ينقد الثمن خير البائع إن شاء أخذها مع النقصان ولا شيء له من الثمن وإن شاء ترك وأخذ ثمنها ا هـ .

                                                                                        وفي المحيط لو قطع المشتري يدها وقبضها بعد الثلاثة ولم ينقد الثمن خير البائع إن شاء سلمها له وإن شاء أخذها ونصف الثمن وفي التتارخانية [ ص: 8 ] لو قطعها أجنبي في الثلاثة فقد لزم البيع ا هـ .

                                                                                        ثم قال في المحيط فإن كان أفتضها ضمنه من الثمن ما نقصها ولو ولدت بعد الثلاثة وماتت كان البائع بالخيار إن شاء أخذ الولد وضمنه حصتها من الثمن وإن شاء سلم الولد بالثمن مع أمه لأن البيع لا ينفسخ لعدم النقد في الثلاثة ما دام الولد قائما في يد المشتري لأن الزيادة المنفصلة مانعة من الانفساخ إلا أنه مات الأصل وبقي التبع فله أن يختار التبع بحصته من الثمن ولو كان الثمن عرضا أو عبدا أو حدث ذلك كله في الثلاث ثم مضت الثلاث فما يمنع الفسخ إذا كان الثمن دراهم يمنعه هنا وما لا فلا وما أثبت الخيار هناك أثبته هنا ولو مضت الثلاثة ثم حدث ذلك كله فهو مثل الإقالة لأنه لما مضت الثلاثة انتقض البيع وعاد كل عرض إلى ملك صاحبه ا هـ .

                                                                                        ثم اعلم بأن بالقاهرة بيعا يسمى بيع الأمانة كما ذكره الزيلعي ويسمى أيضا الرهن المعاد كما في الملتقط وسماه الفقهاء بيع الوفاء ويذكرونه في موضع من ثلاثة فمنهم كالبزازي من ذكره في البيع الفاسد ومنهم من ذكره هنا عند الكلام على خيار النقد كقاضي خان ومنهم من ذكره في الإكراه كالزيلعي وذكره هنا أنسب لأنه من أفراد مسألة خيار النقد .

                                                                                        وصورته أن يقول البائع للمشتري بعت منك هذا العين بدين لك علي على أني متى قضيت الدين فهو لي أو يقول البائع بعتك هذا بكذا على أني متى دفعت لك الثمن تدفع العين إلي فقد اختلفوا فيه على ثمانية أقوال مذكورة في البزازية الأول ما اختاره صاحب المنظومة أنه رهن حقيقة فلا يملكه المشتري ولا ينتفع به إلا بإذن البائع ويضمن ما أكل من نزله وما أتلف من الشجرة ويسقط الدين بهلاكه ولا يضمن ما زاد كالأمانة ويسترد عند قضاء الدين الثاني أنه بيع صحيح باتفاق مشايخ الزمان للعرف وما يفعله البائع من التعمير وأداء الخراج فهو بطريق الرضا لا الجبر كما لا يجبر على ترك الوفاء وجعله باتا وللمشتري المطالبة بالثمن فإن انهدمت الدار لا يجبر البائع على رد الثمن .

                                                                                        وكذا إذا كان المبيع عينا هلك فإنه يتم الأمر ولا سبيل لأحدهما على الآخر وذكر الزيلعي أن الفتوى على أنه بيع جائز مفيد لبعض أحكامه من حل الانتفاع به إلا أنه لا يملك بيعه للغير الثالث ما اختاره قاضي خان وقال الصحيح أنه إن وقع بلفظ البيع لا يكون رهنا ثم إن شرطا فسخه في العقد أو تلفظا بلفظ البيع بشرط الوفاء أو تلفظا بالبيع وعندهما هذا البيع غير لازم فالبيع فاسد وإن ذكرا البيع بلا شرط ثم شرطاه على وجه المواعدة جاز البيع ولزم الوفاء وقد يلزم الوعد لحاجة الناس فرارا من الربا فبلخ اعتادوا الدين والإجارة وهي لا تصح في الكروم وبخارى الإجارة الطويلة ولا يكون ذلك في الأشجار فاضطروا إلى بيعها وفاء وما ضاق على الناس أمر إلا اتسع حكمه وقد نص في غريب الرواية عن الإمام أن البيع لا يكون تلجئة حتى ينص عليها في العقد وهي والوفاء واحد الرابع ما قاله في العدة واختاره ظهير الدين أنه بيع فاسد ولو ألحقاه بالبيع التحق وأفسده ولو بعد المجلس على الصحيح ولو شرطاه ثم عقدا مطلقا إن لم يقرا بالبناء على الأول فالعقد جائز ولا عبرة بالسابق كما في التلجئة عند الإمام الخامس ما اختاره أئمة خوارزم أنه إذا أطلق البيع لكن وكل المشتري وكيلا يفسخ البيع إذا أحضر البائع الثمن أو عهد أنه إذا أوفاه يفسخ البيع والثمن لا يعادل المبيع وفيه غبن فاحش أو وضع المشتري على أصل المال ربحا بأن وضع على مائة عشرين دينارا فرهن وإلا فبيع بات .

                                                                                        القول السادس ما اختاره الإمام الزاهد أن الشرط إذا لم يذكر في البيع كان بيعا صحيحا في حق المشتري حتى ملك الإنزال ورهنا في حق البائع فلم يملك المشتري تحويل يده وملكه إلى غيره وأجبر على الرد إذا أحضر الدين لأنه كالزرافة مركب من البيع والرهن ككثير من الأحكام له حكمان كالهبة حال المرض وبشرط العوض فجعلناه [ ص: 9 ] كذلك لحاجة الناس إليه فرارا عن الربا فبلخ اعتادوا الدين والإجارة وهي لا تصح في الكروم .

                                                                                        وأهل بخارى اعتادوا الإجارة الطويلة ولا تمكن في الأشجار فاضطروا إلى بيعها وفاء وما ضاق على الناس أمر إلا اتسع حكمه .

                                                                                        وقد نص في غريب الرواية عن الإمام أن البيع لا يكون تلجئة حتى ينص عليها في العقدة وهي والوفاء واحد واختار الصدر الشهيد تاج الإسلام والإمام المرغيناني والإمام علاء الدين المعروف ببدر أن البيع بشرط الرد عند نقد الثمن أن المشتري يملكه وقال الإمام علاء الدين يملكه انتفاعا فإن باعه المشتري من غيره أجابوا سوى علاء الدين بصحة البيع الثاني لأنه سلمه البائع الأول إلى المشتري برضاه القول السابع أنه غير صحيح واختاره صاحب الهداية وأولاده ومشايخ زماننا وعليه الفتوى أعني لا يملك المشتري بيعه من الغير كما في بيع المكره لا كالبيع الفاسد بعد القبض وسئل الصدر عنه بأنه يجعل فاسدا ويمنع من الاسترداد بعد البيع من غيره كالفاسد وإن قضى الدين .

                                                                                        قال هذا كبيع المشتري من المكره قيل له فإن أكل المشتري غلة الكرم والأرض والدار قال حكمه حكم الزوائد في البيع الفاسد يعني أنه يضمنه إذا استهلكه ولا يغرم إن هلك كزوائد المغصوب القول الثامن الجامع لبعض المحققين أنه فاسد في حق بعض الأحكام حتى ملك كل منهما الفسخ وصحيح في حق بعض الأحكام كحل الإنزال ومنافع البيع ورهن في حق البعض حتى لم يملك المشتري بيعه من آخر ولا رهنه ولم يملك قطع الشجر ولا هدم البناء وسقط الدين بهلاكه وانقسم الثمن إن دخله نقصان كما في الرهن .

                                                                                        قلت : هذا العقد مركب من العقود الثلاثة كالزرافة فيها صفة البعير والبقر والنمر جوز لحاجة الناس إليه بشرط سلامة البدلين لصاحبهما ا هـ .

                                                                                        وفي المستطرف الزرافة حيوان عجيب الخلقة ولما كان مألوفها الشجر خلق الله يديها أطول من رجليها وهي ألوان عجيبة يقال إنها متولدة من ثلاث حيوانات الناقة الوحشية والضبع والبقرة الوحشية فينزو الضبع على الناقة فتأتي بذكر فينزو ذلك الذكر على البقرة فتتولد منه الزرافة والأصح أنه خلقة بذاته ذكر وأنثى كبقية الحيوانات وقد فرع في البزازية فروعا كثيرة يحتاج إليها في بيع الوفاء تركناها خوفا من الإطالة وينبغي أن لا يعدل في الإفتاء عن القول الجامع .

                                                                                        ( قوله فإن نقد في الثلاث صح ) يعني في قولهم جميعا وقدمنا صفة انعقاده في الابتداء إما فاسد أو موقوف كما في خيار الشرط ولم أر ثمرة للاختلاف فإنه إذا أسقطه قبل دخول الرابع جاز اتفاقا وإن دخل تقرر فساده اتفاقا ولعل الثمرة تظهر في حل الإقدام عليه وعدمه ويمكن أن يقال في ثبوت الملك بالقبض فمن قال بفساده أثبته ومن قال بالوقف نفاه .

                                                                                        [ ص: 7 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 7 ] ( قوله وفي الذخيرة والخانية ولو اشترى عبدا إلخ ) هذه من مسائل بيع الوفاء وما ذكر فيها من الحكم على القول الخامس الآتي في كلام المؤلف كذا نبه عليه في النهر [ ص: 8 ] ( قوله لأنه من أفراد مسألة خيار النقد ) قال في النهر إنما يكون من أفراده بناء على القول بفساده إن زاد على الثلاث لا على القول بصحته إذ خيار النقد مقيد بثلاثة أيام وبيع الوفاء غير مقيد بها فأنى يكون من أفراده [ ص: 9 ] ( قوله فبلخ إلخ ) هكذا وجد بعامة النسخ مكررا مع السابق وليس تكرارا في الحقيقة بل دعا إليه تعليل كل من القولين فليتأمل . ا هـ . مصححه




                                                                                        الخدمات العلمية