الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وللمشتري لو في الرؤية ) أي القول للمشتري مع يمينه لو قال البائع له رأيت قبل الشراء وقال المشتري ما رأيت أو قال له رأيت بعد الشراء ثم رضيت فقال رضيت قبل الرؤية ولذا أطلق في الكتاب لأن البائع يدعي أمرا عارضا هو العلم بالصفة والمشتري ينكره فالقول له وما في فتح القدير من أنه ينبغي أن يكون القول للبائع لأن الغالب في البياعات في الأسواق كون المشترين رأوا المبيع فدعوى البائع رؤية المشتري تمسك بالظاهر لأن الغالب هو الظاهر والمذهب أن القول لمن تمسك بالظاهر لا بالأصل إلا أن يعارضه ظاهر آخر ا هـ .

                                                                                        مدفوع بما ذكرناه في قاعدة أن الأصل العدم فراجعها إن شئت وفي المحيط لو أراد المشتري أن يرده فأنكر البائع كون المردود مبيعا فالقول للمشتري وكذلك في خيار الشرط لأنه انفسخ العقد برده وبقي ملك البائع في يده فيكون القول قول القابض في تعيين ملكه أمينا كان أو ضمينا كالمودع والغاصب فلو اختلفا في الرد بالعيب فالقول للبائع لأن العقد لا ينفسخ بفسخ المشتري حتى يلزمه القاضي فبقي المشتري مدعيا حق الفسخ والبائع ينكر فيكون القول له ا هـ .

                                                                                        وهذا ما كتبناه في الفوائد أن القول للقابض إلا في هذه المسألة وفي الظهيرية في مسألة الاختلاف في التعيين في خيار الشرط للمشتري وكانت السلعة غير مقبوضة فأراد المشتري إجازة العقد في عين في يد البائع فقال البائع ما بعتك هذا وقال المشتري بل بعتني هذا لم يذكر محمد هذه الصورة في شيء من الكتب وقالوا ينبغي أن يكون القول قول البائع كما لو ادعى بيع هذه العين وأنكر البائع البيع أصلا وأما إذا كان الخيار للبائع والعين غير مقبوضة فأراد البائع إلزام البيع في عين وقال المشتري ما اشتريت هذا ذكر أن القول للمشتري . ا هـ .

                                                                                        والحاصل أن الخلاف إن كان في التعيين مع خيار الشرط والسلعة مقبوضة فالقول للمشتري سواء كان الخيار له أو للبائع وإن لم تكن مقبوضة فإن كان الخيار للمشتري فالقول للبائع وعكسه فالقول للمشتري وإذااختلفا في اشتراط الخيار فالقول لمنكره عندهما وعنده لمدعيه كما في المجمع لأن منكره يدعي لزوم العقد ومدعيه ينكر اللزوم فالقول له وتمامه في شرح المجمع وفي القنية اختلفا في شرط الخيار وأقاما البينة فبينة مدعي الخيار أولى وفي البزازية أقر بقبض المشترى ثم قال لم أر كله لا يصدق ا هـ .

                                                                                        ( قوله ولو اشترى عدلا وباع منه ثوبا أو وهب رد بعيب لا بخيار رؤية أو شرط ) لأنه تعذر الرد فيما خرج عن ملكه وفي رد ما بقي تفريق الصفقة قبل التمام لأن خيار الرؤية والشرط يمنعان تمامها بخلاف خيار العيب لتمامها معه بعد القبض وترك المصنف قيد التسليم في الهبة ولا بد منه لأنه لا يخرج عن ملكه بها إلا معه ولذا قيدها به في الهداية والمفعول في كلامه مقدر أي رد ما بقي والمسألة موضوعة فيما إذا كان بعد القبض كما قيده به في الجامع الصغير وإلا لم يصح بيع الثوب قبل قبضه كذا في العناية أما قبله فالكل [ ص: 38 ] سواء لا تتم الصفقة معه نعم يقع الفرق بين القبض وعدمه فيما إذا اشترى شيئين ولم يقبضهما ثم اطلع على عيب بأحدهما فإنه لا يرد المعيب وحده بخلاف ما إذا كان بعد قبضهما فلو عاد إليه بسبب هو فسخ فهو على خيار الرؤية كذا ذكره شمس الأئمة السرخسي وعن أبي يوسف لا يعود بعد سقوطه لخيار الشرط وعليه اعتمد القدوري كذا في الهداية بخلاف ما إذا وهب عبده المدين ممن له الدين أو عبده الجاني من ولي الجناية ثم رجع في الهبة حيث يعودان عند أبي يوسف خلافا لمحمد والعذر لأبي يوسف أن حق خيار الرؤية أضعف منها كذا في الشرح والعدل المثل والمراد هنا الغرارة التي هي عدل غرارة أخرى على الجمل أو نحوه أي يعادلها وفيها أثواب وفي فتح القدير ما اعتمده القدوري صححه قاضي خان وحقيقة الملحظ تختلف فشمس الأئمة لحظ البيع والهبة مانعا زال فيعمل المقتضي وهو خيار الرؤية عمله ولحظ على هذه الرواية مسقطا وإذا سقط لا يعود بلا سبب وهذا أوجه لأن نفس هذا التصرف يدل على الرضا ويبطل الخيار قبل الرؤية وبعدها . ا هـ .

                                                                                        . والأوجه عندي ما ذكره شمس الأئمة السرخسي وقوله لأن نفس هذا التصرف إلى آخره ممنوع وإنما يدل لو تصرف في جميع المبيع وإنما الكلام هنا فيما إذا تصرف في البعض فحينئذ لو رد الباقي فقط لزم تفرق الصفقة فكان لزوم تفرقها مانعا من رد الباقي فإذا زال عمل المقتضي عمله وكأنه اختلط عليها بما إذا باع المبيع كله وسقط خياره ثم رد عليه بما هو فسخ فإنه لا يعود خياره كما قدمناه لكن لم يذكروا فيها خلافا والله تعالى أعلم .

                                                                                        [ ص: 37 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 37 ] ( قوله أما قبله فالكل سواء ) أي خيار العيب والرؤية والشرط [ ص: 38 ] ( قوله نعم يقع الفرق إلخ ) لم يظهر فرق فيما ذكره لأن المراد إظهاره قبل القبض ولا رد له فيه تأمل ( قوله وكأنه اختلط عليه ) أي على صاحب الفتح قال في النهر وأقول : هذا تهجم على مقام هذا الإمام مع عدم التدبر في الكلام وذلك أن جزمهم بعدم عود الخيار فيما إذا باع كله ثم عاد إليه بما هو فسخ من غير ذكر خلاف دليل بين لما اختاره القدوري إذ لو كانت العلة المؤثرة وجود المانع للزم إذا زال أن يعود لكنه لا يعود لأنه سقط وشأن الساقط أن لا يعود ودعوى أن بيع الكل مسقط وبيع البعض مانع تحكم ظاهر وهذا معنى قوله لأن نفس هذا التصرف إلخ فإن قلت : لو كان كذلك لما احتيج إلى التعليل بأن في الرد تفريق الصفقة قلت : لا مانع من أن يعلل الحكم بعلتين الرضا بالبيع ولزوم تفريق الصفقة غير أنه ما دام خارجا عن ملكه فالتعليل به أظهر فلهذا المعنى فتدبر .




                                                                                        الخدمات العلمية