الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وإن أعتقه على مال أو قتله أو كان طعاما فأكله أو بعضه لم يرجع بشيء ) أما الأول فلأنه حبس ما هو بدله وحبس البدل كحبس المبدل منه وقدمنا أن الكتابة بمعناه فلا رجوع وأما قتله وأكل الطعام فالمراد إتلاف المبيع من المشتري مانع من الرجوع بنقصان العيب وهو ظاهر الرواية لأن القتل لا يوجد إلا مضمونا وإنما يسقط هنا باعتبار الملك إن لم يكن مديونا فإن كان مديونا ضمنه السيد كذا في الكافي فصار كالمستفيد به عوضا بخلاف الإعتاق فإنه لا يوجب ضمانا وقتل غيره مانع من الرجوع بنقصه أيضا لوجوب الضمان به فهو كبيعه كذا في السراج الوهاج وأما الأكل فالمذكور قوله وأما عندهما فيرجع استحسانا وعلى هذا الخلاف إذا لبس الثوب حتى تخرق لهما أنه صنع بالمبيع ما يقصد بشرائه ويعتاد فعله له فأشبه الإعتاق وله أنه تعذر الرد بفعل مضمون منه في المبيع فأشبه البيع والقتل ولا يعتبر بكونه مقصودا ألا ترى [ ص: 59 ] أن المبيع إنما يقصد بالشراء ثم هو يمنع الرجوع وأكل البعض كأكل الكل لكونه كشيء واحد فصار كبيع البعض وعنهما يرجع بالنقصان في الكل وعنهما يرد ما بقي لأنه لا يضره التبعيض ويرجع بنقصان ما أكل وعليه الفتوى كذا في الاختيار .

                                                                                        والحاصل أن الفتوى على قولهما في الرجوع بالنقصان كما في الخلاصة ورد ما بقي قالوا والأصل في جنس هذه المسائل أن الرد متى امتنع بفعل مضمون من المشتري كالقتل والتمليك من غيره امتنع الرجوع بالنقصان ومتى امتنع لا من جهته أو من جهته بفعل مضمون كالهلاك بآفة سماوية أو انتقص أو ازداد زيادة مانعة للرد أو الإعتاق أو توابعه كالتدبير والاستيلاد لا يمتنع الرجوع بالنقصان وعلى هذا قال البزازي لو وطئ المشتري الجارية ثم باعها بعد العلم بالعيب لا يرجع وإن وطئها غير البائع ثم باعها يرجع بالنقصان ا هـ .

                                                                                        وفي المجتبى لو أطعمه ابنه الكبير أو الصغير أو امرأته أو مكاتبه أو ضيفه لا يرجع بشيء ولو أطعمه عبده أو مدبره أو أم ولده يرجع لأن ملكه باق ولو اشترى سمنا ذائبا وأكله ثم أقر البائع أنه كانت وقعت فيه فأرة رجع بالنقصان عندهما وبه يفتى وفي الكفاية كل تصرف يسقط خيار الشرط يسقط خيار العيب إذا وجد في ملكه بعد العلم بالعيب ولا رد ولا أرش ا هـ .

                                                                                        وفي القنية ولو كان غزلا فنسجه أو فيلقا فجعله إبريسما ثم ظهر أنه كان رطبا وانتقص وزنه رجع بنقصان العيب بخلاف ما إذا باع ا هـ .

                                                                                        قيد بالطعام لأنه لو اشترى كرما بثمره وذكر الثمر وأكل منها ثم وجد بالكرم عيبا فله رد الكرم كذا في القنية وقيد بكونه فعل بالمبيع لأنه لو أتلف كسب المبيع بعد العلم بالعيب لا يكون رضا ولا يسقط شيء من الثمن وكذا لو كان كسب المبيع جارية فوطئها أو حررها بخلاف إعتاق ولد المبيعة فإنه يكون رضا بعد العلم بالعيب كذا في البزازية .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله وأما عندهما فيرجع استحسانا ) قال بعض الفضلاء الذي في الهداية والعناية والفتح والتبيين أن الاستحسان عدم الرجوع وهو قول الإمام فليحرر ا هـ .

                                                                                        أقول : ما هنا ذكره صاحب الاختيار [ ص: 59 ] ( قوله وعنهما يرجع بالنقصان في الكل ) أي في مسألة أكل البعض وهو معنى قوله وأكل البعض كأكل الكل وعلى هذه الرواية لا يرد ما بقي ( قوله والحاصل أن الفتوى على قولهما في الرجوع بالنقصان ) أي في مسألة أكل الكل ولبس الثوب حتى تخرق وقوله ورد ما بقي أي في مسألة أكل البعض وقد مر عن الرملي أن مثل ما في الخلاصة مذكور في النهاية وغاية البيان ومثله في الخانية أيضا حيث قال وإن اشترى طعاما فأكل بعضه ثم علم بعيب كان عند البائع فإنه لا يرد الباقي وقال محمد يرد الباقي ويرجع بنقصان ما أكل ويعطي لكل بعض حكم نفسه وعليه الفتوى وهذا لو كان الطعام في وعاء واحد فلو في وعاءين فأكل ما في أحدهما أو باعه له رد الباقي بحصته في قولهم لأن المكيل والموزون بمنزلة أشياء مختلفة فكان الحكم فيه ما هو الحكم في العبدين والثوبين ونحو ذلك . ا هـ .

                                                                                        قال في النهر لكن جعل صاحب الهداية قوله استحسانا مع تأخيره وجوابه عن دليلهما يقرر مخالفته في كون الفتوى على قولهما . ا هـ .

                                                                                        وهذا الاستدراك مأخوذ من الفتح ويؤيده ما في الذخيرة حيث قال ولو لبس الثوب حتى تخرق من اللبس أو أكل الطعام ثم اطلع على عيب به قال أبو حنيفة رحمه الله تعالى لا يرجع بنقصان العيب وقالا يرجع والصحيح قول أبي حنيفة . ا هـ .

                                                                                        وقال العلامة قاسم لم تتفق المشايخ على اختيار قولهما بل من نظر إلى ثبوت الرواية وقوة الدليل صحح قول الإمام ومن نظر إلى الرفق بالناس اختار قول محمد ا هـ .




                                                                                        الخدمات العلمية