الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله : وإغماء وجنون ) أي وينقضه إغماء وجنون أما الإغماء فهو ضرب من المرض يضعف القوى ولا يزيل الحجا أي العقل بل يستره بخلاف الجنون ، فإنه يزيله ; ولذا لم يعصم النبي صلى الله عليه وسلم من الإغماء كالأمراض وعصم من الجنون ، وهو كالنوم في فوت الاختيار وفوت استعمال القدرة حتى بطلت عباراته بل أشد منه ; لأن النوم فترة أصلية ، وإذا نبه انتبه والإغماء عارض لا يتنبه صاحبه إذا نبه فكان حدثا بكل حال ; ولذا أطلقه في المختصر بخلاف النوم ، فإنه لا يكون حدثا إلا إذا استرخت مفاصله غاية الاسترخاء فغلب الخروج حينئذ فأقيم السبب مقامه بخلافه في غير هذه الحالة ، فإن الغالب فيها عدمه فلا يقام السبب مقامه فكان عدم النقض على أصل القياس الذي يقتضي أن غير الخارج لا ينقض ، وبهذا اندفع ما وقع في كثير من الكتب من أن القياس أن يكون النوم حدثا في الأحوال كلها وقد نقل النووي في شرح المهذب الإجماع على ناقضيه : الإغماء والجنون يقال أغمي عليه ، وهو مغمى عليه وغمي عليه فهو مغمي عليه ورجل غمى أي : مغمى عليه وكذا الاثنان والجمع والمؤنث وقد ثناه بعضهم وجمعه فقال رجلان أغميان ورجال أغماء

                                                                                        وأما الجنون فهو زوال العقل ونقضه ظاهر باعتبار عدم مبالاته وتمييز الحدث من غيره وعلله بعض المشايخ بغلبة الاسترخاء ورد بأن المجنون قد يكون أقوى من الصحيح فالأولى ما قلناه كذا في العناية ، وأما العته فلم أر من ذكره من النواقض ولا بد من بيان حقيقته وحكمه .

                                                                                        أما الأول فهو آفة توجب الاختلال بالعقل بحيث يصير مختلط الكلام فاسد التدبير ; لأنه لا يضرب ولا يشتم ، وأما الثاني فقد اختلف فيه على ثلاثة أقوال : ففي أصول فخر الإسلام وشمس الأئمة والمنار والمغني والتوضيح أنه كالصبي مع العقل في كل الأحكام فيوضع عنه الخطاب وفي التقويم لأبي زيد الدبوسي أن حكمه حكم الصبي مع العقل إلا في العبادات فإنا لم نسقط عنه الوجوب به احتياطا في وقت الخطاب ورده صدر الإسلام أبو اليسر بأنه نوع جنون فمنع الوجوب ; لأنه لا يقف على العواقب وفي أصول البستي أن المعتوه ليس بمكلف بأداء العبادات كالصبي العاقل إلا أنه إذا زال العته توجه عليه الخطاب بالأداء حالا وبقضاء ما مضى إذا لم يكن فيه حرج كالقليل فقد صرح بأنه يقضي القليل دون الكثير

                                                                                        وإن لم يكن مخاطبا فيما قبل كالنائم والمغمى عليه دون الصبي إذا بلغ ، وهو أقرب إلى التحقيق كذا في شرح المغني للهندي وظاهر [ ص: 42 ] كلام الكل الاتفاق على صحة أدائه العبادات أما من جعله مكلفا بها فظاهر ، وكذا من لم يجعله مكلفا ; لأنه جعله كالصبي العاقل ، وقد صرحوا بصحة عباداته فيفهم منه أن العته لا ينقض الوضوء والله سبحانه الموفق .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية