قوله ( وحرم الفضل والنساء بهما ) أي بالقدر والجنس لوجود العلة بتمامها ، والفضل الزيادة ، والنساء بالمد التأخير ، ولم يذكره في المصباح ، وإنما ذكر النسيء فقال والنسيء مهموز على فعيل ، ويجوز الإدغام لأنه زائد ، وهو التأخير ، والنسيئة على فعيلة مثله ، وهما اسمان من نسأ الله أجله من باب نفع ، وأنساه الله بألف إذا أخره . ا هـ .
وفي البناية النساء بفتح النون ، والمد البيع إلى أجل ، وفي فتح القدير أنه بالمد لا غير قوله ( والنساء فقط بأحدهما ) أي وحرم التأخير لا الفضل بوجود القدر فقط ، والجنس فقط ، وله صورتان إحداهما باع حنطة بشعير متفاضلا صح لا نسيئة ، الثانية باع ثوبا مرويا بمرويين جاز حاضرا ، ولو باع عبدا بعبد إلى أجل لا يجوز لوجود الجنس ، وقال الجنس بانفراده لا يحرم النساء لأنه لا يثبت بالتأخير إلا شبهة الفضل ، وحقيقة الفضل جائز فالشبهة أولى ، ولنا أنه مال الربا من وجه نظرا إلى القدر أو إلى الجنس ، والنقدية أوجبت فضلا في المالية فيتحقق شبهة الربا ، وهي مانعة عن الجواز كالحقيقة كذا في الهداية قال الشافعي مولانا الأكمل فيه بحث من وجهين أحدهما ما قيل إن كونه من مال الربا من وجه شبهة ، وكون الشبهة أوجبت فضلا شبهة فصارت شبهة الشبهة فالشبهة هي المعتبرة دون النازل عنها ، والثاني أن كونها شبهة الربا كالحقيقة إما أن يكون مطلقا أو في محل الحقيقة ، والأول ممنوع ، والثاني مسلم لكنها كانت جائزة فيما نحن فيه فيجب أن تكون الشبهة كذلك .
والجواب عن الأول أن الشبهة الأولى في المحل ، والثانية في الحكم ، وثمة شبهة أخرى ، وهي التي في العلة ، ولشبهة العلة والمحل تثبت شبهة الحكم لا شبهة الشبهة ، وعن الثاني أن القسمة غير حاصرة بل الشبهة مانعة في محل الشبهة إذا وجدت العلة بكمالها . ا هـ .
واستدل بعضهم لمذهبنا { } رواه بنهيه عليه السلام عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة أبو داود ، وقال الترمذي إنه حديث حسن صحيح قال والعمل عليه عند أكثر أهل العلم ، وتمامه في البناية ، وأورد أنه بعض العلة فلا يثبت به الحكم ، وأجيب بأنه علة تامة لحرمة النساء ، وإن كان بعض علة لحرمة الفضل فلا يؤدي إلى توزيع أجزاء الحكم على أجزاء العلة كذا في المعراج ، وأورد أيضا أن ظاهر قول المصنف ، والنساء فقط بأحدهما يمنع جواز إسلام النقود في الزعفران أو القطن لوجود القدر ، وهو الوزن مع أنه جائز فأجاب عنه في الهداية بأنهما لا يتفقان في صفة الوزن أما إذا اختلفا في المعنى فيجوز لأن النقود توزن بالصنجات ، والزعفران بالأمناء فنقول الدراهم مع الزعفران وإن اتفقا في الوزن صورة فقد اختلفا فيما يوزن به صورة ومعنى ، وحكما فيجوز التأخير أما الاختلاف الصوري فما بيناه .
وأما الاختلاف في المعنى فلأن النقود لا تتعين بالتعيين ، والزعفران ، ونحوه يتعين ، وأما الاختلاف في الأحكام فيجوز التصرف في النقود قبل قبضها بخلاف المثمن فلم يجمعهما القدر من كل وجه فنزلت الشبهة فيه إلى شبهة الشبهة فإن الموزونين إذا اتفقا كان المنع للشبهة ، وإذا لم يتفقا كان ذلك شبهة الوزن ، والوزن وحده شبهة فكان ذلك شبهة الشبهة ، وهي غير معتبرة ، والصنجات بتحريك النون جمع صنجة ، وعن لا يقال بالسين ، وإنما يقال بالصاد ، وفي المغرب الصنجات بالتحريك جمع صنجة بالتسكين ، وعن ابن السكيت الفراء بالسين أفصح ، وأنكر القتبي السين أصلا ، وفي فتح القدير الوجه أن يضاف تحريم الجنس بانفراده إلى السمع كما ذكرناه ، ويلحق به تأثير الكيل أو الوزن بانفراده ثم يستثنى إسلام النقود في الموزونات بالإجماع كي لا ينسد أكثر [ ص: 140 ] أبواب السلم ، وسائر الموزونات خلاف النقد لا يجوز إسلامه في الموزونات وإن اختلفت أجناسها كإسلام الحديد في قطن أو زيت في جبن وغير ذلك إلا إذا خرج من أن يكون وزنيا بالصنعة إلا في الذهب والفضة فلو أسلم سيفا فيما يوزن جاز إلا بالحديد لأن السيف خرج من أن يكون موزونا ، ومنعه في الحديد لاتحاد الجنس ، وكذا يجوز نحاسا كان أو حديدا . بيع إناء من غير النقدين بمثله من جنسه يدا بيد
وإن كان أحدهما أثقل من الآخر بخلافه من الذهب والفضة فإنه يجري فيها ربا الفضل ، وإن كانت لا تباع وزنا لأن صورة الوزن منصوص عليها فيهما فلا تتغير بالصنعة فلا تخرج عن الوزن بالعادة ، وأورد أنه ينبغي أن يجوز حينئذ إسلام الحنطة والشعير في الدراهم والدنانير لاختلاف طريقة الوزن أجيب بأن امتناعه لامتناع كون النقد مسلما فيه لأن المسلم فيه مبيع ، وهما متعينان للثمنية ، وهل يجوز بيعا قيل أن كان بلفظ البيع يجوز بيعا بثمن مؤجل ، وإن كان بلفظ السلم فقد قيل لا يجوز ، وقال ينبغي أن ينعقد بيعا بثمن مؤجل . ا هـ . الطحاوي
وأما إسلام الفلوس في الموزون ففي فتح القدير مقتضى ما ذكروه أن لا يجوز في زماننا لأنها ، وزنية . ا هـ .
وذكر الإسبيجابي جوازه قال لأنها عددية بخلاف ما إذا أسلم فلوسا في فلوس فإنه لا يجوز لأن الجنس بانفراده يحرم النساء . ا هـ .
والواقع في زماننا وزنها بدار الضرب فقط ، وأما التعامل في الأسواق فبالعد قوله ( وحلا بعدمهما ) أي حل الفضل والنساء عند انعدام القدر والجنس فيجوز بيع ثوب هروي بمرويين نسيئة ، والجوز بالبيض نسيئة لعدم العلة المحرمة ، وعدم العلة وإن كان لا يوجب عدم الحكم لكن إذا اتحدت العلة لزم من عدمها العدم لا بمعنى أنها تؤثر العدم بل لا تثبت الوجود لعدم علة الوجود فيبقى عدم الحكم وهو عدم الحرمة فيما نحن فيه على عدمه الأصلي ، وإذا عدم سبب الحرمة ، والأصل في البيع مطلقا الإباحة كان الثابت الحل .
[ ص: 139 ]