قوله ( ) ; لأنه صلى الله عليه وسلم { ويقضي في المسجد أو داره } { حكم بين المتلاعنين في المسجد } { ، وقال للمديون قم فاقضه بعد أمر الدائن بوضع الشطر ، وكانا في المسجد وقد ارتفعت أصواتهما وأمر بإقامة الحد وهو في المسجد } ، وقد لاعن رضي الله عنه عند منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم كما رواه عمر ، وأما كون المشرك يدخله للقضاء وهو نجس فلا يمنع ; لأن نجاسته نجاسة الاعتقاد على معنى التشبيه ، وأما الحائض فتخبر بحالها ليخرج إليها القاضي أو يرسل نائبه كما إذا كانت الدعوى في دابة ، وكذا السلطان يجلس في المسجد للحكم أطلق المسجد فشمل غير الجامع لكنه أولى ; لأنه أشهر ثم الذي تقام فيه الجماعات وإن لم تصل فيه الجمعة . البخاري
قال فخر الإسلام هذا إذا كان الجامع في وسط البلد أما إذا كان في طرف منها فلا لزيادة المشقة فالأولى أن يختار مسجدا في وسط البلد وفي السوق ، ويجوز أن يحكم في بيته وحيث كان إلا أن الأولى ما ذكرناه ، ويأذن للناس على العموم ولا يمنع أحدا ; لأن لكل أحد حقا في مجلسه ، والأولى أن يكون بيته في وسط البلد لما ذكرناه .
والحاصل أنه يجلس له في أشهر الأماكن ومجامع الناس ، وليس فيه حاجب ولا بواب ، وهو الأفضل ولا يحكم ، وهو ماش ولا راكب ولا بأس بالعقود على الطريق إذا كان لا يضيق على المارة ولا بأس بالحكم وهو [ ص: 303 ] متكئ والقضاء وهو مستو أفضل تعظيما لأمر القضاء ، ولا يجلس وحده ; لأنه يورث التهمة فينبغي أن يجالسه من كان يجلس معه قبل ذلك ، وروي أن رضي الله عنه ما كان يحكم حتى يحضر أربعة من الصحابة ويستحب أن يحضر مجلسه جماعة من الفقهاء ويشاورهم . عثمان
وكان يحضر أبو بكر عمر وعثمان رضي الله عنهم حتى قال وعليا يحضر مجلسه الفقهاء من كل مذهب ويشاورهم فيما يشكل عليه وفي المبسوط وإن دخله حصر في قعودهم عنده أو شغله عن شيء من أمور المسلمين جلس وحده فإن طباع الناس تختلف فمنهم من يمنعه من حشمة الفقهاء عن فصل القضاء ، ومنهم من يزداد قوة على ذلك فإن كان ممن يدخله حصر جلس وحده وفي المبسوط ما حاصله أنه ينبغي للقاضي أن يعتذر للمقضي عليه ويبين له وجه قضائه ، ويبين له أنه فهم حجته ولكن الحكم في الشرع كذا يقتضي القضاء عليه فلم يمكن غيره ليكون ذلك أدفع لشكايته للناس ونسبته إلى أنه جار عليه ، ومن يسمع يخل فربما تفسد العامة عرضه وهو بريء وإذا أمكن إقامة الحق مع عدم إيغار الصدور كان أولى كذا في فتح القدير وفي التتارخانية قال مشايخنا ينبغي للقاضي إذا أراد الحكم أن يقول للخصمين أحكم بينكما ، وهذا على وجه الاحتياط حتى إنه إذا كان في التقليد خلل يصير حكما بتحكيمهما وفي البزازية قضى القاضي بحق ثم أمره أن يسأل القضية ثانيا بمحضر من العلماء لا يفرض ذلك على القاضي ا هـ . وفيها وإن رأى أن يقعد معه أهل الفقه قعدوا ولا يشاورهم عند الخصوم ا هـ . أحمد
فعلى هذا إذا كانت عنده الفقهاء ووقعت الحادثة يخرج الخصوم أو يبعدهم ثم يشاور الفقهاء ، ولا يسلم ولا يسلم عليه إلا إذا كان الداخل الشاهد فله أن يسلم كما في الخانية ويصلي ركعتين تحية المسجد ، ويسند ظهره إلى المحراب ، والناس بين يديه يقفون مستقبلي القبلة فإن اعتراه هم أو غضب أو جوع أو حاجة حيوانية كف عنه حتى يزول ولا يتعب نفسه في طول الجلوس ولا يقضي وهو يدافع أحد الأخبثين ، وإن كان شابا قضى وطره من أهله ثم جلس للقضاء ولا يسمع من رجل حجتين أو أكثر في مجلس إلا أن يكون الناس قليلا ، ولا يقدم رجلا جاء غيره قبله ولا يضرب في المسجد حدا ولا تعزيرا كذا في البزازية .
والحاصل لا يقضي حال شغل قلبه ولو بفرح أو برد شديد أو حر شديد وأصله { } معلول به ، ولا ينبغي أن يتطوع بالصوم في اليوم الذي يريد الجلوس فيه كذا في فتح القدير وفي الظهيرية ، ويخرج في أحسن ثيابه وأعدل أحواله وله أن يتخذ بوابا ليمنع الخصوم من الازدحام ولا يباح للبواب أن يأخذ شيئا على الإذن في الدخول وإذا أخذ البواب شيئا وعلم القاضي به فقضى كان كالقضاء بالرشوة لا ينفذ كذا في شرح أدب القضاء ، وإذا جلسوا بين يديه قال لا يقضي القاضي وهو غضبان يقول أيكما المدعي فإذا عرفه يقول له ماذا تدعي وقال أبو يوسف لا يفعل ذلك ، وقول محمد أرفق دفعا للمهابة عنهم ، وإذا جاء رجل أراد إحضار خصمه الغائب دفع له طينة عليها ختم القاضي مكتوب فيها أجب خصمك إلى مجلس الحكم فإن كان في المصر أحضره أو قريبا منه ، وإن كان بعيدا فالقاضي لا يعديه بمجرد قوله حتى يقيم البينة . أبي يوسف
والفاصل بينهما أنه إن أمكنه أن يعود إلى أهله في ذلك اليوم فهو قريب ، وإلا فلا وقال يجب على الإمام أن ينصب قضاة على الكور فيما دون مدة السفر احترازا عن مشقة الأعداء ، وهو إزالة العدوان ويسقط الأعداء بعذر المرض أو كانت مخدرة فإن توارى الخصم في بيته ختم القاضي على بيته ، وجعل بيته عليه سجنا وسد أعلاه وأسفله حتى يضيق عليه الأمر فيخرج قال محمد الحلواني وأصحابنا لم يجوزوا الهجوم وصورته أن يبعث القاضي نساء يطلبنه في البيت وأعوانا يأخذون السفل [ ص: 304 ] والعلو كي لا يهرب وهذا هو القياس فعله رضي الله عنه والصالحون من بعده وتركوا فيه القياس فإن كان المديون يسكن دارا بأجرة ، وامتنع من الحضور اختلفوا في تسمير الباب ، والأصح أنه يسمر والتسمير الضرب بالمسامير ا هـ . عمر
فإن كانت الدار مشتركة فسمرها الحاكم لأجل أحد الشركاء للباقي أن يرفعوا الأمر إليه ليرفع المسامير ، وليس هذا من العدل كذا في التتارخانية وفيها للسلطان الختم على باب المديون ، وإن لم يتوار في بيته تضييقا عليه حتى يقضي الدين . ا هـ .
فعلى هذا له وضعه في الجاويش في زماننا ، وفي البزازية ويستعين بأعوان الوالي على الإحضار وأجرة الأشخاص في بيت المال وقيل على المتمرد في المصر من نصف درهم إلى درهم وفي الخارج لكل فرسخ ثلاثة دراهم أو أربعة وأجرة الموكل على المدعي ، وهو الأصح وفي الذخيرة أنه المشخص وهو المأمور بملازمة المدعى عليه ، وأطلق بعض المشايخ الذهاب إلى باب السلطان والاستعانة بأعوانه أولا لاستيفاء حقه قبل العجز عن الاستيفاء بالقاضي لكنه لا يفتى به إلا إذا عجز القاضي ، وإذا ثبت تمرده عن الحضور عاقبه بقدره ، وذكر الصدر الشهيد الاختلاف في قبول القاضي القصاص من الخصوم ، والمذهب عندنا أنه لا يأخذها إذا جلس للقضاء ، وإلا أخذها ثم ذكر الاختلاف في أن القاضي يؤاخذ بما كتب فيها ، والمذهب لا إلا إذا أقر بلفظه صريحا وفي السراج الوهاج وينبغي للقاضي أن يتخذ كاتبا صالحا عفيفا ويقعده بحيث يراه أهلا للشهادة لا ذميا ولا عبدا ولا صبيا ولا ممن لا تجوز شهادته فيكتب الخصومة ويجعلها في قمطره ، ويجعل لكل شهر قمطرا .
[ ص: 303 ]