والحاصل أنه إن طعن الخصم سأل عنهم في الكل وإلا سأل في الحدود والقصاص وفي غيرها محل الاختلاف وقيل هذا اختلاف عصر وزمان والفتوى على قولهما في هذا الزمان كذا في الهداية ومحل السؤال على قولهما عند جهل القاضي بحالهم ولذا قال في الملتقط القاضي إذا عرف الشهود بجرح أو عدالة لا يسأل عنهم ا هـ .
ولم يذكر المؤلف صفة السؤال وصرح في الهداية بأنه لا بد منه ولم يبين أنه شرط أو لا وفي الملتقط قال التزكية بدعة وقال أبو حنيفة لو أبو يوسف أجزأت . ا هـ . قضى القاضي بغير تزكية الشهود
فأفاد أن السؤال ليس بشرط صحة عندهما خصوصا قدمنا عن الهداية أنه لو يصح عندنا من غير حكاية خلاف فكيف إذا قضى بشهادة المستور فلو قضى ثم ظهر أن الشهود فسقة لم ينقض القضاء وفي المحيط البرهاني من الحدود لو قضى بالحد ببينة ثم ظهر أنهم فساق بعدما رجم فإنه لا ضمان على القاضي ; لأنه لم يظهر الخطأ بيقين ا هـ . قضى بشهادة الفاسق
وهذا يدل على أن القاضي لو قضى في الحدود قبل السؤال بظاهر العدالة فإنه يصح وإن كان آثما فقوله في الهداية يشترط الاستقصاء معناه يجب ومعنى قول الإمام يقتصر الحاكم يجوز اقتصاره لا أنه يجب اقتصاره وفي التهذيب للقلانسي وفي زماننا لما تعذرت التزكية بغلبة الفسق اختار القضاة كما اختار استحلاف الشهود لغلبة الظن ا هـ . ابن أبي ليلى
قلت : ولا يضعفه ما في الكتب المعتمدة كالخلاصة والبزازية من أنه لا يمين على الشاهد ; لأنه عند ظهور عدالته والكلام عند خفائها خصوصا في زماننا أن الشاهد مجهول الحال وكذا المزكي غالبا والمجهول لا يعرف المجهول وفي الملتقط عن غسان بن محمد المروزي قال قدمت الكوفة قاضيا عليها فوجدت فيها مائة وعشرين عدلا فطلبت أسرارهم فرددتهم إلى ستة ثم أسقطت أربعة فلما رأيت ذلك استعفيت واعتزلت .
قال الفقيه لو استقصى القاضي مثل ذلك لضاق الأمر ولا يوجد مؤمن بغير عيب كما قيل
فلست بمستبق أخا لا تلمه على شعث أي الرجال المهذب
وقال رضي الله عنه إن الله تعالى تولى منكم السرائر وذوى عنكم بالبينات ا هـ . عمرثم التزكية [ ص: 64 ] في السر أن يبعث المستورة إلى المعدل فيها النسب والحلي والمصلي ويردها المعدل كل ذلك في السر كي لا يظهر فيخدع أو يقصد وفي الخانية لا بد من أن يجمع بين المعدل والشاهد لتنتفي شبهة تعديل غيره وقد كانت العلانية وحدها في الصدر الأول ووقع الاكتفاء بالسر في زماننا تحرزا عن الفتنة ويروى عن تزكية العلانية بلاء وفتنة ثم قيل لا بد أن يقول المعدل هو عدل جائز الشهادة ; لأن العبد قد يعدل وقيل يكتفى بقوله هو عدل ; لأن الحرية ثابتة بأصل الدار وهذا أصح كما في الهداية وفي السراجية والفتوى على أنه يسأل في السر وقد تركت التزكية في العلانية في زماننا كي لا يخدع المزكي ولا يخون ا هـ . محمد
فقد علمت أن ما في المتن على خلاف المفتى به وهو الاقتصار على السر ويدل عليه ما في الهداية أيضا والمستورة اسم الرقعة التي كتبها القاضي ويبعثها سرا بيد أمينه إلى المزكي سميت المستورة ; لأنها تستر عن نظر العوام .
كذا في النهاية فمن عرف الشاهد بالعدالة كتب تحت اسمه هو عدل جائز الشهادة ومن لم يعرفه بشيء كتب هو مستور ومن عرفه بالفسق لم يصرح بل يسكت احترازا عن هتك الستر أو يكتب الله أعلم به إلا إذا عدله غيره وخاف أنه لو لم يصرح بذلك يقضي القاضي بشهادته فحينئذ يصرح بذلك كذا في غاية البيان وأراد بقوله ويسأل عن الشهود أي عن عدالتهم على حذف مضاف وإنما قدرناه ; لأنه لا يسأل عن حرية الشاهد وإسلامه ما لم ينازعه الخصم وما ذكره في الجامع من أن الناس أحرار إلا في الشهادة والحدود والقصاص والعقل فإنه لا يكتفى بظاهر الحرية في هذه المواضع بل يسأل محمول على ما إذا طعن الخصم بالرق كما قيده رحمه الله كذا ذكر الشارح وثبوت حرية الشاهد إما بإقامة البينة عليها أو بالإخبار للقاضي كالعدالة والأول أحب وأحسن ; لأن الأهلية للشهادة لا تثبت إلا بالحرية وتثبت بدون العدالة ولأن الحرية والرق من حقوق العباد تجري فيها الخصومة وطريق الإثبات في مثلها للبينة فأما العدالة فلا تجري فيها الخصومة فيمكن معرفتها بالسؤال عن حاله كذا في المبسوط وفي القنية القدوري فللقاضي أن يسأله عن الإيمان إن اتهمه بذلك وإن كان يشهد بوحدانية الله تعالى ورسالة قال المدعى عليه في الشاهد أنه كافر بالله تعالى محمد صلى الله عليه وسلم تقبل شهادته وكذا لو قال أنا مسلم ولست بكافر ولو سأله الحاكم فذكر في خلال سؤاله ما لا يجوز على الله للتجربة فهذا جهل من القاضي وحمق وقد أساء فيما فعل ولو جوز هذا كان وبالا على جميع المسلمين خصوصا في قضاة أهل الرساتيق فلو أنه تحمق وفعل لا يقبل شهادته . ا هـ .
وأطلق في السؤال عن الشهود فشمل المسلم والكافر فيسأل عن النصراني إذا شهد على مثله وفي فتاوى عمر قارئ الهداية تزكية الذمي أن يزكيه بالأمانة في دينه ولسانه ويده وأنه صاحب يقظة ا هـ .
وقد أخذه من فتاوى الولوالجي وفي الملتقط قبلت شهادته ا هـ . وفيه إذا سكر الذمي لا تقبل شهادته ا هـ . نصراني عدل ثم أسلم
وشمل السؤال عنه إذا شهد حين بلغ وهو ظاهر الخانية وفي الملتقط صبي احتلم لا أقبل شهادته ما لم أسأل عنه ولا بد أن يتأتى بعد البلوغ بقدر ما يقع في قلوب أهل مسجده ومحلته كما في الغريب أنه صالح أو غيره ا هـ .
وفرق في الظهيرية بينهما بأن النصراني كان له شهادة مقبولة قبل إسلامه بخلاف الصبي وهذا يدل على أن الأصل عدم العدالة ولم يذكر المؤلف ما يقوله المزكي إذا سئل ; لأنه يختلف باختلاف الناس وقدمنا أنه يقول هو عدل وفي البزازية وينبغي أن يعدل قطعا ولا يقول هم عدول عندي لإخبار الثقات به ولو قال لا أعلم منهم إلا خيرا فهو تعديل في الأصح وفي النوازل التعديل أن يقول هم عدول عندي جازت شهادتهم وفي المنتقى إذا قال المزكي لا أعلم فيه إلا خيرا يكفي وإذا جرح الجارح الشهود يقول القاضي للمدعي زدني شهودا أو يقول لم تحمد شهودك ويكتب القاضي أسماء الشهود أولا ثم اسم من عدل . ا هـ .
وفي الملتقط عن التزكية أن يقول لا أعلم منه إلا خيرا وعن أبي يوسف [ ص: 65 ] أنه لو قال لا بأس به فقد عدله وعن أبي يوسف محمد بن سلمة أن يقول هذا عندي عدل مرضي جائز الشهادة ا هـ .
واختار السرخسي أنه لا يكتفي بقوله هو عدل لأن المحدود في قذف بعد التوبة عدل غير جائز الشهادة وكذا الأب إذا شهد لابنه فلا بد من زيادة جائز الشهادة كما في الظهيرية وينبغي ترجيحه وفي الظهيرية من كتاب الشروط جواب المزكي على ثلاث مراتب أعلاها جائز الشهادات أو عدل خلافا للسرخسي في الثاني والثانية ثقة وهو من لا تقبل شهادته لا لفسقه ولكن لغفلة أو نحوها وبعض القضاة يقيمون كل ثقتين مقام عدل كذا ذكر الشيخ الإمام الحاكم السمرقندي والمرتبة الثالثة مستور والمستور هو الفاسق وفي عرف مشايخنا من لا يعرف حاله . ا هـ .
ويكتفي بالسكوت من أهل العلم والصلاح فيكون سكوته تزكية للشاهد لما في الملتقط وكان الليث بن مساور قاضيا فاحتاج إلى تعديل شاهد وكان المزكي مريضا فعاده القاضي وسأله عن الشاهد فسكت المعدل ثم سأله فسكت فقال أسألك ولا تجيبني فقال المعدل أما يكفيك من مثلي السكوت ولما استقضى أرسل الأمير إلى أبو مطيع يعقوب القارئ يشاوره فسأله الرسول في الطريق عن فقال أبي مطيع يعقوب أبو مطيع قال أبو مطيع محمد بن سلمة إذا كان المعدل مثل يعقوب القارئ فلا بأس بمثل هذا التعديل . ا هـ .
وسيأتي في مسائل الطعن في الشاهد عند بيان الجرح المجرد وغيره ولكن يحتاج هنا إلى بيان مسائل تعارض الجرح والتعديل فإذا سأل القاضي عن الشاهد ولم يزك طلب غيره فإن زكاه واحد وجرحه واحد فقد تعارضا فقال في البزازية فإن عدله أحدهما وجرحه الآخر تعارضا كأنه لم يسأل أحدا وإن عدله الثالث فالتعديل أولى وإن جرحه الثالث فالجرح أولى وذكر الصدر إذا جرح واحد وعدل واحد فعند الإمامين الجرح أولى كما لو كانا اثنين
وعند ما لم يتم بالواحد توقف الشهادة ولا يجيز حتى يسأل الآخر فإن جرحه تم الجرح وإن عدله تم التعديل فإن جرحه واحد وعدله اثنان فالتعديل أولى عندهم وإن جرحه اثنان وعدله عشرة فالجرح أولى فلو قال المدعي بعد الجرح أنا أجيء بقوم صالحين يعدلونهم قال في العيون قبل ذلك وفي النوادر أنه لا يقبل وهو اختيار محمد ظهير الدين وعلى قول من يقبل إذا جاء بقوم ثقة يعدلونهم فالقاضي يسأل الجارحين فلعلهم جرحوا بما لا يكون جرحا عند القاضي لا يلتفت إلى جرحهم هذا ألطف الأقاويل ولو عدل الشهود سرا فقال الخصم أجيء في العلانية بمن يبين فيهم ما ترد به شهادتهم لا تقبل مقالته إلى أن قال إن الجرح أولى إلا إذا كان بينهم تعصب فإنه لا يقبل جرحهم لأن أصل الشهادة لا تقبل عند التعصب فالجرح أولى . ا هـ .
وقد ظهر من إطلاق كلامهم هنا أن الجرح يقدم على التعديل سواء كان مجردا أو لا عند سؤال القاضي عن الشاهد والتفصيل الآتي من أنه إن كان مجردا لا تسمع البينة به أو لا فتسمع إنما هو عند طعن الخصم في الشاهد علانية لكن في الملتقط فلو عدل فقال قوم إنا رأيناه أمس سكران أو يبايع بالربا أو يشرب الخمر إن كان شيئا يلزمه فيه حق من حد أو مال يرد على صاحبه ردت شهادته وإلا لا ا هـ .
وينبغي حمله على ما إذا كان علانية أما إذا أخبروه سرا فلا وسيأتي تمامه إن شاء الله تعالى وشمل إطلاقه ما إذا كان الشاهد غريبا فإن كان غريبا ولا يجد معدلا فإنه يكتب إلى قاضي بلده ليخبره عن حاله كما في البزازية وفي كشف الأسرار شرح أصول فخر الإسلام من بحث المجمل أنه على مثال رجل دخل بلدة لا يعرفه أهلها بالتأمل فيه بل بالرجوع إلى أهل بلدته حتى لو شهد لا يحل للقاضي أن يقضي بشهادته ولا للمزكي أن يعدله إلا بالرجوع إلى أهل بلدته ليعرف ا هـ .
وظاهر إطلاقه أيضا أنه يسأل عنهم في كل حادثة شهدوا فيها لكن قالوا لو عدل في حادثة وقضى به ثم شهد في أخرى فإن بعدت المدة أعيد وإلا لا وكذا غريب نزل بين ظهراني قوم لا يعدله قبل مضي ذلك الزمان .
وكذا إذا تخللت تلك المدة بين الشهادة والتعديل هل يؤثر في قبول الشهادة الماضية وكان الإمام الثاني يقول ذلك الزمان ستة أشهر ثم رجع إلى سنة لم يقدره بل على [ ص: 66 ] ما يقع في القلوب الوثوق وعليه الفتوى كذا في البزازية وفيها أيضا وفي المنتقى ومحمد حكم وكتب به وإذا فعل ذلك لا يقبل القاضي الآخر هذه الشهادة فإن كان الأول لم يحكم برد شهادتهم للثاني أن يقبل إذا عدلوا ا هـ . شهدوا بمال فلم يعدلوا فطلب المدعى عليه من القاضي أن يكتب وثيقة ويحكم بأنه مردود الشهادة حتى لا يقبله قاض آخر
وفي الملتقط وإذا أبطل القاضي شهادته في دار فجاء بعد عشرين سنة فشهد بها أيضا لآخر فشهادته باطلة ا هـ .
وفي الخلاصة من لم تقبل إلا في أربعة الصبي والعبد والكافر على المسلم والأعمى إذا شهدوا فردت ثم زال المانع فشهدوا تقبل ا هـ . ردت شهادته في حادثة لعلة ثم زالت تلك العلة فشهد
ثم اعلم أنه يفرق بين المردود لتهمة وبين المردود لشبهة فالثاني يقبل عند زوال المانع بخلاف الأول فإنه لا يقبل مطلقا أشار إليه في النوازل ولو قال المؤلف سرا ثم علنا بثم دون الواو لكان أولى وإن أمكن حملها عليها ليفيد أنه لا بد من تقديم تزكية السر على العلانية لما في الملتقط عن لا أقبل تزكية العلانية حتى يزكى في السر ا هـ . أبي يوسف
وشمل الشاهد الأصلي والفرعي فيسأله عن الكل كذا عن وعن أبي يوسف يسأل عن الأولين فإن زكيا سأل عن الآخرين كذا في الملتقط . محمد
( تنبيه ) لا تجوز التزكية إلا أن تعرفه أنت أو وصف لك أو عرفت أن القاضي زكاه أو زكي عنده وقال كم من رجل أقبل شهادته ولا أقبل تعديله يعني أن الشهادة على الظواهر ولا كذلك التعديل كذا في الملتقط فيشترط لجوازها شروط الأول أن تكون الشهادة عند قاض عدل عالم الثاني أن تعرفه وتختبره بشركة أو معاملة أو سفر الثالث أن تعرف أنه ملازم للجماعة الرابع أن يكون معروفا بصحة المعاملة في الدينار والدرهم الخامس أن يكون مؤديا للأمانة السادس أن يكون صدوق اللسان السابع اجتناب الكبائر الثامن أن تعلم منه اجتناب الإصرار على الصغائر وما يخل بالمروءة والكل في شرح أدب القضاء محمد للخصاف وفي النوازل من لا تعدله ولا تصلي خلفه ا هـ وفي البزازية قال لا أدري أنا مؤمن أم غير مؤمن لا يجرحه المعدل ولا يعدله ولو كان معروفا بالصلاح فغاب غيبة منقطعة ثم حضر فهو على العدالة والشاهدان لو عدلا بعدما تابا يقضي بشهادتهما وكذا لو غابا ثم عدلا ولو خرسا أو عميا لا يقضي تاب الفاسق لا يعدل كما تاب بل لا بد من مضي زمان يقع في القلب صدقه في التوبة ا هـ . عرف فسق الشاهد فغاب غيبة منقطعة ثم قدم ولا يدرى منه إلا الصلاح
( تنبيه آخر ) ولو يجوز عندنا زكي من في السر علنا والخصاف شرط تغايرهما كذا في البزازية وفي المصابيح علن الأمر علونا من باب قعد ظهر وانتشر فهو عالن وعلن علنا من باب تعب لغة فهو علن وعلين والاسم العلانية مخففا ا هـ .
( تنبيه آخر ) يسأل القاضي عن الشهود الذمة عدول المسلمين وإلا فيسأل عنهم عدول الكفار كذا في المحيط والاختيار .