( كتاب الأشربة ) ذكر الأشربة بعد الشرب ; لأنهما شعبتا عرف واحد لفظا ومعنى فاللفظي هو الشرب مصدر شرب ، والعرف المعنوي هو معنى لفظ الشرب الذي هو مصدر شرب فإن كلا منهما مشتق من ذلك المصدر ولا بد في الاشتقاق من التناسب بين المشتق والمشتق منه في اللفظ والمعنى قال في العناية : ومن محاسن ذكر الأشربة بيان حرمتها ، إذ الشبهة في حسن تحريم ما يزيل العقل الذي يحصل به معرفة شكر المنعم فإن قيل : لماذا حل للأمم السابقة مع احتياجهم إلى العقل أجيب بأن السكر حرام في جميع الأديان وحرم شرب القليل من الخمر علينا كرامة من الله علينا لئلا يؤدي إلى المحظور بأن يدعو القليل إلى الكثير ، ونحن مشهود لنا بالخيرية فإن قيل هلا حرمت علينا النبيذ والداعي المذكور موجود أجيب بأن [ ص: 247 ] الشهادة بالخيرية لم تكن ، إذ ذاك وإنما يتدرج الضاري لئلا يتعداه من الإسلام كذا في العناية بأن ينفر من الإسلام . ا هـ .
وأضيف هذا الكتاب إلى الأشربة والحال أن الأشربة جمع شراب وهو اسم في اللغة لكل ما يشرب من المائعات حراما كان أو حلالا وفي استعمال أهل الشرع اسم لما هو حرام منه وكان مسكرا لما في هذا الكتاب من بيان حكم الأشربة كما سمى كتاب الحدود لما فيه من بيان حكم الحدود وفي التلويح وفي أوائل القسم الثاني أن إضافة الحل والحرمة إلى الأعيان حقيقة لا مجاز ولا يخفى أنه يحتاج إلى تفسير الأشربة لغة وشرعا - وقد تقدم - ، وإلى بيان الأعيان التي تتخذ منها الأشربة ، وأسمائها وسيأتي بيان ذلك ا هـ .
قال رحمه الله ( الشراب ما يسكر ) هذا في اصطلاح الفقهاء لقوله عليه الصلاة والسلام { } وهذا معناه . كل مسكر حرام
قال رحمه الله ( وهي النيء من ماء العنب إذا غلى واشتد وقذف بالزبد وحرم قليلها وكثيرها ) وقال بعضهم كل مسكر خمر لقوله عليه الصلاة والسلام { والمحرم منها أربعة : الخمر } رواه كل مسكر خمر ولقوله عليه الصلاة والسلام { مسلم } رواه الخمر من هاتين النخلة والعنبة مسلم ، وأبو داود ولأنها سميت خمرا لمخامرة العقل وكل مسكر يخامر العقل ولنا إجماع أهل اللغة على حقيقته في النيء من ماء العنب وتسمية غيرها بالخمر مجازا وعليه يحمل الحديث المتقدم كذا في الشارح وفيه نظر ; لأنه نقل في القاموس : الخمر ما يسكر من عصير العنب أو عام قال : والعموم أصح وأيضا الحديث محمول على بيان الحكم ; لأنه عليه الصلاة والسلام بعث لبيان الأحكام لا لبيان الحقيقة اللغوية والتعريف المذكور للخمر هو قول وعندهما إذا اشتد صار خمرا ولا يشترط فيه القذف بالزبد ; لأن اللذة تحصل به وهو المؤثر في إيقاع العداوة والصد عن الصلاة وله أن الغليان بداية الشدة ، وكماله بقذف الزبد . الإمام
والكلام فيه في مواضع : أحدها في بيان ماهيته ، والثاني وقت ثبوت هذا الاسم - وقد تقدما - ، والثالث أن بخلاف غيره من الأشربة فإنه معلول بالسكر ومن الناس من يقول غير المسكر منها ليس بحرام كغيره من الأشربة فإنه معلول بالسكر ; لأن الفساد لا يحصل إلا به ، وهذا كفر لأنه مخالف الكتاب والسنة والإجماع ، والرابع أنها عينه حرام غير معلول بالسكر ، والخامس أن نجسة العين نجاسة غليظة كالبول والغائط لإنكاره الدليل القطعي ، والسادس سقوط تقويمها في حق المسلم حتى لا يضمن متلفها ، السابع لا يجوز بيعها لقوله صلى الله عليه وسلم { مستحلها يكفر } رواه إن الذي حرم شربها حرم بيعها ، والثامن أنه يحد شاربها وإن لم يسكر ، والتاسع أن الطبخ لا يؤثر فيها لأنه لا يمنع من ثبوت الحرمة لا لرفعها بعد ثبوتها ، والعاشر مسلم على ما يجيء من قريب إن شاء الله تعالى وفي الكافي جواز تحليلها وفي الخانية ولا يحل أن يسقيه ذميا أو صبيا أو دابة وفي الأصل لو ويكره الاكتحال بالخمر وأن يجعله في السعوط كره أكله عجن الدقيق بالخمر يكره أكلها قبل الغسل ولو والحنطة إذا وقعت في الخمر قال انتفخت الحنطة في الخمر : لا تطهر قبل الغسل وقال محمد تغسل ثلاث مرات وتجفف في كل مرة فتطهر وعلى هذا الخلاف إذا أبو يوسف فهو على هذا الخلاف وفي الخلاصة لو طبخ اللحم في الخمر يحد شاربه وإن كان الماء أكثر لا يحد إلا ذا سكر وفي الكافي واختلفوا في سقوط ماليتها والصحيح أنها مال ا هـ . طبخ الخمر بالماء ، والماء أقل أو سواء