الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ويقتل الحر بالحر وبالعبد ) وقال الشافعي رحمه الله تعالى : لا يقتل الحر بالعبد لقوله تعالى { الحر بالحر والعبد بالعبد } فهذا يقتضي مقابلة الجنس بالجنس ومن ضرورة المقابلة أن لا يقتل الحر بالعبد ; ولأن القصاص يقتضي المساواة ولا مساواة بينهما إذ الحر مالك والعبد مملوك والمالكية أمارة القدرة والمملوكية أمارة العجز ولنا العمومات نحو قوله تعالى { وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس } وقوله تعالى { كتب عليكم القصاص في القتلى } وقوله عليه الصلاة والسلام { العمد قود } ولا يعارض بما تلي ; لأن فيه مقابلة مقيدة وفيما تلونا مقابلة مطلقا فلا يحمل على المقيد على أن مقابلة الحر بالحر لا تنافي الحر بالعبد ; لأنه ليس فيه إلا ذكر لبعض ما شمله العموم على موافقة حكمه وذلك لا يوجب تخصيص ما بقي ألا ترى أنه قابل الأنثى بالأنثى دليل على جريان القصاص [ ص: 337 ] بين الحرة والأمة وفائدة هذه المقابلة في الآية على ما قال ابن عباس رضي الله عنهما كانت بين بني النضير وبني قريظة مقابلة وكان بنو قريظة أقل منهم عددا ، وكان بنو النضير أشرف عندهم فتراضوا على أن العبد من بني النضير بمقابلة الحر من بني قريظة والأنثى منهم بمقابلة الذكر من بني قريظة فأنزل الله تعالى الآية ردا عليهم وبيانا على أن الجنس يقتل بجنسه على اختلاف مواضعتهم من القبيلتين جميعا فكانت اللام لتعريف العهد لا لتعريف الجنس ; ولأنهما مستويان في العصمة إذ هي بالدين عنده وبالدار عندنا ، وهي المعتبرة فيجري القصاص بينهما حسما لمادة الفساد وتحقيقا لمعنى الزجر ، ولو اعتبرت المساواة في غير العصمة في النفس لما جرى القصاص بين الذكر والأنثى والقصاص يجب باعتبار أنه آدمي ولم يدخل في الملك من ، هذا الوجه بل هو منفي على أصل الحرية من ، هذا الوجه ; ولهذا يقتل العبد بالعبد وكذا يقتل العبد بالحر ، ولو كان مالا لما قتل وكذلك عجزه وموته وبقاء أثر كفره حكمي فلا يؤثر ذلك في سقوط العصمة ولا يؤثر شبهة ، ولو أورث شبهة لما جرى القصاص بين العبيد بعضهم ببعض ووجوب القصاص في الأطراف يعتمد المساواة في الجزء المبان بعد المساواة في العصمة ; ولهذا لا تقطع الصحيحة بالشلاء وفي النفس لا يشترط ذلك حتى يقتل الصحيح بالزمن والمفلوج ولا مساواة بين أطراف الحر والعبد إلا في العصمة فأظهرن أثر الرق فيها دون النفس لما أن العبد من حيث النفس آدمي مكلف خلق معصوما .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية