قال رحمه الله ( لا والعين إن ذهب ضوءها ، وهي قائمة ، وإن قلعها ) لقوله تعالى { والسن ، وإن تفاوتا وكل شجة تتحقق فيها المماثلة والعين بالعين } يعني لو يجب القصاص ; لأنه أمكن بأن تحمى لها المرآة ويجعل على وجهه قطن رطب وتشد عينه الأخرى ثم تقرب المرآة من عينه بخلاف ما إذا انقلعت حيث لا يقتص منه لعدم إمكان رعاية المماثلة ، وكانت هذه الحادثة وقعت في زمن ضرب العين فأذهب ضوءها ، وهي قائمة رضي الله تعالى عنه فشاور الصحابة فقال عثمان رضي الله تعالى عنه يجب القصاص فبين إمكان الاستيفاء بالطريق التي ذكرناها ثم هنا لم يعتبر الكبر والصغر حتى أجري القصاص في الكل باستيفاء الكل واعتبر علي فأثبت للمشجوج الخيار إن شاء اقتص وأخذ بقدر شجته ، وإن شاء أخذ أرش ذلك ; لأن ما لحقه من الشين أكثر ; لأن الشجة المستوعبة لما بين قرنيه أكثر شينا من الشجة التي لم تستوعب ما بين قرنيه بخلاف قطع العضو ، فإن الشين فيه لا يختلف ، وكذا منفعته لا تختلف فلم يمكن إلا القصاص لوجود المساواة فيه من كل وجه ، وإذا قلعت لا يجب حيث لا يمكن المماثلة إذ لا قدرة لنا أن نفعل به كما فعل من غير زيادة ولا نقصان ; فلهذا لا يجب القصاص ، وفي الهداية ، ولو بالشجة في الرأس إذا كانت استوعبت رأس المشجوج ، وهي لم تستوعبه رأس الشاج يقلع الثاني تماثلا قال صاحب الكافي : وعامة شراح الكتاب في هذا المقام ، ولو قلع السن من أصله لا يقلع سنه قصاصا لتعذر اعتبار المماثلة فربما تفسد به المماثلة ، ولكن تبرد بالمبرد إلى موضع أصل السن ، وعزاه الشارح إلى المبسوط . قلع السن من أصله
أقول : أسلوب تحريرهم هاهنا محل تعجب ، فإن أحدا منهم لم يتعرض لما ذكر في الكتاب لا بالرد ولا بالقبول بل ذكروا المسألة على خلاف ما ذكر في الكتاب ، وكان من دأب الشراح [ ص: 346 ] التعرض لما في الكتاب إما بالقبول ، وإما بالرد فكأنهم لم يروا أصلا نعم القول الذي نقلته هاهنا عن المصنف غير مذكور في بعض النسخ لكنه واقع في كثير من النسخ ليس بمثابة أن لا يطلع عليه أحد من الشرائع كيف ، وقد أخذه صاحب الوقاية فذكره في متنه حيث قال ولا قود في عظم إلا في السن فتقلع إن قلعت وتبرد إن كسرت ، وكان ما أخذه متن الوقاية هو الهداية كما صرح به صاحبه ، وكذا ذكره في كثير من المتون ثم إن التحقيق هاهنا هو أنه إذا فيه روايتان كما أفصح عنه في المحيط قلع سن غيره هل يقلع سنه قصاصا أم يبرد بالمبرد إلى أن ينتهي إلى اللحم البرهاني حيث قال إن كانت الجناية بكسر بعض السن يؤخذ من سن الكاسر بالمبرد مقدار ما كسر من سن الآخر ، وهذا بالاتفاق ، وإن كانت الجناية بقلع سن ذكر أنه لا يقلع سن القالع ، ولكن يبرد سن القالع بالمبرد إلى أن ينتهي إلى اللحم ويسقط الباقي وإليه مال القدوري شمس الأئمة السرخسي وذكر شيخ الإسلام في شرحه أنه يقلع سن القالع ، وإليه أشار في الجامع الصغير حيث ذكر بلفظ النزع والنزع والقلع واحد وفي الزيادات نص على القلع إلى هنا لفظ المحيط . محمد
وأما الشفتان ففي كل واحد منهما نصف الدية إن كان خطأ ، وأما إذا كان عمدا فذكر في شرحه عن الطحاوي إذا الإمام يجب القصاص ، وإن قطع بعضه لا يجب ويقتص العليا بالعليا والسفلى بالسفلى وقوله والسن إن تفاوتت يعني يجب قطع شفة رجل السفلى أو العليا ، وكان يستطاع أن يقتص منه بقدر ما فعل إذا أمكنت المماثلة ، وإن تفاوتا في الصغر والكبر وإلا فلا ، وفي المنتقى إذا قطع السن بالسن فله أن يقتله إذا كان في موضع لا يغيثه الناس ، وفي الذخيرة ، ومن أراد أن يبرد سن آخر فليس له أن يقتله ، وإن كان لا يغاث وفي الأصل ينبغي أن يؤخذ أراد أن يقلع سن آخر ظلما ولا يؤخذ الأعلى بالأسفل بل بالأعلى ، وفي الخلاصة الحاصل أن النزع مشروع والأخذ بالمبرد احتياط وفي الجامع الصغير وإذ الضرس بالضرس والثنية بالثنية والناب بالناب يقتص منه ، وكذلك في القلع ولا قصاص في السن الزائدة ، وإنما فيها حكومة عدل ، وإذا كسر سن إنسان وسن الكاسر أكبر يقتص منه ولا يكون على قدر الصغر والكبر بل يكون على قدر ما كسره من السن وفي الحاوي ، فإن كسر سن إنسان ، والسن المكسورة مثل ربع سن الكاسر لم يكن له إلا القصاص ، وإن كسر إن كان مستويا يمكن استيفاء القصاص منه اقتص منه بمبرد ، وإن لم يكن مستويا ولا يستطاع أن يقتص كان عليه أرشه ، وفي الخلاصة ، وإن كان سن المنزوع أطول وأعظم فعليه أرش ذلك في كل سن خمس من الإبل أو من البقر . كسر ثلثا ليس بمستو بحيث لا يستطاع أن يقتص منه
وفي المنتقى إذا انتظر بها حولا ، فإذا تم الحول ولم يكمل فعليه القصاص تبرد بالمبرد ويطلب لذلك طبيب عالم أو يقال لها قيمتها كم ذهب منها ؟ ، فإن قال ذهب منها النصف يبرد من سن القالع النصف وفيه أيضا إذا كسر من رجل بعضها وسقط ما بقي ، فإن كسر من سن رجل طائفة منها كان يقول يجب القصاص وفي أبا يوسف لا قصاص في المشهور وروى القدوري عن الحسن بن زياد إذا أبي حنيفة فعليه نصف أرشها ولا قصاص في ذلك ، فإن نبتت بيضاء تامة ثم نزعها آخر ينتظر بها سنة ، فإن نبتت وإلا اقتص منه ولا شيء على الأول وقال نزع الرجل سن رجل فنبت نصفها ابن أبي مالك قال : يجب عليه ، فإن نبتت صفراء ، فعليه حكومة عدل ، وقال أبو يوسف في ابن سماعة ينتظر بها سنة ، فإن لم تنبت اقتص منه ، وفي جامع الفتاوى في الإملاء يقتص من ساعته ، وإن نبتت صفراء ففيها حكومة عدل وروى السن إذا نزعت ابن مالك عن في السن إذا نزعت ينتظر بها البرد ثم يقتص من الجاني ، وفي شرح أبي حنيفة إذا الطحاوي فلا قصاص . كسر بعض سن إنسان عمدا ثم اسود الباقي بذلك أو احمرت أو اخضرت أو دخلها عيب بوجه من الوجوه
ويجب الأرش في مال الجاني ، وبهذه الرواية تبين أن ما ذكره القاضي الإمام صدر الإسلام والصدر الشهيد في الجامع الصغير فإذا ليس بصحيح ، ولو قال المجني عليه أنا أستوفي القصاص في المكسور وأترك ما اسود ليس له ذلك وإذا كسر بعض سن إنسان واسود الباقي يجب فيها حكومة عدل ينتظر فيه حولا ، فإن احمر أو اخضر أو اسود تجب الدية كاملة في مال الجاني ، وإن اصفر اختلف المشايخ فيه هكذا ذكر ضرب سن إنسان فتحرك شيخ الإسلام في شرحه قال بعضهم : يجب كمال أرش السن كما في الأسود والأحمر ، وقال بعضهم يجب حكومة عدل وذكر [ ص: 347 ] شيخ الإسلام أحمد الطواويسي في شرحه أن في هذا الفصل اختلاف الروايات وروى عن أنه يلزمه كمال الأرش كما في الأسود وعن أبي يوسف أنه قال ينظر في ذلك ، فإن كان يلحقه من الشين بسبب الاصفرار ما يلحقه من الشين بسبب الاسوداد يلزمه كمال الأرش وإلا فيقدر الشين وعن محمد أنه يلزمه حكومة عدل وذكر أبي حنيفة أن القدوري هشاما روى عن عن محمد أن أبي حنيفة فلا شيء ، وإن كان عبدا ففيه حكومة عدل وعن سن الحر إذا اصفرت عن أبي يوسف أن فيه الحكومة وروي عن أبي حنيفة أبي مالك عن أن الصفرة إذا اشتدت حتى صارت كالخضرة ففيها كمال الأرش ، وإن كانت دون ذلك ففيها الحكومة ثم إن أبي يوسف أوجب كمال الأرش باسوداد السن ولم يفصل بين أن يكون السن من الأضراس التي لا ترى أو من القوارض التي ترى قالوا ويجب أن يكون الجواب فيها على التفصيل إن كان السن من الأضراس التي لا ترى إن فاتت منفعة المضغ بالاسوداد يجب الأرش كاملا ، وإن لم تفت منفعة المضغ يجب فيه حكومة عدل . محمدا
وإن كان السن قائمة من القوارض التي ترى وتظهر من الأسنان فيجب كمال الأرش بالاسوداد ، وإن لم تفت منفعته .