الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( فصل في الشجاج ) الشجاج عشرة الخارصة وهي التي تخرص الجلد أي تخدشه ولا تخرج الدم مأخوذة من خرص القصار الثوب إذا شقه في الدق والدامعة بالعين المهملة مأخوذة من الدمع سميت بها لأن الدم يخرج منها بقدر الدمع من القلة وقيل لأن عينيه تدمع بسبب ألم يحصل له منها وفي المحيط الدامعة هي التي يخرج منها ما يشبه الدمع مأخوذة من دمع العين والدامية وهي التي يسيل منها الدم وذكر المرغيناني أن الدامية هي التي تدمي من غير أن يسيل منها دم هو الصحيح يروى عن أبي عبيد والدامعة وهي التي يسيل منها الدم كدمع العين ومن قال : إن صاحبها تدمع عيناه من الألم فقد أبعد والباضعة وهي التي تبضع الجلد أي تقطعه مأخوذة من البضع وهو الشق والقطع ومنه مبضع الفصاد أقول : في تفسير الباضعة بما ذكره الشارح فتور ، وإن تابعه صاحب الكافي وكثير من المتأخرين فيه لأن قطع الجلد متحقق في الصورة الأولى منها لا سيما في الدامعة والدامية إذ الظاهر أن شيئا من إظهار الدم وأصالته لا يتصور بدون قطع الجلد وقد صرح الشراح بتحقق قطع الجلد في كل الأنواع العشرة للشجة فكان التفسير المذكور شاملا للكل غير مختص بالباضعة فالظاهر في تفسير الباضعة هو ما ذكر في المحيط والبدائع حيث قال في المحيط ثم الباضعة وهي تبضع اللحم أي تقطعه وقال في البدائع والباضعة هي التي تبضع اللحم أي تقطعه . ا هـ . ويعضد ذلك ما وقع في معتبرات كتب اللغة قال في المغرب وفي الشجاج الباضعة وهي التي جرحت الجلد وشقت اللحم . ا هـ .

                                                                                        وقال في الصحاح الباضعة الشجة التي تقطع الجلد وتشق اللحم وتدمي إلا أنها لا تسيل الدم وقال في القاموس والباضعة الشجة التي تقطع الجلد وتشق اللحم شقا خفيفا وتدمي إلا أنها لا تسيل الدم . ا هـ .

                                                                                        لا يقال فعلى هذا يلزم تشبيه الباضعة بالمتلاحمة ، فإنهم قالوا والمتلاحمة هي التي تأخذ في اللحم وهذا في المآل غير ما نقلته عن المحيط والبدائع في تفسير الباضعة لأنا نقول من فسر الباضعة بما قلنا من المعنى الظاهر لا يقول بتفسير المتلاحمة بما ذكر حتى يلزم الاشتباه بل يزيد عليه قيدا وعن هذا قال في المحيط ثم الباضعة وهي التي تبضع اللحم أي تقطعه قال شيخ الإسلام ولا تنزع شيئا من اللحم ثم المتلاحمة وهي التي تقطع اللحم وتنزع شيئا من اللحم إلى هنا لفظ المحيط وقال في البدائع والباضعة وهي التي تبضع اللحم أي تقطعه والمتلاحمة هي التي تذهب في اللحم أكثر مما تذهب الباضعة فيه وقال في المغرب

                                                                                        والمتلاحمة من الشجاج هي التي تشق اللحم دون العظم ثم تتلاحم بعد شقها أي تتلاءم . ا هـ .

                                                                                        وقال في الصحاح والمتلاحمة الشجة التي أخذت في اللحم دون العظم ثم تتلاحم ولم تبلغ السمحاق . ا هـ .

                                                                                        وقال في القاموس وشجة متلاحمة أخذت فيه ولم تبلغ السمحاق والمتلاحم وهي التي تأخذ في اللحم كله ثم تتلاحم بعد ذلك أي تلتئم وتتلاصق سميت بذلك تفاؤلا على ما يئول إليه وروي عن محمد أن المتلاحمة قبل الباضعة لأن المتلاحمة من قولهم التحم الشيئان إذا اتصل أحدهما بالآخر فالمتلاحمة هي التي تظهر اللحم ولا تقطعه والباضعة بعدها لأنها تقطعه وفي ظاهر الرواية والمتلاحمة تعمل في قطع أكثر اللحم وهي بعد الباضعة وقال الأزهري الأوجه أن يقال المتلاحمة أي القاطعة للحم والاختلاف الذي وجد في الشجاج راجع إلى مأخذ الاشتقاق لا إلى الحكم والسمحاق وهي التي تصل إلى السمحاق وهي الجلدة الرقيقة التي بين اللحم وعظم الرأس والموضحة وهي التي توضح العظم أي تبينه والهاشمة وهي التي تهشم العظم والمنقلة وهي التي تنقل العظم بعد الكسر أي تحوله والآمة وهي التي تصل إلى أم الدماغ وأم الدماغ هي الجلدة الرقيقة التي تجمع الدماغ وبعد الآمة شجة تسمى الدامغة بالغين المعجمة وهي التي تصل إلى الدماغ لم يذكرها محمد لأن النفس لا تبقى بعدها عادة فتكون قتلا ولا تكون من الشجاج والكلام في الشجاج ولذا لم يذكر الخارصة والدامغة لأنها لا يبقى لها في الغالب أثر . [ ص: 381 ] هذه الشجاج تختص بالرأس والوجه وما كان في غيرهما يسمى جراحة فهذا هو الحقيقة والحكم يترتب على الحقيقة فلا يجب بالجراحة ما يجب بالشجة من المقدار لأن التقدير بالنقل وهو إنما ورد في الشجاج وهي تختص بالرأس والوجه فخص الحكم المقدم بها ولا يجوز إلحاق الجراحة بها دلالة ولا قياسا لأنها ليست في معناها في الشين لأن الوجه والرأس يظهران في الغالب وغيرهما مستور غالبا لا يظهر واختلفوا في اللحيين فعندهما في الوجه فيتحقق الشجاج فيهما فيجب فيها موجبها خلافا لما يقول مالك رحمه الله ، فإنه يقول : إنهما ليسا من الوجه لأن المواجهة لا تقع بهما ونحن نقول هما متصلان بالوجه من غير فاصل ويتحقق معنى المواجهة فصارا كالذقن لأنهما تحتها وقال شيخ الإسلام ويجب أن يفرض غسلهما في الوضوء لأنهما من الوجه حقيقة إلا أنا تركناهما للإجماع ولا إجماع هنا فبقينا العبرة للحقيقة وفي المبسوط الشجاج في الرأس والوجه أحد عشر أولها الخارصة وهي تشق الجلد مأخوذة من قولهم خرص القصار الثوب إذا شقه من الدق ثم الدامعة وهي التي يخرج منها ما يشبه الدمع مأخوذة من دمع العين ولم يذكرها محمد لأنها لم يبق لها أثر في الغالب ثم الدامية وهي التي يخرج منها الدم ثم الباضعة وهي التي تبضع اللحم ثم المتلاحمة . وعن محمد أنه جعل المتلاحمة قبل الباضعة خلافا لأبي يوسف وتفسيرها عند أبي يوسف التي تقشر الجلد وتجمع اللحم في موضع الجراحة ولا تقطعه مأخوذة من التحام يقال التحم الجيشان إذا اجتمعا ثم السمحاق وهي التي تصل إلى جلدة رقيقة فوق العظم تسمى السمحاق ثم الموضحة وهي التي توضح العظم واللحم ثم الهاشمة وهي التي تهشم العظم ثم المنقلة التي يخرج منها العظم لأنها تكسر العظم وتنقله عن موضعه ثم الآمة التي تصل إلى أم الرأس وهي الجلدة التي فوق الدماغ ثم الدامغة التي تخرق الجلد وتصل إلى الدماغ ولم يذكرها محمد لأن الإنسان لا يعيش معها ، وأما أحكامها ، فإن كانت هذه الشجاج عمدا ففي الموضحة القصاص لأن السكين ينتهي إلى العظم ولا يخاف منه الهلاك غالبا فيجب القصاص لقوله تعالى { والجروح قصاص } وذكر الكرخي عنه أنه ليس في شيء من الشجاج إلا في القصاص والموضحة وليس لهذه الشجاج أروش مقدرة وموجب هذه الشجاج لا يتحمله العاقلة ، فإن كانت هذه الشجاج خطأ ففيما قبل الموضحة حكومة عدل لأنه ليس لها أرش مقدر وفي الموضحة خمس من الإبل وفي الهاشمة عشر من الإبل .

                                                                                        وفي المنقلة خمسة عشرة وفي الآمة ثلث الدية هكذا روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب إلى حزم حين بعثه إلى اليمن وذكر فيه أن في النفس مائة من الإبل وفي الأنف الدية وفي الشفتين الدية وفي اللسان الدية وفي العينين الدية وفي الصلب الدية وفي الذكر الدية وفي الأنثيين الدية وفي الرجل نصف الدية وفي الآمة ثلث الدية وفي الجائفة ثلث الدية وفي المنقلة خمس عشرة من الإبل وفي الموضحة خمس من الإبل هكذا رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي النوادر رجل أصلع ذهب شعره شجه إنسان موضحة عمدا قال محمد لا يقتص وعليه الأرش ; لأنه أقل من موضحة ; لأن المساواة معتبرة في تناول الأطراف ولا مساواة ; لأن الموضحة في أحدهما مؤثرة في الجلد واللحم فتعذر مراعاة المساواة وصار كصحيح اليد إذا قطع يد الأشل لا يقطع فكذا هذا .

                                                                                        وإن قال الشارح رضيت أن يقتص مني ليس له ذلك ; لأن الجناية إذا لم توجب القصاص لا يوجب الاستيفاء بالرضا ، وإن كان الشاج أيضا أصلع عليه القصاص ; لأن اعتبار المساواة ممكن فصار كالأشل إذا قطع يد الأشل ، وإن لم يبق للجراحة أثر فعند أبي حنيفة وأبي يوسف لا شيء عليه وعند محمد يلزمه قدر ما أنفق عليه إلى أن يبرأ ; لأنه بجنايته اضطر إلى الإنفاق على الجراحة خوفا من السراية فكان الزوال مضافا إلى جنايته لهما أنه كان مختارا في الإنفاق ولم يكن مضطرا فيه ; لأن لحوق السراية لا يثبت الاضطرار ; لأن السراية موهومة فلا يثبت الاضطرار بالوهم والارتياب فلم يصر مفوتا لشيء من المال ولا من المنفعة والجمال فلا يضمن كما لو لطمه فآلمه .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية