الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وغاسل بماسح ) لاستواء حالهما ; لأن الخف مانع سراية الحدث إلى القدم وما حل بالخف يزيله المسح بخلاف المستحاضة ; لأن الحدث موجود حقيقة ، وإن جعل في حقها معدوما للضرورة . أطلق الماسح فشمل ماسح الخف وماسح الجبيرة وهو أولى بالجواز ; لأنه كالغسل لما تحته ( قوله وقائم بقاعد وبأحدب ) أي لا يفسد اقتداء قائم بقاعد وبأحدب أما الأول فهو قولهما وحكم محمد بالفساد نظرا إلى أنه بناء القوي على الضعيف ولهما اقتداء الناس بالنبي صلى الله عليه وسلم في مرض موته وهو قاعد وهم قيام وهو آخر أحواله فتعين العمل به بناء على أنه عليه الصلاة والسلام كان إماما وأبو بكر مبلغا للناس تكبيره وبه استدل على جواز رفع المؤذنين أصواتهم في [ ص: 387 ] الجمعة والعيدين وغيرهما كما في المجتبى وليس هو بناء القوي على الضعيف ; لأن القعود قيام من وجه كالركوع لانتصاب أحد نصفيه وصار كالاقتداء بالمنحنى من الهرم ولا يرد عليه الإيماء فإنه بعض الركوع والسجود ومع ذلك فلم يصح اقتداء الراكع والساجد بالمومئ لوجهين أحدهما أن القيام ليس بركن مقصود ، ولهذا جاز تركه في النفل من غير عذر فجاز أن يسد الناقص مسده لعدم فوات المقصود فكان حال الإمام مثل حال المقتدي في المقصود وهو نهاية التعبد بخلاف الركوع والسجود فإنهما ركنان مقصودان ، وقد فاتا في حق الإمام المومئ ولأن القعود يسمى قياما يقال لمن قعد ناهضا عن نومه قام عن فراشه وقام عن مضجعه

                                                                                        ويقال للمضطجع قم واقرأ فإذا نهض وقعد يكون ممتثلا لأمره بالقيام بخلاف الإيماء فإنه لا يسمى سجودا ، وذكر في المجتبى فرقا إجماليا وهو أن المتنفل يتخير بين القيام والقعود ولا يتخير بين الإيماء والسجود ولا بين القعود والاستلقاء ، وفي الحقائق الخلاف في قاعد يركع ويسجد ; لأنه لو كان يومئ والقوم يركعون ويسجدون لا يجوز اتفاقا ومحل الاختلاف الاقتداء في الفرض والواجب حيث كان للإمام عذر أما في النفل فيجوز اتفاقا واختلف في اقتداء القائم بالقاعد في التراويح والأصح أنه جائز عند الكل كما في فتاوى قاضي خان ، وأما الثاني وهو اقتداء القائم بالأحدب فأطلقه فشمل ما إذا بلغ حدبه حد الركوع وما إذا لم يبلغ ولا خلاف في الثاني ، واختلفوا في الأول ففي المجتبى أنه جائز عندهما وبه أخذ عامة العلماء خلافا لمحمد ، وفي الفتاوى الظهيرية لا تصح إمامة الأحدب للقائم هكذا ذكر محمد في مجموع النوازل وقيل يجوز والأول أصح ا هـ .

                                                                                        ولا يخفى ضعفه فإنه ليس هو أدنى حالا من القاعد ; لأن القعود استواء النصف الأعلى ، وفي الحدب استواء النصف الأسفل ويمكن أن يحمل على قول محمد وأشار إلى أن اقتداء القاعد خلف مثله جائز اتفاقا ، وكذا الاقتداء بالأعرج أو من بقدمه عوج ، وإن كان غيره أولى ، وفي الخلاصة ولا يجوز اقتداء النازل بالراكب ، ولو صلوا على الدابة بجماعة جازت صلاة الإمام ومن كان معه على دابته ولا تجوز صلاة غيره في ظاهر الرواية ( قوله ومومئ بمثله ) أي لا يفسد اقتداء مومئ بمومئ لاستواء حالهما أطلقه فشمل ما إذا كان الإمام يومئ قائما أو قاعدا بخلاف ما إذا كان الإمام مضطجعا والمؤتم قاعدا أو قائما فإنه لا يجوز لقوة حال المأموم ; لأن القعود معتبر بدليل وجوبه عليه عند القدرة بخلاف القيام ; لأنه ليس بمقصود لذاته ، ولهذا لا يجب عليه القيام مع القدرة عليه إذا عجز عن السجود ، وفي الشراح أنه المختار ردا لما صححه التمرتاشي من الجواز عند الكل .

                                                                                        [ ص: 386 ]

                                                                                        التالي السابق



                                                                                        الخدمات العلمية