الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ومن ) ( جعل بالوعة في طريق بأمر السلطان أو في ملكه أو وضع خشبة فيها ) أي في الطريق ( أو قنطرة بلا إذن الإمام فتعمد الرجل المرور عليها ) ( لم يضمن ) أما بناء البالوعة بأمر الإمام أو في ملكه ووضع الخشبة فلأنه ليس بمتعد ، وأما بناء القنطرة فلأن الباني فوت حقا على غيره ، فإن التدبير في وضع القنطرة من حيث تعيين المكان للإمام فكانت جناية بهذا الاعتبار فتعمد رجل المرور عليها لم يضمن ووضع الخشبة والقنطرة وإن وجد التعدي منه فيهما لكن تعمده المرور عليهما يسقط النسبة إلى الواضع ; لأن الواضع متسبب والمار مباشر فصار هو صاحب علة فلا

                                                                                        [ ص: 400 ] يعتبر التسبب معه وقد بيناه فيما مضى ، وإن استأجر أجراء يحفرون له في غير فنائه فضمانه على المستأجر ولا شيء على الآجر إن لم يعلموا أنه في غير فنائه ; لأن أمره قد صح إذا لم يعلموا فنقل فعلهم إلى الآمر ; لأنهم مغرورون من جهته فصار كما إذا أمر أجيرا بذبح هذه الشاة فذبحها ثم ظهر أن الشاة لغيره يضمن المأمور ويرجع به على الآمر لكونه مغرورا من جهته وهنا يجب الضمان على المستأجر ابتداء ; لأن كل واحد منهما متسبب والأجير غير متعد والمستأجر متعد فترجح جانبه ، فإن علموا بذلك فالضمان على الآجر ; لأن أمره لم يصح ; لأنه لا يملك أن يفعل بنفسه ولا غرور من جهته لعلمهم بذلك فبقي الفعل مضافا إليهم ولو قال لهم هذا فنائي وليس لي حق الحفر فيه فحفروا فمات فيه إنسان فالضمان على الأجراء قياسا ; لأنهم علموا بفساد الأمر فلم يغرهم وفي الاستحسان الضمان على المستأجر ; لأن كونه فناء لهم بمنزلة كونه مملوكا له لانطلاق يده بالتصرف فيه من إلقاء الطين والحطب وربط الدابة والركوب وبناء الدكان فكان آمرا بالحفر في ملكه ظاهرا بالنظر إلى ما ذكرنا فكذا ينقل إليه وقال شيخ الإسلام إذا كان الطريق معروفا أنه للعامة ضمنوا سواء قال لهم أو لا ، وإذا استأجر الرجل أجيرا ليحفر له بئرا فحفر له الأجير ووقع فيها إنسان ومات فهذا على وجهين الأول أن يستأجر الأجير ليحفر له بئرا في الطريق ، فإنه على وجهين : الأول أن يكون طريقا معروفا لعامة المسلمين يعرفه كل أحد وفي هذا الوجه يجب الضمان على الأجير سواء علمه المستأجر بذلك أو لم يعلمه ، وإن كان الطريق لعامة المسلمين إلا أنه طريق غير مشهور ، فإن أعلم المستأجر الأجير بأن هذا الطريق لعامة المسلمين فكذا الجواب أيضا فأما إذا لم يعلم فالضمان على الآمر لا على الأجير وهذا بخلاف ما لو استأجر أجير الذبح شاة فذبحها ثم علم أن الشاة لغير الآمر فإن الضمان على الأجير أعلمه المستأجر بأن الشاة لغيره أو لم يعلمه ثم يرجع إذا لم يعلم ، الوجه الثاني إذا استأجره ليحفر له بئرا في الفناء وقد تقدم بيانه وفي الفتاوى والخلاصة إذا استأجر رجلا ليبني له أو ليحدث له شيئا في الطريق أو يخرج حائطا فما عطب به من نفس أو مال فذلك على المستأجر دون الأجير استحسانا إلا إذا سقط من يده لبن فأصاب إنسانا فقتله تجب الدية على عاقلة الذي سقط من يده وعليه الكفارة وفي السغناقي من حفر بئرا على قارعة الطريق فجاء آخر وخاطر بنفسه ووثب من أحد الجانبين إلى الجانب الآخر ووقع فيه ومات لم يضمن الحافر شيئا .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية