الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( وعلى الراكب الكفارة لا عليهما ) أي لا على السائق والقائد ومراده في الإيطاء ; لأن الراكب مباشر فيه ; لأن التلف بثقله وثقل دابته تبع ، فإن سير الدابة مضاف إليه وهي العلة وهما مسببان ; لأنه لا يتصل منهما شيء بالمحل وكذلك الراكب في غير الإيطاء والكفارة حكم المباشرة لا حكم التسبب وكذا يتعلق بالإيطاء في حق الراكب حرمان الميراث والوصية دون السائق والقائد ; لأنه يختص بالمباشر ولو كان سائق وراكب قيل لا يضمن السائق ما فعلت الدابة [ ص: 409 ] لأن الراكب مباشر فيه كما ذكرنا والسائق مسبب والإضافة إلى المباشرة أولى وقيل الضمان عليهما ; لأن كل ذلك سبب الضمان ألا ترى أن محمدا رحمه الله ذكر في الأصل أن الراكب إذا أمر إنسانا فنخس المأمور الدابة ووطئت إنسانا كان الضمان عليهما فاشتركا في الضمان والناخس سائق والآمر راكب فتبين بهذا أنهما مستويان والصحيح الأول لما ذكرنا والجواب عما ذكر في الأصل أن المسبب إنما يضمن مع المباشرة إذا كان السبب شيئا لا يعمل بانفراده في الإتلاف كالحفر مع الإلقاء ، فإن الحفر لا يعمل شيئا بدون الإلقاء ، وأما إذا كان السبب يعمل بانفراده في الإتلاف فيشتركان وهذا منه .

                                                                                        وفي الأصل يقول رجل قاد قطارا من الإبل في طريق المسلمين فما وطئ أول القطار وآخره مالا أو رجلا فقتله فالقائد ضامن ولا كفارة ، وإن كان معه سائق يسوق الإبل إلا أنه تارة يتقدم وتارة يتأخر ، فإنهما يشتركان في الضمان ، وإن كان معهما ثالث يسوق الإبل وسط القطار فما أصاب مما خلف هذا الذي في وسط القطار أو مما قبله فضمان ذلك عليهم أثلاثا يريد به إذا كان هذا الذي يمشي في وسط القطار ولا يمشي في جانب من القطار ولا يأخذ بزمام بعير يقود ما خلفه ; لأنه سائق لوسط القطار فيكون سائقا للكل بحكم اتصال الأزمة فأما إذا كان الذي في وسط القطار آخذا بزمام يقود ما خلفه ولا يسوق ما قبله فما أصاب مما خلف هذا الذي في هذا القطار فضمان ذلك على القائد الأول ولا شيء فيه على هذا الذي في وسط القطار ; لأنه ليس بقائد لما قبله ولا سائق حتى لو كان سائقا له يشارك الأول في الضمان كذا في المغني وفي الينابيع ، وإن كان السائق في وسط القطار فما أصاب من خلفه أو بين يديه فهو عليهما ، وإن كانوا ثلاثة نفر أحدهم في مقدم القطار والآخر في مؤخر القطار والثالث في وسط القطار ، فإن كان الذي في الوسط والمؤخر يسوقان والمقدم يقود القطار فما عطب بما أمام الذي في الوسط فذلك كله على القائد وما تلف مما هو خلفه فهو كله على القائد ولا شيء على المؤخر إلا أن يكون سائقا .

                                                                                        وإن كانوا يسوقون فالضمان عليهم جميعا السغناقي ولو كان الرجل راكبا وسط القطار على بعيره ولا يسوق منها شيئا لم يضمن ما تعيب الإبل التي بين يديه ; لأنه ليس بسائق لما بين يديه وهو معهم في الضمان مما أصاب البعير الذي هو عليه أو ما خلفه وقال بعض المتأخرين هذا الذي ذكر إذا كان زمام ما خلفه بيده يقوده ، وأما إذا كان نائما على بعيره أو قاعدا فلا ضمان عليه في ذلك فهو في حق ما خلفه بمنزلة المتاع الموضوع على البعير الظهيرية ولو أن رجلا يقود قطارا وآخر من خلف القطار يسوقه وعلى الإبل قوم في المحال نيام أو غير نيام فوطئ بعير منها إنسانا فقتله فالدية على عاقلة القائد والسائق والراكبين الذين قدام البعير على عواقلهم على عدد رءوسهم والكفارة على راكب البعير الذي وطئ خاصة ; لأنه بمنزلة المباشر .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية