الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وفي الجامع الصغير إذا قال لعبده إذا قتلت فلانا أو أدميته أو شججته أو ضربته فأنت حر يصير مختارا للفداء وفي الكافي يكون على المولى دية القتيل عند علمائنا الثلاثة وفي الكافي وقال زفر لا يصير مختارا للفداء وعليه قيمة العبد قال الشيخ الإمام خواهر زاده هذا إذا علق العتق بضرب يوجب الضمان حتى يكون المولى يخير بين الدفع والفداء .

                                                                                        وأما إذا علق العتق بضرب يوجب القصاص بأن قال إن ضربت فلانا بالسيف فأنت حر فإنه لا يلزم المولى شيء لا القيمة ولا الفداء وفيه رجل أذن لعبده في التجارة فلحقه دين ألف درهم وقيمته ألف وجنى جناية فأعتقه المولى وهو لا يعلم فإن عليه قيمتين قتل العبد المرهون رجلا خطأ وقيمته مثل الدين فللمرتهن أن يفدي وليس له أن يدفع فإن قال لا أفدي كان للراهن أن يدفع بالجناية فإن أعتقه كان مختارا للفداء وفي الكافي ولو أقر مولى الجناية بعد العلم بالجناية أن العبد لهذا فهو اختيار للفداء عند زفر وعندنا لا يكون مختارا وفي السغناقي ولو أن عبدا في يد رجل جنى جناية فقال ولي الجناية هو عبدك وقال الرجل هو وديعة عندي لفلان أو عارية أو إجارة أو رهن فإن أقام على ذلك بينة أجزت الأمر فيه وإن لم يقم خوطب بالدفع أو الفداء وقال زفر مختار الدية بمجرد قوله إنه لفلان فإن فداه ثم قدم الغائب أخذه عبده بغير شيء وإن كان دفعه فالغائب بالخيار إن شاء أمضى ذلك وإن شاء أخذ العبد ودفع الأرش وفي المنتقى عبد قتل قتيلا وقامت عليه البينة بذلك ثم أقر المولى أنه قتل قتيلا آخر فإنه يؤمر بدفعه إليهما نصفين ثم يضمن نصف قيمته لصاحب البينة . الحسن بن زياد عن أبي يوسف رجل أقر أن عبده قتل رجلا خطأ ثم أقر عليه أيضا برجل آخر أنه قتله خطأ يقال للمولى ادفع عبدك للأول خاصة أو افده فإن دفعه فلا شيء للآخر .

                                                                                        وإن فداه من الأول قيل له ادفع إلى الآخر نصيبه أو افده بنصف الدية وروى ابن مالك أنه يقال للمولى ادفعه إليهما نصفين فإن دفعه غرم الأول نصف قيمته وإن قال أنا أفديه من الآخر دفعه كله إلى الأول فإن قال أفديه من الأول دفع نصفه إلى الآخر وهو قول زفر وذكر العباس بن الوليد عنه أنه إذا دفع نصفه إلى الثاني فهو مختار الدية من الأول رجل في يديه عبد لا يدري أنه له أو لغيره لم يدع صاحب اليد أنه له ولم يسمع من العبد إقراره أنه عبد صاحب اليد إلا أنه يقر بأنه عبد فجنى هذا العبد جناية وثبت ذلك بالبينة أو بإقرار صاحب اليد ثم إن صاحب اليد أقر أنه عبد رجل وصدقه المقر له بذلك وكذبه في الجناية فإن كانت الجناية ببينة قيل للمقر له ادفع أو افده وإن كانت الجناية بإقرار الذي كان العبد في يده أخذ المقر له العبد بطلت الجناية ولم يكن على المقر من الجناية شيء وفيه أيضا عبد قطع يد رجل خطأ فبرأت فدفعه مولاه بجنايته ثم انتقض الجرح فمات منه قال يدفع قيمة عبده وفي العيون الحسن بن زياد عن أبي حنيفة في عبد قطع أصبع رجل خطأ ففداه المولى بألف ثم مات المقطوع أصبعه كان ذلك الفداء باطلا وكان عليه تمام الدية إن كان الفداء بغير قضاء القاضي وصار بمنزلة من أعتق وهو يعلم وفي الكافي رجل قطع يد رجل عمدا فصالح المقطوعة يده على عبد ودفع إليه فأعتقه المقطوع يده ثم مات من ذلك فالعبد صلح بالجناية وإن لم يعتقه رد على مولاه .

                                                                                        وقيل للأولياء إما أن تقتلوه وإما أن تعفوا وفي النوادر عبد جنى فأقر ابن السيد أنه حر فمات السيد فورثه هذا الابن فهو حر وعلى الابن الدية جارية جنت وهي حامل فأعتق السيد ما في بطنها وهو يعلم بالجناية صار مختارا قبل أن تضع ولو لم يكن عالما بالجناية فإن حضر الطالب قبل الوضع خير إن شاء ضمن المولى قيمتها حاملا وإن شاء أخذها حاملا بجنايتها وكان ولدها حرا وإن حضر بعد ما ولدت خير المولى إن شاء دفع وإن شاء فدى ولا سبيل على الولد وفي نوادر ابن سماعة عن أبي يوسف إذا أعتق الرجل ما في [ ص: 422 ] بطن جاريته ثم جنت جناية فدفعها بالجناية جاز وفي العيون أيضا باع جارية فولدت عند المشتري لأقل من ستة أشهر فجنى على الولد ثم ادعاه البائع وهو يعلم بالجناية فعليه الدية لأصحاب الجناية في قول أبي يوسف وقال زفر رحمه الله تعالى عليه القيمة دون الدية والفتوى على قول أبي يوسف وفيه أيضا جارية بين رجلين فولدت ولدها فإن ادعاه أحدهما وهو عالم بالجناية قال أبو يوسف الدية عليه وإن لم يعلم قال زفر إذا علم فعليه نصف القيمة وفي العيون جارية بين رجلين جاءت بولد فجنى الولد جناية فادعاه أحدهما فإن علم بالجناية فعليه نصف الدية وإن لم يعلم فعليه نصف القيمة وهذا قول زفر .

                                                                                        وقال أبو يوسف عليه نصف الدية علم أو لم يعلم قال لعبديه أحدكما حر ثم جنى أحدهما ثم صرف المولى العتق إليه قال أبو يوسف إن علم بالجناية فعليه الدية وقال زفر عليه القيمة وفي الظهيرية ولو جنى كل واحد منهما بعد الإيجاب ثم بين العتق في أحدهما عتق ولزمه الأقل من قيمته ومن الدية وبقي الآخر ملكا له يقال ادفعه أو افده بالدية ولا يصير مختارا للفداء ولكن لو كانت جناية أحدهما قطع يد رجل وجناية الآخر قتل نفس لا يختلف الجواب وفي التجريد قال أبو يوسف إذا غصب رجل عبدا فقتل عنده قتيلا خطأ ورده على مولاه فقتل عنده قتيلا ودفعه المولى بالجنايتين رجع الولي على الغاصب بنصف القيمة ودفع إلى ولي الجناية الأولى ثم يرجع به على الغاصب فيسلم له وقال محمد وزفر يأخذ نصف القيمة فيسلم له ولا يدفعها إلى ولي الجناية عبد جنى فأوصى المولى بعتقه في مرضه فأعتقه الوارث أو الوصي فإن الوصي عالما بالجناية فعليه الدية قدر قيمته من جميع المال والزيادة من الثلث وإن لم يكن عالما بها تجب القيمة في مال الميت في قول زفر ولم يذكر أن الذي أعتق هل يضمن وماذا يضمن وقال أبو يوسف إن علم الذي أعتقه بالجناية فعليه الدية قال الفقيه أبو الليث أن يكون هذا قول أبي يوسف الأول .

                                                                                        أما على قياس قوله الآخر ينبغي أن يكون قوله مثل قول زفر كما قال في آخر كتاب البيوع لو اشترى عبدا ولم ينقد الثمن حتى وكل وكيلا بعتقه فأعتقه الوكيل لا ضمان على الوكيل في قول أبي يوسف الآخر وهو قول محمد وهكذا روي عن أبي حنيفة رحمه الله هذا إذا كانت الوصية بالعتق بعد ما جنى أما إذا أوصى بعتقه قبل الجناية ثم جنى فمات الموصي فأعتقه الوصي وهو يعلم بالجناية فهو ضامن للجناية وإن لم يعلم فهو ضامن القيمة ولا يرجع على الورثة إذا وكل رجلين بعتق عبده ثم إن العبد جنى جناية ثم أعتقه الوكيل وهو يعلم بالجناية فالمولى ضامن لقيمة العبد إن لم يكن عالما بالجناية وفي المنتقى وفي نوادر ابن سماعة عن محمد إذا أوصى بعتق عبده ثم مات وقد كان أوصى إلى رجل فجنى العبد جناية بعد موت الموصي ثم أعتقه الوصي وهو يعلم بالجناية فهو مختار الدية في ماله وإن لم يعلم فعليه القيمة وفي الظهيرية ولو قال لعبديه وقيمة كل واحد منهما ألف أحدكما حر ثم قتل أحدهما إنسانا خطأ ثم مات المولى قبل البيان وهو عالم بالجناية عتق من كل واحد منهما نصفه ويسعى في نصف قيمته ويجب على المولى قيمة العبد الجاني فيستوفى من جميع تركته ولا يصير مختارا للفداء بالموت من غير بيان واحد من العبدين وفي التجريد ولو قتل العبد المغصوب في يد الغاصب ومات وقد كان جنى قبل الغصب جنايات فالقيمة لأصحاب الجنايات ولا خيار للمولى في ذلك .

                                                                                        ولا يجوز إقرار العبد المأذون والمحجور عليه بالجناية ولا يسعى بعد العتق ولو أقر بعد العتق أنه كان جنى في حالة الرق لم يلزمه شيء ولو قتل العبد قتيلا خطأ ثم قطعت يد العبد ثم آخر خطأ فأرش يده يسلم لأولياء الجناية الأولى ثم يدفعه العبد فيكون بين ولي الجنايتين ولو اختلف المولى وولي الجناية فادعى المولى أن القتل كان قبل الجناية وادعى ولي الجناية أنه كان بعدها فالقول قول الولي ولو شج إنسانا موضحة وقيمته ألف ثم قال قتل آخر وقيمته ألفان فإن المولى يدفع بينهما على أحد وعشرين سهما لصاحب الموضحة سهم وعشرون لولي القتيل وكذلك لو كان عمي بعد القتل قبل الشجة وما يحدث من الزيادة والنقصان فهو على الشركة وفي العيون إذا أوصى بعتق عبد له فجنى العبد جناية أرشها درهم فقالت الورثة بعد موت الموصي لا نفدي فلهم ذلك فإذا تركوا الفداء يدفع بالجناية وتبطل بالوصية إلا أن يؤدي العبد من غير ما اكتسبه بأن يقول للإنسان أد عني درهما ففعل يصح ويصير ذلك الدرهم دينا على العبد يطالب به إذا عتق .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية