الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( عبدهما قتل قريبهما فعفا أحدهما بطل الكل ) معناه إن كان عبد بين رجلين فقتل قريبا لهما كأمهما أو أخوهما فعفا أحدهما بطل الجميع ولا يستحق غير العافي منهما شيئا من العبد غير نصيبه الذي كان له من قبل .

                                                                                        وكذا إذا كان العبد لقريب لهما أو لمعتقهما فقتل مولاه فرثاه بطل الكل هذا عند أبي حنيفة وقال أبو يوسف يدفع الذي عفا نصف نصيبه إلى الآخر إن شاء وإن شاء فداه بربع الدية لأن حق القصاص ثبت لهما في العبد على الشيوع لأن الملك لا ينافي استحقاق القصاص عليه للمولى فإذا عفا أحدهما انقلب نصيب الآخر وهو النصف مالا غير أنه شائع في كل العبد فيكون نصفه في نصيبه ونصفه في نصيب صاحبه فما أصاب نصيبه سقط لأن المولى لا يستوجب على عبده مالا وما أصاب نصيب صاحبه ثبت وهو نصف النصف وهو الربع فيدفع نصف نصيبه أو يفديه بربع الدية ولأبي حنيفة أن ما يجب من المال يكون حق المولى لأنه بدل دمه ولهذا يقضى منه ديونه وتنفذ منه وصاياه ثم الورثة يخلفونه فيه عند الفراغ من حاجته والمولى لا يستوجب على عبده مالا فلا تخلفه الورثة فيه ولأن القصاص لما صار مالا صار بمعنى الخطأ وفيه لا يجب شيء فكذا ما هو في معنى ذلك وفي الكافي ومن قتل وليه عمدا فقطع يد قاتله ثم عفا وقد قضي له بالقصاص أو لم يقض فعلى قاطع اليد دية عند أبي حنيفة وقالا لا شيء عليه وكذا إذا عفا ثم سرى لا يضمن شيئا والقطع الساري أفحش من المقتصر وصار كما لو كان له قصاص في اليد فقطع أصابعه ثم عفا عن اليد فإنه لا يضمن أرش الأصابع والأصابع والكف كأطراف النفس ولو قطع وما عفا ثم برأ فهو على الخلاف في الصحيح .

                                                                                        ولو قطع ثم حز رقبته قبل البرء فهو على استيفاء قتل يضمن حتى لو حز رقبته بعد البرء فهو على الخلاف في الصحيح شج رجلا موضحة عمدا فعفا عنها وما يحدث منها ثم شجه شجة أخرى عمدا فلم يعف عنها فعلى الجاني الدية كاملة في ثلاث سنين إذا مات منها جميعا من قبل أنه عفا عن الأولى بطل عنه القصاص وصارت الثانية مالا وصارت الأولى أيضا مالا ولم يجز له العفو لأنه لا وصية له وروى الحسن بن زياد عن أبي يوسف في مثل هذه الصورة أن على الجاني الدية رجل قتل عمدا وقضي لوليه بالقصاص على القاتل فأمر الولي رجلا بقتله ثم إنه طلب من الولي أن يعفو عن القاتل فعفا عنه فقتله المأمور وهو لا يعلم بالعفو قال عليه الدية [ ص: 435 ] ويرجع بذلك على الآمر امرأة قتلت رجلا خطأ فتزوجها ولي المقتول على الدية التي وجبت على العاقلة فذلك جائز والعاقلة براء فإن طلقها قبل الدخول بها رجع على العاقلة بنصف الدية رجل شج رجلا موضحة عمدا ومات من الموضحتين فعلى الآخر القصاص ولا شيء على الأول وكذلك لو كان الصلح مع الأول بعد ما شجه الآخر قال أبو الفضل فقد استحسن في موضع آخر من هذا الكتاب أنه له القصاص على الآخر إذا كان شجه بعد صلح الأول رجل شج رجلا موضحة عمدا وصالحه عنها وما يحدث منها على عشرة آلاف درهم وقبضها ثم شجه آخر خطأ ومات منها فعلى الثاني خمسة آلاف درهم على عاقلته .

                                                                                        ويرجع الأول في مال المقتول بخمسة آلاف درهم على عاقلته وإن كانت الشجتان عمدا جاز إعطاء الأول وقتل الآخر والله أعلم .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية