الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        قال رحمه الله ( ولا قسامة ولا دية في ميت لا أثر به أو يسيل دم من فمه أو أنفه أو دبره بخلاف عينه وأذنه ) لأن القسامة تجب في القتيل .

                                                                                        وهذا ليس بقتيل وإنما مات حتف أنفه وفي مثله لا قسامة ولا غرامة لأن الغرامة تتبع فعل العبد ، والقسامة لاحتمال القتل منهم فلا بد من أثر يكون بالميت يستدل به على أنه قتيل بخلاف ما إذا خرج دمه من عينه وأذنه لأنه لا يخرج عادة إلا من كثرة الضرب فيكون قتيلا ظاهرا فتجري عليه أحكامه وهو المراد بقوله بخلاف عينه وأذنه ولو وجد بدن القتيل كله أو أكثر من نصفه أو النصف ومعه الرأس في محلة فعلى أهلها القسامة والدية وإن وجد نصفه مشقوقا بالطول أو وجد أقل من النصف وكان معه الرأس أو لم يكن فلا شيء عليهم لأن هذا حكم عرف بالنص وقد ورد به في البدن ولكن للأكثر حكم الكل فأجرينا عليه أحكامه تعظيما للآدمي والأقل ليس معناه فلا يلحق به وإلا لو اعتبرناه لاجتمعت الديات والقسامات بمقابلة شخص واحد بأن توجد أطرافه في القرى مفرقة وهو غير مشروع وينبني على هذا صلاة الجنازة لأنها لا تتكرر كالقسامة والدية قال الشارح ولو وجد فيهم جنين أو سقط ليس به أثر الضرب لا شيء على أهل المحلة لأنه لا يفوق الكبير حالا وإن كان به أثر الضرب وهو تام الخلق وجبت القسامة والدية عليهم لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيا إلى آخره أقول : في تحرير هذه المسألة فتور من وجوه : الأول أن الجنين على ما صرحوا به في عامة كتب اللغة الولد ما دام في البطن فكيف يتصور أنه يوجد فيهم [ ص: 448 ] جنين وحده وهو في بطن أمه وأما وجوده مع أمه بمعزل عما نحن فيه لكون الحكم هناك للأم دون الجنين .

                                                                                        والثاني أن ذكر الجنين يغني عن ذكر السقط لأن السقط على ما صرح به في كتب اللغة الولد الذي يسقط قبل تمامه والجنين يعم تام الخلق وغير تامه والثالث أن قوله ليس به أثر الضرب غير كاف في جواب المسألة إذ لا بد فيه من أن يكون به أثر الجراحة والخنق كما تقرر فيما سبق فالاقتصار هنا على نفي أثر الضرب تقصير والأظهر أن يقال ولو وجد فيهم ولد صغير ساقط ليس فيه أثر القتل فلا شيء عليهم فتدبر قوله وإن كان به أثر الضرب وهو تام الخلق وجبت القسامة والدية عليهم لأن الظاهر أن تام الخلق ينفصل حيا فإن قيل الظاهر يصلح للدفع دون الاستحقاق ولهذا قلنا في عين الصبي ولسانه وذكره إذا لم يعلم صحته حكومة عدل عندنا وإن كان الظاهر سلامتها أجيب بأنه إنما لم يجب في الأطراف قبل أن يعلم صحتها ما يجب في السليمة لأن الأطراف يسلك بها مسلك الأموال وليس تعظيم كتعظيم النفس فلم يجب فيها قبل العلم بالصحة قصاص أو دية بخلاف الجنين فإنه نفس من وجه عضو من وجه فإذا انفصل تام الخلق وبه أثر الضرب وجب فيه القسامة والدية تعظيما للنفوس لأن الظاهر أنه قتيل لوجود دلالة القتل وهو الأثر إذ الظاهر من حال تام الخلق أن ينفصل حيا وأما إذا وجد ميتا ولا أثر به لا يجب فيه شيء فكذا هذا قال جمهور الشراح .

                                                                                        ورد صاحب العناية جوابهم المزبور حيث قال بعد ذكر السؤال والجواب وهذا كما ترى مع تطويله لم يرد السؤال وربما قواه لأن الظاهر إذا لم يكن حجة للاستحقاق في الأموال وما سلك به مسلكها فلأن يكون فيما هو أعظم خطرا أولى انتهى ولأن الجنين نفس فاعتبرنا جهة النفس إن انفصل حيا فيستدل عليه بتمام الخلق وعضو من وجه فاعتبرنا جهة العضو إن انفصل ميتا فيستدل عليه بنقصان الخلق .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية