قال رحمه الله ( فإن كانت المذبوحة أكثر تحرى وأكل وإلا لا ) وقال غنم مذبوحة وميتة لا يجوز الأكل في حالة الاختيار ولنا أن الغلبة تنزل منزلة الضرورة في إفادة الإباحة ، ألا ترى أن أسواق المسلمين لا تخلو عن المحرم من مسروق ومغصوب ومع ذلك يباح التناول اعتمادا على الظاهر وهذا لأن القليل منه لا يمكن التحرز عنه ولا يستطاع الامتناع عنه فسقط اعتباره دفعا للحرج كقليل النجاسة في البدن أو الثوب ، بخلاف ما إذا كانت الميتة أكثر أو استويا ; لأنه لا ضرورة إليه فيمكن الاحتراز فلا تؤكل قال في العناية أخذا من النهاية طولب بالفرق بين هذا وبين الثياب فإن الشافعي فإنه يتحرى ويصلي في الذي يقع تحريه أنه طاهر [ ص: 546 ] فقد جوز هناك التحري فيما إذا كان الثوب النجس والطاهر نصفين وفي المذكية والميتة لم يجوز وأجيب بأن وجه الفرق هو أن حكم الثياب أخف من غيرها لأن الثياب لو كانت كلها نجسة كان له أن يصلي في بعضها ثم لا يعيد صلاته ; لأنه مضطر على الصلاة ، بخلاف ما نحن فيه من الغنم ويؤيده أن الرجل إذا لم يكن معه إلا ثوب نجس فإن كان ثلاثة أرباعه نجسا وربعه طاهرا يصلي فيه ولا يصلي عريانا بالإجماع فلما جازت صلاته وهو نجس بيقين فلأن يجوز بالتحري حالة الاشتباه أولى . ا هـ . المسافر إذا كان معه ثوبان أحدهما نجس والآخر طاهر ولا يميز بينهما وليس معه ثوب غيرهما
أقول : الجواب عندي والسؤال فيهما نظر أما الأول فلأن تجويز التحري فيما إذا كان الثوب النجس والطاهر نصفين إنما هو في حالة الاختيار كما صرحوا به في شرح الجامع الصغير وصرح به صاحب الهداية بقوله وهذا إذا كانت الحالة حالة الاختيار ، وأما في حالة الضرورة فيباح له التناول في جميع ذلك فلا تتوجه المطالبة بالفرق بين المسألتين رأسا لظهور اختلاف حكم الحالين الاختيار والاضطرار قطعا ، وأما الثاني فلأن ما ذكر فيه لا يقتضي كون حكم الثياب أخف من حكم غيرها لأن جواز الصلاة في بعض الثياب عند كون كلها نجسة فعدم لزوم إعادة الصلاة إذ ذاك إذ هو في حالة الاضطرار كما أفصح عنه المجيب بقوله لأنه مضطر إلى الصلاة فيها وكون ما نحن فيه من الغنم بخلاف ذلك إنما هو في حالة الاختيار كما تحققته فمن أين يثبت حكم كون الثياب أخف من حكم غيرها مطلقا حتى يصلح أن يجعل مدارا للفرق بين تلك المسألتين .