الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله وإن سها عن القعود الأول وهو إليه أقرب عاد وإلا لا ) أي إلى القعود لأن الأصل أن ما يقرب من الشيء يأخذ حكمه كفناء المصر وحريم البئر فإن كان أقرب إلى القعود بأن رفع أليتيه من الأرض وركبتاه عليها أو ما لم ينتصب النصف الأسفل وصححه في الكافي فكأنه لم يقم أصلا فإن كان إلى القيام أقرب فكأنه قد قام وهو فرض قد تلبس به فلا يجوز رفضه لأجل واجب وهو القعدة وهذا التفصيل مروي عن أبي يوسف واختاره مشايخ بخارى وارتضاه أصحاب المتون وفي الكافي واستحسن مشايخنا روايته وذكر في المبسوط أن ظاهر الرواية إذا لم يستتم قائما يعود وإذا استتم قائما لا يعود لأنه جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قام من الثانية إلى الثالثة قبل أن يقعد فسبحوا به فعاد وروي أنه لم يعد وكان بعدما استتم قائما وهذا لأنه لما استتم قائما اشتغل بفرض القيام فلا يترك . ا هـ .

                                                                                        وصححه الشارح وفي فتح القدير أنه ظاهر المذهب والتوفيق بين الفعلين المرويين بالحمل على حالتي القرب من القيام وعدمه ليس بأولى منه بالحمل على الاستواء وعدمه ثم لو عاد في موضع وجوب عدمه اختلفوا في فساد صلاته فصحح الشارح الفساد لتكامل الجناية برفض الفرض بعد الشروع فيه لأجل ما ليس بفرض وفي المبتغى بالغين المعجمة أنه غلط لأنه ليس بترك وإنما هو تأخير كما لو سها عن السورة فركع فإنه يرفض الركوع ويعود إلى القيام ويقرأ لأجل الواجب وكما لو سها عن القنوت فركع فإنه لو عاد وقنت لا تفسد على الأصح وقد يقال أنه لو عاد وقرأ السورة صارت السورة فرضا فقد عاد من فرض إلى فرض والقنوت له شبهة القرآنية على ما قيل أنه كان قرآنا فنسخ فقد عاد إلى ما فيه شبهة القرآنية أو عاد إلى فرض وهو القيام فإن كل ركن طوله فإنه يقع فرضا كله وفي فتح القدير وفي النفس من التصحيح شيء وذلك أن غاية الأمر في الرجوع إلى القعدة الأولى أن تكون زيادة قيام ما في الصلاة وهو وإن كان لا يحل فهو بالصحة لا يخل لما عرف أن زيادة ما دون ركعة لا يفسد إلا أن يفرق باقتران هذه الزيادة بالرفض لكن قد يقال المستحق لزوم الإثم أيضا بالرفض أما الفساد فلم يظهر وجه استلزامه إياه فترجع بهذا البحث القول المقابل للمصحح ا هـ .

                                                                                        فظاهره أنه لم يطلع على تصحيح آخر وقد ذكر في المجتبى ومعراج الدراية أنه لو عاد بعد الانتصاب مخطئا قيل يتشهد لنقضه القيام والصحيح أنه لا يتشهد ويقوم ولا ينتقض قيامه بقعود لم يؤمر به كمن نقض الركوع بسورة لا ينتقض ركوعه ا هـ .

                                                                                        فقد اختلف التصحيح كما رأيت والحق [ ص: 110 ] عدم الفساد ولا يلزم سجدة التلاوة فإنه يترك الفرض لأجلها وهي واجبة لأن ذلك ثبت بالنص على خلاف القياس وأراد بالقعود الأول القعود في صلاة الفرض رباعيا كان أو ثلاثيا وكذا في صلاة الوتر كما في المحيط أما في النفل إذا قام إلى الثالثة من غير قعدة فإنه يعود ولو استتم قائما ما لم يقيدها بسجدة كذا في السراج الوهاج وحكى فيه خلافا في المحيط قيل لا يعود لأنه صار كالفرض وقيل يعود ما لم يقيدها بالسجدة لأن كل شفع صلاة على حدة في حق القراءة فأمرناه بالعود إلى القعدة احتياطا ومتى عاد تبين أن القعدة وقعت فرضا فيكون رفض الفرض لمكان الفرض فيجوز ا هـ .

                                                                                        وهذا كله في حق الإمام والمنفرد وأما المأموم إذا قام ساهيا فإنه يعود ويقعد لأن القعود فرض عليه بحكم المتابعة إليه أشار في السراج الوهاج فإنه قال إذا تشهد الإمام وقام من القعدة الأولى إلى الثالثة فنسي بعض من خلفه التشهد حتى قاموا جميعا فعلى من لم يتشهد أن يعود ويتشهد ثم يتبع إمامه وإن خاف أن تفوته الركعة الثالثة لأنه تبع لإمامه فيلزمه أن يتشهد بطريق المتابعة وهذا بخلاف المنفرد لأن التشهد الأول في حقه سنة وبعدما اشتغل بفرض القيام لا يعود إلى السنة وهاهنا التشهد فرض عليه بحكم المتابعة ا هـ .

                                                                                        وكذا في القنية ففي القعود أولى وظاهره أنه لو لم يعد تبطل صلاته لترك الفرض وفي المجمع ولو نام لاحق سها إمامه عن القعدة الأولى فاستيقظ بعد الفراغ أمرناه بترك القعدة ا هـ .

                                                                                        وفي آخر فتاوى الولوالجي من مسائل متفرقة مريض يصلي بالإيماء فلما بلغ حالة التشهد فظن أنه حالة القيام فاشتغل بالقراءة ثم تذكر أنه حالة التشهد فلا يخلو إما إن كان التشهد الأول أو التشهد الثاني فإن كان التشهد الأول فحالة القراءة تنوب عن القيام فلا يعود إلى التشهد ويتم الصلاة وإن كان التشهد الثاني رجع إلى التشهد ويتم الصلا وكذلك الجواب في الصحيح إذا قام قبل أن يتشهد ا هـ .

                                                                                        ( قوله ويسجد للسهو ) خاص بقوله وإلا لا كما صححه المصنف في الكافي تبعا لصاحب الهداية لترك الواجب وأما إذا كان إلى القعود أقرب وعاد فلا سجود عليه كما إذا لم يقم لأن الشرع لم يعتبره قياما وإلا لم يطلق له القعود فكان معتبرا قعودا أو انتقالا للضرورة وهذا الاعتبار ينافيه اعتبار التأخير المستتبع لوجوب السجود وفي الخلاصة وفي رواية إذا قام على ركبتيه لينهض يقعد وعليه السهو ويستوي فيه القعدة الأولى والثانية وعليه الاعتماد وإن رفع أليتيه عن الأرض وركبتاه على الأرض ولم يرفعهما لا سهو عليه كذا روي عن أبي يوسف وفي الأجناس عليه السهو ويستوي في ذلك القعدة الأولى والأخيرة ا هـ .

                                                                                        فالحاصل على هذا المعتمد أنه إن كان إلى القعود أقرب فإنه يعود مطلقا فإن رفع ركبتيه من الأرض لزمه السجود وإلا فلا وهو مخالف للتصحيح السابق في بعضه وفي الولوالجية المختار وجوب السجود لأنه بقدر ما اشتغل بالقيام صار مؤخرا واجبا وجب وصله بما قبله من الركن فصارتا كالواجب فيجب عليه سجدتا السهو ا هـ .

                                                                                        فاختلف الترجيح على أقوال ثلاثة والأكثر على الأول .

                                                                                        [ ص: 109 ]

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        [ ص: 109 ] قول المصنف وهو إليه أقرب ) قال في النهر في كلامه تقديم معمول أفعل التفضيل وهو ممتنع عندهم وجوزه صدر الأفاضل توسعة

                                                                                        ( قوله وصححه الشارح ) أقول : ونقل الشرنبلالي تصحيحه عن البرهان ومشى عليه في متنه نور الإيضاح وكذا تلميذ المؤلف في متنه التنوير ( قوله وقد يقال أنه إذا عاد إلخ ) ذكره المقدسي أيضا وقال بعده ولا غلط في كلامهم إن أرادوا تركا مقيدا بذلك الوقت ليس تركا بالكلية فهو معنى التأخير فتأمل ا هـ .

                                                                                        وحاصله إبداء الفرق بين العود إلى القعود في مسألتنا والعود إلى القيام في المسألة المقيس عليها بأن عوده إلى القيام عود من فرض إلى فرض بخلاف عوده إلى القعود لكن يجاب أنه في مسألة القنوت لم يعد إلى فرض لأن ركوعه لم يرتفض فقيامه بعده ليس قيام فرض بل هو قيام الرفع من الركوع وهو سنة أو واجب فكان في قراءته للقنوت تأخير فرض لا تركه فهو نظير عوده إلى القعود ( قوله والقنوت له شبهة القرآنية إلخ ) هذا مسلم لو كان الواجب في القنوت دعاءه المخصوص الذي قيل إنه كان سورتين من القرآن فنسخ مع أنه سنة والواجب غير مؤقت به كما مر في محله تأمل ( قوله من التصحيح ) أي من تصحيح الزيلعي الفساد

                                                                                        ( قوله وقد ذكر في المجتبى إلخ ) قال في النهر أقول : صرح ابن وهبان بأن الخلاف في التشهد وعدمه مفرع على القول بعدم الفساد وترجيح أحد القولين بناء عليه لا يستلزم ترجيح عدم الفساد ظاهرا نعم قال الشيخ عبد البر رأيت بخط العلامة نظام الدين السيرامي تصحيح عدم الفساد ثم قال ولقائل أن يمنع قول المحقق غاية ما وجد إلخ بأن الفساد لم يأت من قبل الزيادة بل من رفض الركن للواجب والذي رأيته منقولا عن شرح القدوري لابن عوف والزوزني أن القول بعدم الفساد في صورة ما إذا كان إلى القيام أقرب وأنه في الاستواء قائما لا خلاف في الفساد ا هـ .

                                                                                        وقد نقل المقدسي عن شرحي القدوري للمذكورين بعد نقله تصحيح الصحة عن المعراج والدراية ما نصه إن عاد للقعود يكون مسيئا ولا تفسد صلاته ويسجد لتأخير الواجب ا هـ .

                                                                                        وهذا موافق لما بحثه المحقق ويوافقه أيضا في القنية ترك القعدة الأولى في الفرض فلما قام عاد إليها وذكر أنه لم يكن القعود يقوم في الحال وفيها أيضا ولو عاد الإمام يعني إلى القعدة الأولى بعدما قام لا يعود [ ص: 110 ] معه القوم تحقيقا للمخالفة وذكر البعض أنهم يعودون معه ا هـ .

                                                                                        وهذا كما قال في شرح المنية يفيد عدم الفساد بالعود ( قوله وظاهره أنه لو لم يعد تبطل صلاته ) قال في النهر وفيه ما لا يخفى والذي ينبغي أن يقال أنها واجبة في الواجب فرض في الفرض ( قوله في الصحيح ) أي في المصلي الصحيح غير المريض ( قوله أو انتقالا ) أي انتقالا عن القعود وعلى كل فليس بقيام ( قوله وإن رفع أليتيه عن الأرض إلخ ) لا يخفى أن هذه الصورة هي الصورة التي قبلها فيكون الحاصل في تلك الصورة اختلاف الرواية وقد اختار في الأجناس في هذه الصورة أن عليه السهو اللهم إلا أن يحمل الأول على ما إذا فارقت ركبتاه الأرض دون أن يستوي نصفه الأسفل شبه الجالس لقضاء الحاجة ( قوله فالحاصل على هذا ) أي على ما في الخلاصة وقوله وهو مخالف للتصحيح السابق في بعضه أي للتصحيح الذي قدمه عن الكافي والهداية فإن ظاهره أنه متى كان إلى القعود أقرب وعاد لا سجود عليه سواء رفع ركبتيه من الأرض أو لا فيوافقه ما في الخلاصة فيما إذا لم يرفع ركبتيه ويخالفه فيما إذا رفعهما وقوله وفي الولوالجية إلخ جعله قولا ثالثا لأن الظاهر أنه متى كان إلى القعود أقرب يلزمه السجود سواء رفع ركبتيه من الأرض أو لا .




                                                                                        الخدمات العلمية