( باب المسافر ) أي باب صلاة المسافر ; لأن الكلام في أبواب الصلاة ، ولا شك أن السفر عارض مكتسب كالتلاوة وإلا أن التلاوة عارض هو عبادة في نفسه إلا بعارض بخلاف السفر إلا بعارض فلذا أخر هذا الباب عن ذاك والسفر لغة قطع المسافة من غير تقدير بمدة ; لأنه عبارة عن الظهور ; ولهذا حمل أصحابنا رحمهم الله قوله صلى الله عليه وسلم { ليس على الفقير والمسافر أضحية } على الخروج من بلد أو قرية حتى سقط الأضحية بذلك القدر كذا في المجتبى ، وذكر في غاية البيان والسراج الوهاج أن من الأحكام التي تغيرت بالسفر الشرعي سقوط الأضحية وجعله كالقصر وظاهره أنها لا تسقط إلا بالسفر الشرعي وسيأتي تحقيقه - إن شاء الله تعالى - في محله ، والإضافة في صلاة المسافر إضافة الشيء إلى شرطه والفعل إلى فاعله ( قوله من قصر الفرض الرباعي ) جاوز بيوت مصره مريدا سيرا وسطا ثلاثة أيام في بر أو بحر أو جبل ومدته وحكمه أما الأول فهو مجاوزة بيوت المصر لما صح عنه عليه السلام { بيان للموضع الذي يبتدأ فيه القصر ولشرط القصر بذي الحليفة } وعن أنه قصر العصر أنه خرج من علي البصرة [ ص: 139 ] فصلى الظهر أربعا ثم قال : إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين والخص بالخاء المعجمة والصاد المهملة بيت من قصب كذا ضبطه في السراج الوهاج ويدخل في بيوت المصر ربضه ، وهو ما حول المدينة من بيوت ومساكن ويقال لحرم المسجد ربض أيضا
وظاهر كلام المصنف أنه لا يشترط مجاوزة القرية المتصلة بربض المصر ، وفيه اختلاف وظاهر المجتبى ترجيح عدم الاشتراط ، وهو الذي يفيده كلام أصحاب المتون كالهداية أيضا وجزم في فتح القدير بالاشتراط واعترض به على الهداية وصحح قاضي خان في فتاويه أنه لا بد من بخلاف القرية المتصلة بفناء المصر فإنه يعتبر مجاوزة الفناء لا القرية ، ولم يذكر مجاوزة القرية المتصلة بربض المصر المصنف مجاوزة الفناء للاختلاف وفصل قاضي خان في فتاواه فقال : إن كان بينه وبين المصر أقل من قدر غلوة ، ولم يكن بينهما مزرعة يعتبر مجاوزة الفناء أيضا ، وإن كانت بينهما مزرعة أو كانت المسافة بينه وبين المصر قدر غلوة يعتبر مجاوزة عمران المصر ا هـ .
وأطلق في المجاوزة فانصرفت من الجانب الذي خرج منه ، ولا يعتبر مجاوزة محلة بحذائه من الجانب الآخر ، فإن كانت في الجانب الذي خرج منه محلة منفصلة عن المصر ، وفي القديم كانت متصلة بالمصر لا يقصر الصلاة حتى يجاوز تلك المحلة كذا في الخلاصة ، وذكر في المجتبى أن قدر الغلوة ثلثمائة ذراع إلى أربعمائة ، وهو الأصح
وفي المحيط وكذا إذا عاد من سفره إلى مصر لم يتم حتى يدخل العمران ، وأما الثاني فهو أن فلو طاف الدنيا من غير قصد إلى قطع مسيرة ثلاثة أيام لا يترخص ، وعلى هذا قالوا : أمير خرج مع جيشه في طلب العدو ، ولم يعلم أين يدركهم فإنهم يصلون صلاة الإقامة في الذهاب ، وإن طالت المدة وكذلك المكث في ذلك الموضع أما في الرجوع ، فإن كانت مدة سفر قصروا ، وعلى اعتبار القصد تفرع في صبي ونصراني خرجا قاصدين مسيرة ثلاثة أيام ففي أثنائها بلغ الصبي وأسلم الكافر يقصر الذي أسلم فيما بقي ويتم الذي بلغ لعدم صحة القصد والنية من الصبي حين أنشأ السفر بخلاف النصراني والباقي بعد صحة النية أقل من ثلاثة أيام وسيأتي أيضا ، وإنما اكتفى بالنية في الإقامة واشترط العمل معها في السفر لما أن في السفر الحاجة إلى الفعل ، وهو لا يكفيه مجرد النية ما لم يقارنها عمل من ركوب أو مشي كالصائم إذا نوى الإفطار لا يكون مفطرا ما لم يفطر ، وفي الإقامة الحاجة إلى ترك الفعل ، وفي الترك يكفي مجرد النية كعبد التجارة إذا نواه للخدمة وأشار يقصد مسيرة ثلاثة أيام المصنف إلى أن النية لا بد أن تكون قبل الصلاة ; ولذا قال في التجنيس إذا يتم صلاة المقيم عند افتتح الصلاة في السفينة حال إقامته في طرف البحر فنقلها الريح ، وهو في السفينة ونوى السفر خلافا أبي يوسف ; لأنه اجتمع في هذه الصلاة ما يوجب الأربع وما يمنع فرجحنا ما يوجب الأربع احتياطا ا هـ . لمحمد
وفيه أيضا ومن حمل غيره ليذهب معه والمحمول لا يدري أين يذهب معه فإنه يتم الصلاة حتى يسير ثلاثا ; لأنه لم يظهر المغير وإذا سار ثلاثا فحينئذ قصر ; لأنه وجب عليه القصر من حين حمله ، ولو كان فإن صلاته تجزئه ، وإن سار به أقل من مسيرة ثلاثة أيام أعاد كل صلاة صلاها ركعتين ; لأنه تبين أنه صلى صلاة المسافرين ، وهو مقيم ، وفي الوجه الأول تبين أنه مسافر ا هـ . صلى ركعتين من يوم حمل وسار به مسيرة ثلاثة أيام
ففي هذه المسألة يكون مسافرا بغير قصد ، وهو غير مشكل لما سيأتي أن الاعتبار بنية المتبوع لا التابع ، وأما التقدير بثلاثة أيام فهو ظاهر المذهب ، وهو الصحيح لإشارة قوله صلى الله عليه وسلم { } عم الرخصة الجنس ، ومن ضرورته عموم التقدير ، وتمام تحقيقه في فتح القدير والمراد باليوم النهار دون الليل ; لأن الليل للاستراحة فلا يعتبر والمراد ثلاثة أيام من أقصر أيام السنة وهل يشترط سفر كل يوم إلى الليل اختلفوا [ ص: 140 ] فيه والصحيح أنه لا يشترط حتى لو بكر في اليوم الأول ومشى إلى الزوال ثم في اليوم الثاني كذلك ثم في اليوم الثالث كذلك فإنه يصير مسافرا ; لأن المسافر لا بد له من النزول لاستراحة نفسه ودابته فلا يشترط أن يسافر من الفجر إلى الفجر ; لأن الآدمي لا يطيق ذلك ، وكذلك الدواب فألحقت مدة الاستراحة بمدة السفر لأجل الضرورة كذا في السراج الوهاج وبه اندفع ما في فتح القدير ; لأن أقل اليوم إذا كان ملحقا بأكثره للضرورة لم يكن فيه مخالفة للحديث المفيد للثلاثة كما أن الليل للاستراحة ، وهو مذكور في الحديث وأشار يمسح المقيم يوما وليلة والمسافر ثلاثة أيام المصنف إلى أنه لا اعتبار بالفراسخ ، وهو الصحيح ; لأن الطريق لو كان وعرا بحيث يقطع في ثلاثة أيام أقل من خمسة عشر فرسخا قصر بالنص ، وعلى التقدير بها لا يقصر فيعارض النص فلا يعتبر سوى سير الثلاثة ، وفي النهاية الفتوى على اعتبار ثمانية عشر فرسخا ، وفي المجتبى فتوى أكثر أئمة خوارزم على خمسة عشر فرسخا ا هـ .
وأنا أتعجب من فتواهم في هذا وأمثاله بما يخالف مذهب الإمام خصوصا المخالف للنص الصريح وفي فتاوى قاضي خان أن الرجل إذا قصد بلده وإلى مقصده طريقان : أحدهما مسيرة ثلاثة أيام ولياليها ، والآخر دونها فسلك الطريق الأبعد كان مسافرا عندنا ا هـ .
وإن سلك الأقصر يتم وهذا جواب واقعة الملاحين بخوارزم فإن من الجرجانية إلى مدانق اثني عشر فرسخا في البر ، وفي جيحون أكثر من عشرين فرسخا فجاز لركاب السفينة والملاحين القصر والإفطار فيه صاعدا ومنحدرا كذا في المجتبى وذكر الإسبيجابي المقيم إذا قصد مصرا من الأمصار ، وهو ما دون مسيرة ثلاثة أيام لا يكون مسافرا ، ولو أنه خرج من ذلك المصر الذي قصد إلى مصر آخر ، وهو أيضا أقل من ثلاثة أيام فإنه لا يكون مسافرا ، وإن طاف آفاق الدنيا على هذا السبيل لا يكون مسافرا ا هـ .
وفي السراج الوهاج إذا كانت المسافة ثلاثة أيام بالسير المعتاد فسار إليها على البريد سيرا مسرعا أو على الفرس جريا حثيثا فوصل في يومين قصر ا هـ .
والمراد بسير البر والجبل أن يكون بالإبل ومشي الأقدام والمراد بالإبل إبل القافلة دون البريد وأما السير في البحر فيعتبر ما يليق بحاله ، وهو أن يكون مسافة ثلاثة فيه إذا كانت تلك الرياح معتدلة ، وإن كانت تلك المسافة بحيث تقطع في البر في يوم كما في الجبل يعتبر كونها من طريق الجبل بالسير الوسط ثلاثة أيام ، وإن كانت تقطع من طريق السهل بيوم ، فالحاصل أن تعتبر المدة من أي طريق أخذ فيه ; ولهذا عمم المصنف رحمه الله وخرج سير البقر بجر العجلة ونحوه ; لأنه أبطأ السير كما أن أسرعه سير الفرس والبريد والوسط ما ذكرنا ، وفي البدائع ثم يعتبر في كل ذلك السير المعتاد فيه وذلك معلوم عند الناس فيرجع إليهم عند الاشتباه
وأما الثالث أعني فهو تغيير بعض الأحكام فذكر حكم السفر المصنف منها قصر الصلاة والمراد وجوب قصرها حتى لو أتم فإنه آثم عاص ; لأن الفرض عندنا من ذوات الأربع ركعتان في حقه لا غير ومن مشايخنا من لقب المسألة بأن القصر عندنا عزيمة وإلا كمال رخصة قال في البدائع وهذا التقليب على أصلنا خطأ ; لأن الركعتين في حقه ليستا قصرا [ ص: 141 ] حقيقة عندنا بل هما تمام فرض المسافر وإلا كمال ليس رخصة في حقه بل إساءة ومخالفة للسنة ولأن الرخصة اسم لما تغير عن الحكم الأصلي بعارض إلى تخفيف ويسر ، ولم يوجد معنى التغيير في حق المسافر رأسا إذ الصلاة في الأصل فرضت ركعتين في حق المقيم والمسافر ثم زيدت ركعتين في حق المقيم كما روته رضي الله عنها فانعدم معنى التغيير في حقه أصلا ، وفي حق المقيم وجد التغيير لكن إلى الغلظ والشدة لا إلى السهولة واليسر ، والرخصة تنبئ عن ذلك فلم يكن ذلك رخصة حقيقة في حق المقيم أيضا ، ولو سمى فإنما هو مجاز لوجود بعض معاني الحقيقة ، وهو التغيير ا هـ . عائشة
فعلى هذا لو قال في جواب الشرط صلى الفرض الرباعي ركعتين لكان أولى وقيد بالفرض ; لأنه لا قصر في الوتر والسنن واختلفوا في ترك السنن في السفر فقيل : الأفضل هو الترك ترخيصا وقيل الفعل تقربا وقال الهندواني : الفعل حال النزول والترك حال السير ، وقيل يصلي سنة الفجر خاصة ، وقيل سنة المغرب أيضا ، وفي التجنيس والمختار أنه إن كان حال أمن وقرار يأتي بها ; لأنها شرعت مكملات والمسافر إليه محتاج ، وإن كان حال خوف لا يأتي بها ; لأنه ترك بعذر ا هـ .
وقيد بالرباعي ; لأنه لا قصر في الفرض الثنائي والثلاثي فالركعات المفروضة حال الإقامة سبع عشرة وحال السفر إحدى عشرة ، وفي عمدة الفتاوى للصدر الشهيد إذا لا تطلق واحدة منهن أما السبعة عشر لا يشكل ومن قالت عشرون ركعة فقد ضمت الوتر إليها ، ومن قالت خمس عشرة فيوم الجمعة ، ومن قالت إحدى عشرة ففرض المسافر ا هـ . قال لنسائه من لم يدر منكن كم ركعة فرض يوم وليلة فهي طالق فقالت : إحداهن عشرون ركعة والأخرى سبعة عشر ركعة والأخرى خمس عشرة والأخرى إحدى عشرة
أطلق الإرادة فشملت إرادة الكافر قال في الخلاصة فالنصراني يقصر الصلاة فيما بقي من سفره والصبي يتم الصلاة بناء على أن نية الكافر معتبرة ، وهو المختار ، والإمام الجليل : صبي ونصراني خرجا إلى سفر مسيرة ثلاثة أيام ولياليها فلما سارا يومين أسلم النصراني وبلغ الصبي الفضلي سوى بينهما يعني كلاهما يتمان الصلاة ا هـ .