( باب صلاة الجمعة ) .
مناسبته مع ما قبله تنصيف الصلاة لعارض إلا أن التنصيف هنا في خاص من الصلاة ، وهو الظهر وفيما قبله في كل رباعية وتقديم العام هو الوجه ولسنا نعني أن الجمعة تنصيف الظهر بعينه بل هي فرض ابتداء نسبته النصف منها وهي فريضة محكمة بالكتاب والسنة والإجماع يكفر جاحدها وقد أطال المحقق في فتح القدير في بيان دلائلها ثم قال ، وإنما أكثرنا فيه نوعا من الإكثار لما نسمع عن بعض الجهلة أنهم ينسبون إلى مذهب الحنفية عدم افتراضها ومنشأ غلطهم ما سيأتي من قول ، ومن القدوري كره وجازت صلاته ، وإنما أراد حرم عليه [ ص: 151 ] وصحت الظهر فالحرمة لترك الفرض ، وصحة الظهر لما سنذكره ، وقد صرح أصحابنا بأنها فرض آكد من الظهر وبإكفار جاحدها ا هـ . صلى الظهر في منزله يوم الجمعة ، ولا عذر له
أقول : ، وقد كثر ذلك من جهلة زماننا أيضا ومنشأ جهلهم صلاة الأربع بعد الجمعة بنية الظهر ، وإنما وضعها بعض المتأخرين عند الشك في صحة الجمعة بسبب رواية عدم تعددها في مصر واحد وليست هذه الرواية بالمختارة ، وليس هذا القول أعني اختيار صلاة الأربع بعدها مرويا عن وصاحبيه حتى وقع لي أني أفتيت مرارا بعدم صلاتها خوفا على اعتقاد الجهلة بأنها الفرض ، وأن الجمعة ليست بفرض وسنوضحه من بعد - إن شاء الله تعالى - وأما شرائطها فنوعان شرائط صحة وشرائط وجوب فالأول ستة كما ذكره أبي حنيفة المصنف : المصر والسلطان والوقت والخطبة والجماعة والأذان العام والثاني ستة أيضا كما سيأتي وهي بضم الميم وإسكانها وفتحها حكى ذلك الفراء والواحدي من الاجتماع كالفرقة من الافتراق أضيف إليها اليوم والصلاة ثم كثر الاستعمال حتى حذف منها المضاف وجمعت فقيل : جمعات وجمع كذا في المغرب وكان يوم الجمعة في الجاهلية يسمى عروبة بفتح العين المهملة وضم الراء وبالباء الموحدة وأول من سماها يوم الجمعة كعب بن لؤي ولما { المدينة أقام يوم الاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس في بني عمرو بن عوف وأسس مسجدهم ثم خرج من عندهم فأدركته الجمعة في بني سالم بن عوف فصلاها في المسجد الذي في بطن الوادي ، وادي راتونا } فكانت أول جمعة صلاها عليه الصلاة والسلام قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة
( قوله ) أي شرط صحتها أن تؤدى في مصر حتى لا تصح في قرية ، ولا مفازة لقول شرط أدائها المصر رضي الله عنه لا جمعة ، ولا تشريق ، ولا صلاة فطر ، ولا أضحى إلا في مصر جامع أو في مدينة عظيمة رواه علي وصححه ابن أبي شيبة وكفى بقوله قدوة وإماما ، وإذا لم تصح في غير المصر فلا تجب على غير أهله ، وفي الخلاصة ابن حزم إن نوى أن يمكث فيه يوم الجمعة لزمته الجمعة ، وإن نوى الخروج من ذلك المصر من يومه قبل دخول وقت الصلاة لا تلزمه وبعد دخول وقت الجمعة تلزمه قال الفقيه إن نوى الخروج من يومه ذلك ، وإن كان بعد دخول وقت الجمعة لا تلزمه . المصري إذا أراد أن يسافر يوم الجمعة لا بأس به إذا خرج من العمران قبل خروج وقت الظهر ; لأن الجمعة إنما تجب في آخر الوقت ، وهو مسافر في آخر الوقت القروي إذا دخل المصر يوم الجمعة ما لم ينو الإقامة خمسة عشر يوما ا هـ . والمسافر إذا قدم المصر يوم الجمعة على عزم أن لا يخرج يوم الجمعة لا تلزمه الجمعة
( قوله : وهو كل موضع له أمير وقاض ينفذ الأحكام ويقيم الحدود ) أي المذكور هو ظاهر المذهب كما ذكره الإمام حد المصر السرخسي زاد في الخلاصة ويشترط المفتي إذا لم يكن القاضي أو الوالي مفتيا وأسقط في الظهيرية الأمير فقال المصر في ظاهر الرواية أن يكون فيه مفت وقاض يقيم الحدود وينفذ الأحكام وبلغت أبنيته أبنية منى ا هـ .
واحترز المصنف بقوله ويقيم الحدود عن المحكم والمرأة إذا كانت قاضية فإنهما لا يقيمان الحدود ، وإن نفذ الأحكام واكتفى بذكر الحدود عن القصاص ; لأن من ملك إقامتها ملكه كذا في فتح القدير وظاهره أن لا يكون مصرا فلا تصح إقامة الجمعة فيها والظاهر خلافه قال في البدائع وأما البلدة إذا كان قاضيها أو أميرها امرأة فلا تصح منها إقامة الجمعة ; لأنهما لا يصلحان للإمامة في سائر الصلوات ففي الجمعة أولى إلا أن المرأة إذا المرأة والصبي العاقل جاز ; لأن المرأة تصلح سلطانا أو قاضية في الجملة فتصح إنابتها ا هـ . كانت سلطانا فأمرت رجلا [ ص: 152 ] صالحا للإمامة حتى يصلي بهم الجمعة
وفي حد المصر أقوال كثيرة اختاروا منها قولين : أحدهما ما في المختصر ثانيهما ما عزوه أنه بلدة كبيرة فيها سكك وأسواق ولها رساتيق وفيها وال يقدر على إنصاف المظلوم من الظالم بحشمه وعلمه أو علم غيره والناس يرجعون إليه في الحوادث قال في البدائع ، وهو الأصح وتبعه الشارح ، وهو أخص مما في المختصر ، وفي المجتبى وعن لأبي حنيفة أنه ما إذا اجتمعوا في أكبر مساجدهم للصلوات الخمس لم يسعهم ، وعليه فتوى أكثر الفقهاء وقال أبي يوسف أبو شجاع هذا أحسن ما قيل فيه ، وفي الولوالجية وهو الصحيح ، وفي الخلاصة الخليفة إذا سافر ، وهو في القرى ليس له أن يجمع بالناس ، ولو مر بمصر من أمصار ولايته فجمع بها ، وهو مسافر جاز ( قوله أو مصلاه ) أي مصلى المصر ; لأنه من توابعه فكان في حكمه والحكم غير مقصور على المصلى بل يجوز في جميع أفنية المصر ; لأنها بمنزلة المصر في حوائج أهله والفناء في اللغة سعة أمام البيوت وقيل ما امتد من جوانبه كذا في المغرب ، واختلفوه فاختار في الخلاصة والخانية أنه الموضع المعد لمصالح المصر متصل به ، ومن فيما يكون من توابع المصر في حق وجوب الجمعة على أهله فعليه الجمعة ، ولو كان بين ذلك الموضع وبين عمران المصر فرجة من مزارع أو مراع كالقلع ببخارى لا جمعة على أهل ذلك الموضع ، وإن سمعوا النداء والغلوة والميل والأميال ليس بشرط ا هـ . كان مقيما في عمران المصر وأطرافه ، وليس بين ذلك الموضع وبين عمران المصر فرجة
واختار في البدائع ما قاله بعضهم أنه إن أمكنه أن يحضر الجمعة ويبيت بأهله من غير تكلف تجب عليه الجمعة وإلا فلا ، قال وهذا أحسن ا هـ .
واختار في المحيط اعتبار الميلين فقال وعن في المنتقى لو أبي يوسف جاز أن يصلي بهم الجمعة ، وعليه الفتوى ; لأن فناء المصر بمنزلته فيما هو من حوائج أهله وأداء الجمعة منها ا هـ . خرج الإمام عن المصر مع أهله لحاجة مقدار ميل أو ميلين فحضرت الجمعة
وذكر الولوالجي في فتاويه أن المختار للفتوى قدر الفرسخ ; لأنه أسهل على العامة ، وهو ثلاثة أميال ا هـ .
وذكر في المضمرات وقال الشيخ الإمام الأجل حسام الدين يجب على أهل المواضع القريبة إلى البلد التي هي توابع العمران الذين يسمعون الأذان على المنارة بأعلى الصوت ، وهو الصحيح لزوما وإيجابا ا هـ .
فقد اختلف التصحيح والفتوى كما رأيت ولعل الأحوط ما في البدائع فكان أولى وذكر في غاية البيان أن فناء المصر ملحق به في وجوب الجمعة لا في إتمام الصلاة بدليل أنه يقصر الصلاة فيه ذهابا وإيابا
وفي المضمرات معزيا إلى فتاوى الحجة وجوب الجمعة على ثلاثة أقسام : فرض على البعض وواجب على البعض ، وسنة على البعض أما الفرض فعلى الأمصار وأما الواجب فعلى نواحيها ، وأما السنة فعلى القرى الكبيرة والمستجمعة للشرائط ا هـ .
وفيه نظر ; لأنها فرض على من هو من توابع الأمصار لا يجوز التخلف عنها وأما القرى ، فإن أراد الصلاة فيها فغير صحيحة على المذهب ، وإن أراد تكلفهم وذهابهم إلى المصر فممكن لكنه بعيد [ ص: 153 ] وأغرب من هذا ما في القنية من أنه يلزم حضور الجمعة في القرى ، ويعمل بقول رضي الله عنه إياك وما يسبق إلى القلوب إنكاره وإن كان عندك اعتذاره ، فليس كل سامع نكرا تطيق أن تسمعه عذرا ا هـ . علي
وإن المذهب عدم صحتها في القرى فضلا عن لزومها ، وفي التجنيس ، ولا تجب ، وإن كانوا قريبا من المصر ; لأن الجمعة إنما تجب على أهل الأمصار . ا هـ . الجمعة على أهل القرى
وفي فتح القدير ، وقد وقع الشك في بعض قرى مصر مما ليس فيها وال وقاض نازلان بها بل لها قاض يسمى قاضي الناحية ، وهو قاضي يولى الكورة بأسرها فيأتي القرية أحيانا فيفصل ما اجتمع فيها من التعلقات وينصرف ووال كذلك هل هو مصر نظرا إلى أن لها واليا أولا نظر إلى عدمهما بها والذي يظهر اعتبار كونهما مقيمين بها وإلا لم تكن قرية أصلا إذ كل قرية مشمولة بحكم ، وقد يفرق بين قرية لا يأتيها حاكم يفصل بها الخصومات حتى يحتاجوا إلى دخول المصر في كل حادثة يفصلها ، وبين ما يأتيها فيفصل فيها وإذا اشتبه على الإنسان ذلك فينبغي أن يصلي أربعا بعد الجمعية وينوي بها آخر فرض أدركت وقته ، ولم أؤد بعد ، فإن لم تصح الجمعة وقعت ظهره ، وإن صحت كانت نفلا ا هـ .
وفي القنية مصلي الجمعة في الرستاق لا ينوي الفرض بل ينوي صلاة الإمام ويصلي الظهر وأيهما قدم جاز ا هـ .