[ ص: 92 ] ( قوله : وموت ما لا دم فيه كالبق والذباب والزنبور والعقرب والسمك والضفدع والسرطان لا ينجسه ) أي لا ينجسه وقد جعل في الهداية هذه المسألة مسألتين فقال أولا موت ما ليس له نفس سائلة في الماء لا ينجسه كالبق والذباب والزنابير والعقرب ونحوها ثم قال وموت ما يعيش في الماء لا يفسده كالسمك والضفدع والسرطان وقد جمعهما قول موت حيوان ليس له دم سائل في الماء القليل المصنف وموت [ ص: 93 ] ما لا دم له ; لأن مائي المولد لا دم له فكان الأنسب ما ذكره المصنف من حيث الاختصار إلا أنه يرد عليه ما كان مائي المولد والمعاش وله دم سائل ، فإنه سيأتي أنه لا ينجس في ظاهر الرواية مع أن عبارة المصنف بخلافه فلذا فرق في الهداية بينهما ونقل في الهداية خلاف في المسألة الأولى وكذا في الثانية إلا في السمك وما ذكره من خلاف الشافعي في الأولى ضعيف والصحيح من مذهبه أنه كقولنا كما صرح به الشافعي النووي في شرح المهذب .
وفي غاية البيان قال في شرح الجامع الصغير : لا أعلم أن فيه خلافا بين الفقهاء ممن تقدم أبو الحسن الكرخي ، وإذا حصل الإجماع في الصدر الأول صار حجة على ما بعده ا هـ . الشافعي
وقد علمت أنه موافق لغيره وعلى تقدير مخالفته لا يكون خارقا للإجماع فقد قال بقوله القديم التابعي الجليل كما نقله يحيى بن أبي كثير الخطابي الإمام التابعي كما نقله ومحمد بن المنكدر النووي
والدليل على أصل المسألة ما رواه في صحيحه بإسناده إلى البخاري رضي الله عنه أنه قال قال رسول الله : صلى الله عليه وسلم { أبي هريرة } وفي رواية إذا وقع الذباب في إناء أحدكم فليغمسه ثم لينزعه فإن في أحد جناحيه داء وفي الآخر شفاء النسائي من حديث وابن ماجه { أبي سعيد الخدري } ومعنى امقلوه اغمسوه وجه الاستدلال به أن الطعام قد يكون حارا فيموت بالغمس فيه فلو كان يفسده لما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بغمسه ليكون شفاء لنا إذا أكلناه ، وإذا ثبت الحكم في الذباب ثبت في غيره مما هو بمعناه كالبق والزنابير والعقرب والبعوض والجراد والخنفساء والنحل والنمل والصرصر والجعلان وبنات وردان والبرغوث والقمل إما بدلالة النص أو بالإجماع كذا في المعراج قال فإذا وقع في الطعام فامقلوه فيه فإنه يقدم السم ويؤخر الشفاء : وقد تكلم على هذا الحديث من لا خلاق له وقال كيف يجتمع الدواء والشفاء في جناحي الذبابة وكيف تعلم ذلك حتى تقدم جناح الداء قال : وهذا سؤال جاهل أو متجاهل والذي يجد نفسه ونفوس عامة الحيوان قد جمع فيها الحرارة والبرودة والرطوبة واليبوسة ، وهي أشياء متضادة إذا تلاقت تفاسدت ثم يرى الله عز وجل قد ألف بينها وجعلها سببا لبقاء الحيوان وصلاحه لجدير أن لا ينكر اجتماع الداء والدواء في جزأين من حيوان واحد وأن الذي ألهم النحلة اتخاذ بيت عجيب الصنعة وتعسل فيه وألهم النملة كسب قوتها وادخاره لأوان حاجتها إليه هو الذي خلق الذبابة وجعل لها الهداية إلى أن تقدم جناحا وتؤخر آخر لما أراد الله من الابتلاء الذي هو مدرجة التعبد والامتحان الذي هو مضمار التكليف وله في كل شيء حكمة وعلم وما يذكر إلا أولو الألباب ا هـ . الإمام الخطابي
وقال بعضهم المراد به داء الكبر والترفع عن استباحة ما أباحته الشريعة المطهرة وأحلته السنة المعظمة فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بمقله دفعا للتكبر والترفع ، وهذا ضعيف ; لأنه حينئذ يخرج الجناحين والشفاء عن الفائدة كذا ذكره السراج الهندي .
واستدل مشايخنا أيضا على أصل المسألة بما عن سلمان رضي الله عنه عنه عليه السلام { سلمان كل طعام وشراب وقعت فيه دابة ليس لها دم فماتت فيه فهو حلال أكله وشربه ووضوءه } قال قال يا الزيلعي رحمه الله تعالى المخرج رواه وقال لم يروه إلا الدارقطني عن بقية سعيد بن أبي سعيد الزبيدي ، وهو ضعيف ورواه ابن عدي في الكامل وأعله بسعيد هذا وقال هو شيخ مجهول وحديث غير محفوظ ا هـ .
قال العلامة : في فتح القدير ودفعا بأن روى عنه الأئمة مثل بقية هذا هو ابن الوليد الحمادين وابن المبارك ويزيد بن هارون وابن عيينة ووكيع والأوزاعي وإسحاق بن راهويه وناهيك وشعبة واحتياطه قال بشعبة يحيى كان مبجلا شعبة حيث قدم لبقية بغداد وقد روى له الجماعة إلا ، وأما البخاري سعيد بن أبي سعيد هذا فذكره وقال اسم أبيه الخطيب عبد الجبار ، وكان ثقة فانتفت الجهالة [ ص: 94 ] والحديث مع هذا لا ينزل عن الحسن ا هـ .
قال في الهداية : ; ولأن المنجس اختلاط الدم المسفوح بأجزائه عند الموت حتى حل المذكى لانعدام الدم فيه ولا دم فيها والحرمة ليست من ضرورتها النجاسة كالطين وأورد عليه ذبيحة النجاسة ومتروك التسمية عامدا ، فإنها نجسة مع زوال الدم المسفوح ، فإنها حلال مع أن الدم لم يسل . وذبيحة المسلم إذا لم يسل منها الدم العارض بأن أكلت ورق العناب
وأجاب الأكمل وغيره عن الأول بأن القياس الطهارة كالمسلم إلا أن صاحب الشرع أخرجه عن أهلية الذبح فذبحه كلا ذبح وعن الثاني أن الشارع أقام الأهلية واستعمال آلة الذبح مقام الإسالة لإتيانه بما هو داخل تحت قدرته ولا يعتبر بالعوارض ; لأنها لا تدخل تحت القواعد الأصلية .
وأجاب في معراج الدراية بأن طاهرا على الأصح ، وإن لم تؤكل لعدم أهلية الذابح وعزاه إلى المجتبى ثم قال : فإن قيل لو كان المنجس هو الدم يلزم أن يكون الدموي من الحيوان نجسا سواء كان قبل الحياة أو بعدها ; لأنه يشتمل على الدم في كلتا الحالتين قلنا الدم حال الحياة في معدنه والدم في معدنه لا يكون نجسا بخلاف الذي بعد الموت ; لأن الدماء بعد الموت تنصب عن مجاريها فلا تبقى في معادنها فيتنجس اللحم بتشربه إياها ولهذا لو قطعت العروق بعد الموت لا يسيل الدم منها وفي صلاة ذبيحة المجوسي والوثني وتارك التسمية عمدا البقالي لو مص البق الدم لم ينجس عند ; لأنه مستعار وعند أبي يوسف ينجسه وفي جمع الخلاف على العكس والأصح في العلق إذا مص الدم أنه يفسد الماء قال صاحب المجتبى : ومن هذا يعرف حكم القراد والحلم ا هـ . محمد
، وأما ما ذكره في الهداية من خلاف في الثانية فصحيح قال الشافعي النووي في شرح المهذب ما يعيش في البحر مما له نفس سائلة إن كان مأكولا فميتته طاهرة ولا شك أنه لا ينجس الماء وما لا يؤكل كالضفدع وكذا غيره إن قلنا لا يؤكل ، فإذا مات في ماء قليل أو مائع قليل أو كثير نجسه لا خلاف فيه عندنا ا هـ .
استدل للمذهب في الهداية بقوله ، ولنا أنه مات في معدته فلا يعطى له حكم النجاسة كبيضة حال محها دما لأنه لا دم فيها إذ الدموي لا يسكن الماء والدم هو المنجس ، وفي غير الماء قيل غير السمك يفسده لانعدام المعدن ، وقيل لا يفسده لعدم الدم هو الأصح ا هـ .
كقوله كبيضة حال محها بالحاء المهملة فيهما أي تغير صفرتها دما حتى لو صلى ، وفي كمه تلك البيضة تجوز صلاته بخلاف ما لو حيث لا تجوز ; لأن النجاسة في غير معدنها وعموم قوله مات في معدنه يقتضي أن لا يعطي للوحوش والطيور حكم النجاسة إذا ماتت في معدنها ; لأن معدنها البر ولهذا جعل صلى وفي كمه قارورة دم شمس الأئمة تعليل قوله لا دم فيها أصح قال ليس لهذه الحيوانات دم سائل ، فإن ما فيها يبيض بالشمس والدم إذا شمس يسود ، وكذا في معراج الدراية وتعقبه في فتح القدير بأن كون البرية معدنا للسبع محل تأمل في معنى معدن الشيء والذي يفهم منه ما يتولد منه الشيء ، وعلى التعليل الأول فرع ما لو وقعت البيضة من الدجاجة في الماء رطبة أو يبست لا يتنجس الماء ; لأنها كانت في معدنها وكذا ; لأنها كانت في معدنها ثم لا فرق بين أن يموت في الماء أو خارجه ثم ينتقل إليه في الصحيح وروى عن السخلة إذا سقطت من أمها رطبة أو يبست لا تنجس الماء إذا محمد لا للنجاسة بل لحرمة لحمه وقد صارت أجزاؤه في الماء ، وهذا تصريح بأن كراهة شربه تحريمية وبه صرح في التنجيس فقال : يحرم شربه . تفتت الضفدع في الماء كرهت شربه
وفي فتاوى قاضي خان ، فإن في رواية عن كانت الحية أو الضفدع عظيمة لها دم سائل تفسد الماء وكذا الوزغة الكبيرة ، وفي السراج الوهاج الذي يعيش في الماء هو الذي يكون توالده ومأواه فيه سواء كانت لها نفس سائلة أو لم تكن في ظاهر الرواية . أبي يوسف
وروي عن أنه إذا كان لها دم سائل أوجب التنجيس ا هـ . أبي يوسف
وكذا ذكر الإسبيجابي [ ص: 95 ] فما في الفتاوى على غير ظاهر الرواية واختلف في طير الماء ففي السراج الوهاج أنه ينجس ; لأنه يتعيش في الماء ولا يعيش فيه وفي شرح الجامع الصغير قاضي خان يفسده هو الصحيح من الرواية عن وطير الماء إذا مات في الماء القليل ، وإن مات في غير الماء يفسده باتفاق الروايات ; لأن له دما سائلا ، وهو بري الأصل مائي المعاش والمائي ما كان توالده ومعاشه في الماء ا هـ . أبي حنيفة
وطير الماء كالبط والإوز وفي المجتبى الصحيح عن في موت طير الماء فيه أنه لا ينجسه وقيل إن كان يفرح في الماء لا يفسده ، وإلا فيفسد ا هـ . أبي حنيفة
فقد اختلف التصحيح في طير الماء كما ترى والأوجه ما في شرح الجامع الصغير كما لا يخفى وفي الكلب المائي اختلاف المشايخ كذا في معراج الدراية من غير ترجيح لكن قال في الخلاصة أجمعوا أنه لا يفسد الماء ا هـ . الكلب المائي والخنزير المائي إذا مات في الماء
فكأنه لم يعتبر القول الضعيف كما لا يخفى وقد وقع لصاحب الهداية هنا وفي بحث الماء المستعمل التعليل بالعدم ووجه تصحيحه أن العلة متحدة ، وهي الدم ، وهو في مثله يجوز كقول في ولد المغصوب لم يضمن ; لأنه لم يغصب كذا في الكافي وتوضيحه أن عدم العلة لا يوجب عدم الحكم لجواز أن يكون الحكم معلولا بعلل شتى إلا أن العلة إذا كانت متعينة يلزم من عدمها عدم المعلول لتوقفه على وجودها وهنا كذلك ; لأن النجس هو الدم المفسوح لا غير ولا دم لهذه الأشياء بدليل أن الحرارة لازمة الدم والبرودة لازمة الماء ، وهما نقيضان فلو كان لها دم لماتت بدوام السكون في الماء كذا في غاية البيان محمد
وفي الهداية سواء وقيل البري يفسد لوجود الدم وعدم المعدن وقيل لا يفسده قال الشارحون : الضفدع البحري هو ما يكون بين أصابعه سترة بخلاف البري وصحح في السراج الوهاج عدم الفرق بينهما لكن محله ما إذا لم يكن للبري دم أما إذا كان له دم سائل فإنه يفسده على الصحيح كذا في شرح منية المصلي والضفدع بكسر الدال والأنثى ضفدعة وناس يقولون ضفدع بفتح الدال ، وهو لغة ضعيفة وكسر الدال أفصح والبق كبار البعوض واحده بقة وقد يسمى به الفسفس في بعض الجهات وهو حيوان كالقراد شديد النتن كذا في شرح منية المصلي والزنبور بالضم وسمي الذباب ذبابا ; لأنه كلما ذب آب أي كلما طرد رجع وفي النهاية وأشار والضفدع البري والبحري إلى أن الطحاوي يفسده ، وهو غلط منه فليس في الطافي أكثر فسادا من أنه غير مأكول فهو كالضفدع ا هـ . الطافي من السمك في الماء
واعلم أن كل ما لا يفسد الماء لا يفسد غير الماء ، وهو الأصح كذا في المحيط والتحفة والأشبه بالفقه كذا في البدائع لكن يحرم أكل هذه الحيوانات المذكورة ما عدا السمك الغير الطافي لفساد الغذاء وخبثه متفسخا أو غيره وقد قدمناه عن التجنيس .
[ ص: 93 ]