5744 ص: فإن قال قائل: فإنا قد رأينا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حكم في الجنين بغرة عبدا أو أمة، وحكم في الدية بمائة من الإبل، وفي أروش الأعضاء بما قد حكم به مما قد جعله في الإبل، فكان ذلك حيوانا كله يجب في الذمة، فلم لا كان كل الحيوان أيضا كذلك؟
قيل: قد حكم النبي -عليه السلام- في الدية وفي الجنين بما ذكرت من الحيوان، ومنه من بيع الحيوان بعضه ببعض نسيئة على ما قد ذكرنا وشرحنا في هذا الباب، فقد ثبت النهي في وجوب الحيوان في الذمة بأموال، وأبيح وجوب الحيوان في الذمة بغير أموال، فهذان أصلان مختلفان نصححهما ونرد إليهما سائر الفروع، فنجعل ما كان بدلا من مال حكمه حكم القرض الذي وصفنا، وما كان بدلا من غير مال فحكمه حكم الديات والغرة التي ذكرنا، من ذلك: التزويج على عبد وسط أو أمة وسط، والخلع على أمة وسط أو على عبد وسط.
والدليل على صحة ما وصفنا أن النبي -عليه السلام- قد جعل في جنين الحرة غرة عبدا أو أمة، وأجمع المسلمون أن ذلك لا يجب في جنين الأمة، وأن الواجب فيه دراهم أو دنانير على ما اختلفوا، فقال بعضهم: عشر قيمة الجنين إن كان أنثى، ونصف عشر قيمته إن كان ذكرا.
وممن قال ذلك: أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهم الله -]. ومحمد
وقال آخرون: نصف عشر قيمة أم الجنين.
[ ص: 130 ] وأجمعوا في جنين البهائم أن فيه ما نقص أم الجنين، وكانت الديات الواجبات من الإبل على ما أوجبها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- تجب في أنفس الأحرار ولا تجب في أنفس العبيد، فكان ما حكم فيه بالحيوان المجعول في الذمم هو ما ليس ببدل من مال، ومنع من ذلك في الأبدال من الأموال، فثبت بذلك أن القرض الذي هو بدل من مال لا يجب فيه حيوان في الذمم.
وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف رحمهم الله تعالى. ومحمد